الفصل الأول.

64 3 102
                                    

"كان عيشنا اليوم ، واستنشاقنا لهواء الحياة ، ضرباً من المستحيل ، كان من الممكن ألا ننجوا ولا نحيا ، والأشياء التي أمامنا الآن كانت بالأمس أمنياتٍ بعيدة ، أمنياتٍ مستحيلة"

مقولة منحوتة على لوحة في غرفة جلوس قصر الدّوق ساي مورفي ، نحتها بعد أن تحققت أحد أقدم أمنياته ، تحققت أليكساندرا مورفي أمنية أبيها!.

•  •  •

الظلام قد حل ، والظلام لا يستثني الصغير من الكبير ، فحينما يجنّ الليل ، يأتي! ، من؟ ، كل ما نعلمه هو أن اسمه " بيل"  أهو إنسان أم من نسل الجان؟ ، لا نعلم ، لكن ربما هو الإثنين معاً ، كان شعره أسود بحلكة الليل ، ووجهه مليئاً بالندوب ، نحيلٌ طويل ، لا يعرف التحرك إلا في الليل ، هذا الوحش اللئيم لا يسعى إلا لشيء واحد ، الطفلة التي في الخامسة أليكساندرا مورفي! ، ولمَ؟ ، لا ندري ... لكنه يندد بأن مورفي لا يجب أن يمتلك طفلة ، وأن الشر سيقع حينما تكون هناك طفلة لمورفي ، لقد اعتاد الظهور لها دائماً ، لكنها تخافه خوفاً شديداً ، طرق باب النافذة ، وفتحها بهدوء وقال:

- أيا صغيرة ، يا ابنة مورفي ، ماذا تفعلين أمازلتِ حية؟.

أسنانها تصطك من الخوف ، عيونها شاخصة ودموعها أغرقت مقلها البلورية ، نظر إليها بتلك الطريق الغريبة واختفى فجأة ، عقلها لم يستوعب أين ذهب وكيف لم يراه أحد؟ ، إعتادت على مجيئه وقوله لتلك الجمل الموجزة كل مرة ودون وقت محدد ، كانت و لازالت تخافه ، وتنهار باكية كلما رأته ، لكنها كانت تعلم بأن هذا هو حد ما سيفعله بيل و أنه شيء غير قابل للتصديق إن قالته.

وتمر الأيام قاسية على قلب هذه الطفلة ، وخشيتها من ذلك الرجل كانت خشيتها الأولى ، أليكساندرا كانت الابنة الثانية للدوق ساي مورفي والدوقة هانا مورفي ، والخليفة الرسمي كان شقيقها الأكبر سين مورفي ؛ كانت أليكساندرا ذاتَ عيونٍ لونها كلون البلور الأزرق فلا هي زرقاء فاتحة ولا خضراء باهتة وقد ورثتها من والدتها ، ولها شعرٌ أشقر فاتح ، كما لو أنه خيوط ذهب مصقول باهت اللون منحها إياه والدها ، كان لقب الباهتة يليق بمظهرها حقاً لكن وإن مات البدن .. أتموت الروح؟.

بلغت أليكساندرا السابعة من عمرها منذ مدة ، كانت فخورة جداً بإتقانها القراءة مبكراً ، فباتت تقرأ بعض السطور كل صباح على مائدة الفطور ، كان الدوق فخوراً جداً بها ويستلطفها دائماً ، والدوقة امرأة سمحة النفس لا تسمع من كلامها ما هو أمر من العسل ، وسين الذي حضر جميع مراحل حياة أخته كونه أكبر منها بخمسة أعوام كان يكن الكثير من المودة لها.

- يا أبتي ما رأيك فيما قرأت؟.

تبسم فتبسمت معه هالاته ، كان الدوق يبدو كالذي خرج لتوه من قترة مرهقة ، وقال:

-أهي سطورٌ من حكاية الملك الكئيبة التي أريتني إياها قبل مدة؟.

- نعم يا أبتي .

وضعت الدوقة فنجانها في طبقه ، وقالت:

- لمَ لا تقرأين شيئاً سعيداً يا ابنتي؟.

فأضاف سين:

- نعم نعم ، دائماً ما تقرأين هذه القصة يا أختي أوليس من الأفضل أن تقرأي غيرها ؟.

- سأفكر بالأمر .

كانت أليكساندرا مغرمة بهذه القصة الحزينة التي كانت تنسيها كثيراً من الأمور وأبرزها بيل ! ، كانت قصة فضيعة حد نهش القلوب ، فقد تحدثت عن ملكٍ بائس يائس ، كان يعيش أميراً نيراً بهيجاً بين أفراد عائلته ، ومرت السنوات عليهم خصبة سعيدة ، حتى أتى يومٌ مشهود كان فيه الأمير ابن الخمسة عشر عاماً ، عندما حاولوا إيقاظ والده الملك الشاب فلم يفق! ، وبدأت السماء تضيق بهم بموت الملك الأب .

ومر عامٌ جدب ، وفي ميعاد مقارب ، استغرب الأمير هدوء غرفة والدته ، فدخل عليها ، فوجدها ماتت ، وبدأ يرى السماء تسقط عليه! ، ماكان له إلا أن يحاول حماية شقيقته من الحزن ، و لكن الملكة لم تلبث في نعشها شهراً حتى ماتت الأميرة الصغيرة بظروفٍ غامضة ، فهناك من قال بأن الملك قتلها ، وهناك من قال بأنها انتحرت! ، وتولى الملك التاج حالما بلغ وتوج نفسه بنفسه وكان الملكي الوحيد في ساحة التتويج ، وبدأ الشباب والطيش يحكم عليه فصدق كل من قال له أنه صديق ، حتى وجد نفسه قد تورط بالزواج من أميرة لم يكن يطيقها .. ويوم زواجه خرج للغابة ولم يعثروه عليه إلا بعدها بأعوام ، عظاماً نخرة عليها بعض الثياب الملكية وتاج.

حزنت أليكساندرا عليه في كل مرة ، حزناً شديداً ، لهذا كانت تحاول أن تقرأها دائماً لعل ذلك يطفئ حزنها عليها وينسيها حزنها على نفسها! .

ياللبؤس ، أليكساندرا .

وبعد عامين وجدت أليكساندرا نشاطاً تنخرط فيه ينسيها أحزانها ، فقد وجدت نفسها بين السيوف والفروسية ، فإلتحقت بالتمارين في سن صغيرة بالرغم من وهن صحتها ، وبالرغم من عناد الدوق لها ، وبدأت ما تحاول أن تسميه بالأيام الجيدة .

وبعد أيامٍ من انتظامها كانت تتكلم حين التمرين مع مدربتها ، امرأةٌ كحلاء الشعر نحيلة وقوية البنية ، اسمها إليانا ، صعقت تلك الطفلة ذات التسعة أعوام بأن لبلادها "روكو" ملكٌ وملكة! ، فبلغ ذلك من نفسها حد العجب ، وحينما سمع والدها حديثها واستغرابها ضحك ثم قهقه حتى ضج مكتبه وكادت تسقط الجدران!.

فانزعجت أليكساندرا وأحست بالجهل ، فحاولت أن تقرأ وتفهم ما هي هوية هذه العائلة المالكة ، لم تفهم نصف المكتوب لأنها كانت مصطلحاتٍ أقل منها ، الشيء الوحيد الذي فهمته هي فترة حكم وترتيب الملك الحالي في جيله ، الذي كان يشبه والد الملك الذي من قصتها المفضلة ، ألا إنها أحست بالجهل أكثر لعدم فهمها!.

فِي المُستَحيل!.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن