الفصل الأربعون

6K 224 23
                                    

الفصل الأربعون
تائهة في سرايا صفوان
………………..

احتدت تعابيرها وقست بشدة وهي تجلس أمامه على مكتبه الخشبي الأنيق في حجرة قصره ،هدرت بعنف غير موافقة على ما يحدث :
_ برضوا يا علّي ...، الـ حصل دا أنا مش موافقة ولا هوافق عليه ..! ، بنت مين دي عشان نناسبها ..! ، خلاص ابنك نسى الأصول ورايح يتجوز واحدة امها ميته وابوها قمّار بتاع تربيزه ومسجون ..!!!
تنهد بضيق وهو يضع يده على وجهه فهو كان يعلم أن اخته الكبيرة ستفتعل المشاكل أمام تلك الزيجة ولن تتقبلها ابدًا ، أردف محاولًا اخماد نيرانها :
_ يا زاهية اسمعيني إبراهيم بيحبها .. وأنا ميهمنيش غير سعادة ابني ...
_سعادة ايه وكلام فارغ ايه ..! ، دا لم يكون عندوا عيال ويسألوا عن أصل وفصل امهم هتقولهم ايه يا علّي ...، يا راجل قول كلام غير دا ... ! ،خليه يسبوا من البنت دي والغوا كروت الفرح .. معرفش انا فرح ايه الـ يوم الجمعة دا .. علطول كدا ...! ، وخليه يتجوز واحدة بنت حسب ونسب ... حاجه نتشرف بنسبها مش واحدة ابوها بتاع كاس وتربيزه ...
نفخ بضيق جلي وسخط ، ثم هتف :
_ مه كان معاها شيرين يا زاهية ..، بنت الحسب والنسب .. وخدنا منها ايه ..! ، ضيعت ابني وسبتوا في محنته واهو ربنا عقبها ...، ابني راجل وسيد الرجالة ومعاه مال وجمال لكن بظروف رجلوا دي ... تخلي اي واحدة ترفضه يا زاهية ...، مش هفضل انا العمر يجري بينا كدا وابص القيه عندوا اربعين سنة ولسا ماتجوزش ...، خلص الكلام خلاص .. وهو حر في حياته ...
_ لااء مخلصش يا علّي ..، يرجع بس وأنا هخليه يبعد عنها ويسبها ....
وثب علّي واقفًا بغضب وتحدث بانفعال :
_ هتعملي ايه يا زاهية ...، هتبعتيلوا صور مراتوا وهي مع واحد ولا ايه ..!! مهي مش بعيدة عليكِ ،عملتيها زماان وعندك استعداد تعمليها تاني
نظرت له بحدة وهي جاحظة الأعين .، ثم سرعان ما اصطنعت الهدوء وتحدث بـ :
_ بلاش تنبش في دفاتر الماضي يا علّي ...، وبعدين لسا مبقتش مراتوا .. وكلمتين مني على كلمتين منك ... حتى لو اضطريت تديها فلوس وتبعد ... اعمل كدا ...
ابتسم بسخرية وهتف بتهكم :
_ للأسف يا زاهية يا ختي ...، هي دلوقتي مراتوا ... مراتوا حتى قبل ما يعرفنا عليها ...
لطمت زاهية صدغيها بفزع ثم وثبت واقفة وعينها جاحظتين بعدم تصديق ثم قالت :
_ مراتوا ...!!! ، دا اتجنن دا ولا ايه ..! ،وانتَ يا علّي سيبلوا الباب عشان يعمل كدا من غير ما يرجعلك .. اخص ... اخص على تربيتك يا آمــنــه ..
جلس علّي على مقعده بهدوء وهتف بعدم اكتراث :
_ زي ما سمعتي يا زاهية ..، مراتوا .. هو اهه مكتوب كتابهم بس هيعملوا الفرح كمان يومين اهو ...، فلو عجبك الموضوع اتفضلي احضري مش عجبك .. ارجعي كفر الشيخ تاني مع عيالك وجوزك ... وملكيش دعوة بابني ...
_ انتَ بتطردني من بيتي يا علّي ...
_ مش بطردك يا زاهية .. دا بيتك برضوا ..، بس أنا بقولك لو مش عجبك الوضع امشي ..، ولو عايزه تقعدي اتفضلي ... بس يمين بالله لو فكرتي بس تضايقس ابني ولا مراته بكلمه يا زاهية لتكون زعلة بينا جامد ... واهه مراتوا عايشة معانا هنا ...
تهكمت ملامحه وهي تجيب ساخرة :
_ طبعًا ،وهي هتقعد فينا وهي لا أب ولا أم كدا ...
طرق علّي بيده عدة مرات على المكتب ليصدح صوتًا حاد ،ثم قال :
_ نهايته ...، مش عايزك تقولي كلمة كدا ولا كدا يا زاهية ،... انا محلتيش غير ابراهيم وعايز افرح بيه ...
تقدمت زاهية نحو الخارج وهي تهتف بوعيد :
_ ينا يا انتي يا بنت الـ **** ،مش هخلي علّي وآمنة يتكرروا تاني ابدًا ....
ثم خرجت من الغرفة بعد أن أغلقت بابها بعنف وهي تتوعد لقمر بالخراب العاجل .
********************
كانت تضب أغراضهم واحدة تلو الأخرى حينما استشعرت انه يقف خلفها من سخونة الهواء ،دارت جسدها له وهتفت باستغراب :
_ ايه في ايه ..!
مط شفتاه بضيق ثم تحدث بسخط :
_ يا ستي مش عايز امشي ..، خلينا انهارده وبكرا ونرجع يوم الفرح الصبح ...
وضعت يدها على صدره برفق ثم هتفت برقة :
_ وليد .. حبيبي مينفعش اسيب قمر لوحدها ...، توقيت فرحنا احنا الاتنين غلط الصراحة ...، ابقى عوضني مرة تانيه يا عم ...، وبعدين يعني انتِ ليه محسسني انا لما نرجع هسيبك من رجلي على رجلك يا خويا ...
رفع حاجبه باستغراب ثم ردد ساخرًا :
_ وحياة امك ... عم ويا خويا ..!
_ خلاص جوزي جزوجوزي .. حلو كدا ..!
_ زهرة ..
_ اممم
_ممكن ماتدلعنيش تاني ..، لاء بجد مش عايز تدلعيني خاالص ..، كفاية عليا وليد الـ بتطلع منك زي السكر دي...
ثم هتف برجاء محاولًا ثنياها عن المغادرة:
- تعالي نفك من الفرح دا، ونبقى نزورهم، انا مش عارف هقدر افضي وقت تاني امتى!
استدارت تُكمل ما تفعلهُ، قائلة بنفي:
- لاء يا وليد، يلا بقى اجهز
أمسك بنطاله الذي كان مُلقى بإهمال على الأرض وبدأ في ارتدائه وهو يسب لاعنً إبراهيم على هذا المعاد السيء للغاية فهو لم ينعم بدفئها كثيرًا ، فقط اربعة أيام .. فقط ..!
انتهى من اجرائات الخروج من الفندق ثم أمسك يدها واقتادها للخارج وخلفهم اثنين من العاملين يجرون حقائبهم ، وقفت زهرة في الخارج بجوار وليد تتأبط ذراعيه فمال عليها هامسًا وهو يتجه نحو أحدى السيارات السوداء :
_ عملت زي ما انتِ عايزه اهو يا ستِ عشان ماتقوليش حارمك من حاجه ...!
نظرت لسيارة بفرحة ،فقد ترجتهُ عليه كثيرًا بالأمس أن يرجعوا في السيارة ولا يستقلوا الطائرة ابدًا ، ردت بتهكم ترد له ما قاله :
_ ايه ستي دي ..! ، شايفني ستك قدامك ولا ايه ..!
كانوا قد جلسوا بسيارة فاقترب وليد خاطفًا قبلة من على وجنتيها وهو يتحدث قائلًا :
_ ستي ايه بس ..! ، حد يقول على البطل دا ستي ..
تغنجت بجلستها وهتفت بدلال :
_ ايوا كدا ..، ال ستي ال ..!!
قهقهة وليد على دلاله فاعتدلت في جلستها وهي تحمحم خجلة ،فمدّ يده ممسكًا بكفها يقبْل باطنه وهو يهتف :
_ ادلعي يا حبيبتي ...، عايزك تدلعي من هنا لأخر العمر ...
مالك تستند على كتفه وقد بدأت السيارة بالتحرك من أسوان الى القاهرة ، طالعت الطريق بنظرات سعيدة ثم قالت :
_ربنا يخليك ليا يا حبيبي ...
أمال رأسه على رأسها ثم تحدث بنبرة سعيدة:
_ عارفة يا زهرة ..، لو كان حد قالي اني هتجوز ست واحبها زي منا بحبك كدا مكنتش صدقته ..، مش عارف ..!! ، بس كنت حاسس اني هتجوز وحدة كدا عشان مصلحة الشركة والسلام ..، جواز مصلحة يعني ..! ، بس صدقيني أول ما شفتك حسيت ان روحي وقلبي فيكِ ، بحمد ربنا اوي على هدية الـ عطهاني دي
تنهدت زهرة بهيام وهتف :
_ وأنا مكنتش متخيلة اني هتجوز واحد زيك يا وليد ..، بس بحمد ربنا عليك ... ، مش متخيلة حياتي من غيرك كانت هتبقى عاملة اذاي ...
ملئت عينها بشبق السعادة والفرحة الشديدة ، أمال رأسهُ قليلًا مقبّلا رأسها ، صمت لحظات ثم هتف وهو يمد يده يتلمس بطنها هاتفًا بتمني :
_ نفسي ربنا يرزقني بطفل منك اوي يا زهرة ....، لاء اطفال كتير .. كتير اوي ...
همست بخجل
_ أكيد هيكونوا محظوظين عشان انت ابوهم مش اكتر ..
_ تؤ ...، عشان انتِ امهم .. أجمل زهرة في الكون كله ..
*****************************
بالمشفى الخاص الذي تم نقل فيها نبيل منذ يومين ،وقفت ماتيلدا بجوار أحمد الذي كان يقف شاردًا دون أن يتحدث ، يومان وهي تحاول الحديث معه الا انه يرفض تمامًا مغلقًا على قلبها كل سبل الاتصال ، ليلتين تستيقظ منذ الصباح الباكر وتأتي للمشفى بفرده لتكن بجواره ثم تعود ليلًا مع عمتها أو جمال .
ابتلعت ريقها بتوتر وهي تضع يدها على ذراعه تهمس بأسمه بصوتًا هامس :
_ أحمد ....
رغمًا عنه رفع يدهُ على يدها التي وضعتها على ذراعه ثم انزلها ارضًا وهو يقول بجفاء :
_ ايه الـ جابك تاني ..! ، امشي من هنا يا ماتيلدا ... أنا مش ناقص والـ فيا مكفيني لو سمحتي ...
_ طب... طب .. أنا اا .. اوزه .. اتكلم .. معـءاك ...
طالعها بحدة مردفًا :
_ تتكلمي في ايه ..! ، وفين ..؟! ، انتِ ايه مش بتحسي .. مش ملاحظة الـ انا فيه .. ! ، اتفضلي روحي ولما يبقى اخويا كويس هبقى أقول لماما واهلك ان الموضوع بينا انتهى ...... زي ما انتِ عايزه ..!
كاذب .. ولا يقول الصدق، فهو ينتظر أن يكون أخوه بصحة جيدة ليذهب لها ويعلم لما فعلت هذا ، لكن يبدو أن قال هذا ليؤلمها .. وفي الواقع قد ألم نفسه عندما رأها قد بدأت في البكاء ، أشاح وجهه عنها بعيدًا يرغم قلبه على الا ينساق خلف مشاعره وما يريده ويقوم بمسح دموعه والاعتذار منها ايضًا وخصوصًا وهو يرى حالتها الواهنة تلك .
بعيدًا في بيت سحر ،هتفت بضجر وانفعال:
_ اهي نزلت برضوا من غير أكل ...، استغفر الله العظيم يا رب ... هتقع من طولها كدا والله ...
هتفت ثريا ممتعضه من تصرف ماتيلدا :
_ رني على أحمد قوليلوا يا سحر وينزلوا يفطروا سوا هتلاقيه هو كمان مفطرش .... ،بس قوليلوا خليه يشد عليها شويا ...
_شكلي هعمل كدا فعلًا .. فين التلفون ...
في المشفى ،خرجت الممرضة من غرفة العناية المركزة القابع بها نبيل بعد أن انتهت عمليته اول أمس .
هرول أحمد اتجاها سريعًا هاتفًا :
_اخويا عامل ايه ...
طالعته الطبيبة ببسمة أمل وأردفت :
_ الحمدلله يا فندم ،بدأ يفوق وحرك أيده ... هنده الدكتور فورًا ...
ثم أسرعت في اتجاها للأمام كي تُنادي الطبيب المعالج ، تنهد أحمد بسعادة حقيقية هامسًا داخله :
_ الحمدلله .. الحمدلله يا رب ...
اقتربت منه ماتيلدا وقد فهمت حديث الممرضة ثم قالت بابتسامة متعبة اثر جهد صحتها العام :
_ هيفوق .. ويكون كويس أهـ..حمد ..
طالعها باستغراب من وهنها هذا ،فهو لم يعتدها هكذا ، لهذا هتف متسألًا :
_ انتِ كويسة .. !
أومأت بنعم دون حديث ،ثم راحت تجلس على أحد المقاعد وهي تتنفس بثقل ،تحاول أن تتذكر أخر مرة قد أكلت بها .
بعد قليل ،خرج الطبيب من غرفة العناية وملامحه مغتبطة سعيدة ،فاقترب أحمد منه قائلًا بقلق :
_ هاا يا دكتور طمني ..، نبيل هيفوق امتى ..!
_ أنا قولت لحضرتك 48 ساعة لو مفاقش هيبقى لا قدر الله دخل في غيبوبة ،بس انا شايف مؤشراته الحيوية كويسة جدًا وبدأ يفوق اهو ..، يعني كلها ساعة ولا ساعتين ان شاء الله ويفوق تمامًا ..، معلش يا سيادة الرائد الخبطة شديدة عليه جدًا ، احمد ربنا إن مفيش اي نزيف داخلي او حاجه شديدة على المخ كلها رضوض وكسر وكدمات ..، يعني حاجه مقدور عليها وتلات شهور بالكتير ويرجع يمارس حياته الطبيعية مع العلاج الطبيعي طبعًا ،.... عنئذنك عندي عملية دلوقتي ولما أخلص هرجعلوا تاني ...
أومأ أحمد بنعم موافقًا هاتفًا بخفوت :
_ اتفضل ..
رحل الطبيب فخطى أحمد نحو الحائط الذي به شرفة زجاجية لينظر إلى جسد اخيه الذي يفترش الفراش بتعب وقدمه الملفوفة داخل جبس طبي ويده ايضًا ،ورأسه يحيط بها شاش أبيض طبي وبعض الجروح المخيطة على وجهه وبطنه ايضًا .
تنهد بحزن شديد وهو يفكر من له يد بما حدث لآخوه غير كونها ردة فعل على ما حدث لعبدول وناصر ..!
قاطع شروده صوت رنين هاتفه فأخرجه من جيبه ونظر له ليجد أن المتصل سحر ، نظر نظرة خاطفه نحو ماتيلدا التي تجلس بعيدًا عنه الى حدًا ما ،فوجدها ترجع رأسها للوراء وعينها مغمضتان ، طالع هاتفه مرة أخرى وفتح الاتصال ثم وضعه على اذنه هاتفًا :
_ الوا ..، أذيك يا سحر عامل ايه ..
_........
_الحمدلله بدأ يفوق اهو
_.........
_ يا رب ،ان شاء الله هيبقى كويس الدكتور لسا مطمني اهو
_..........
تنغص حاجبه بضيق وهو يطالع ماتيلدا هاتفًا:
_وانتِ بتخليها تنزل ليه من غير أكل طيب ..! ،افرضي اغم عليها ولا حاجه ..!؟
_......
_طيب خلاص انا هتصرف ..، سلام
أغلق الهاتف معها ،ثم اقترب جالسًا بجوار مقعد ماتيلدا ،شعرت هي به ففتحت عينها واعتدلت بجلستها قائلة :
_ what did the doctor said..
"ماذا قال الطبيب"
أومأ بهدوء مردفًا:
_الحمدلله بدأ يفوق ،ومؤشراته الحيوية كويسه ،كلها ساعة ولا ساعتين ويفتح عينوا ..
تنهدت براحة وهي تهتف :
_الهـ...حمد لله ..
صمت قليلًا ،ثم هتف متسألًا :
_ انتِ اخر مرة كلتي فيها امتى ...
انتبهت لسؤاله وهي تقطب جبينها باستغراب ثم هتفت :
_ ليه ..!
_ ماتيرديش على سؤالي بسؤال ..! ، بقولك كلتي اخر مرة امتى ..
أشاحت وجهها بعيدًا بحزن من حدته ،وهتفت بخفوت :

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن