الفصل الثامن والستون!.

12 2 81
                                    


الأخ الأكبر يكبر قبل الجميع ، أحياناً يكبر قبل والديه ويدرك اخطائهم ، يحسب خطوته ألف مرة ، ينضج  ، ويشيب قلبه ، وتفتر مشاعره ، يموت حياً ، ويتماشى مع أحلك الظروف .. ينطفئ في تحمل .. يذود ويقاتل على جبهات عدة ، ويَنسى تعبه ويُنسى .. ويعتاد الجميع على ذلك ، فلا يتذكرون ، يتأقلم كل يوم ، ينطفئ ، وينطفئ ،  حتى يموت فيه جانب آخر ، ويتغير مجدداً كل يوم .

كان شارداً ، ولم يأته النوم في تلك الليلة بل كان يتوقع تماماً أن يسمع بموت الجنرال ، حدج في المرآة ، رأى إنعكاسه ، تذكر نفسه قبل عامٍ من الآن ، وخيل إليه أنه يحدث نفسه فقال باسماً:

-أهلاً يا ليونارد ..

أو رُبما أهلاً يا "أنا الفاتر" مازلت على ذاتِ الذُبول والذُهول ، الذبول لعدم قبول جسدك وروحك للتعب الذي إبتعلته  ، والذهول من كم التغيّر الذي حل بك ، كَبرت فجأة ، تغيرت كثيراً لكنكَ ، مازلتَ بذاتِ الكَمد ، والكمد أشد من الحزن ، مازلت مرهقاً تخشى السقوط كل حين ،مازلت تكابر وتتناسى ، الأخ الأكبر الذي يكاد يجهش بالبكاء على عتبة الحياة ، أن : ماذا جلبني إلى هنا ؟ ، أي ذنبٍ إقترفت ، مازلت تتقدم في أعتى المراحل ، وتستلّ الحياة من الهم ، تنهار حيناً وتعود لتنساب وتتماشى مع ما يحل بك في هذه الدنيا من وقع رتيب كئيب ، يتطلّب الصبر والقوة ،بارك الله فيك وشكراً لك ولكل ما فيك ، وكل تطوّر أنت طوّرته في نفسك وحالك بالرغم من كل شيء ، شكراً لأنك تقف كل يوم من فراشك الذي يحضنك بعنف بأشد الكوابيس ، شكراً لأنك تعمل بدأب حين لا يكون عندك مقدار ضئيل من القوة يا أيها الضنيّ ، شكراً لكمية الفهم التي تفهمها للعالم أكثر وأكثر ، شكراً لكسرك لجميع الحواجز ، شكراً لإكتسابك عشرات المهارات فجأة ، شكراً لكتمك ، شكراً.

وإنتشله صوت طرق الباب فأخذ معطفاً خفيفاً خصص للنوم يغطي به بدنه ، فلم يلبس قميصه بعد من قوة السرحان العظمى ، وفتح الباب ، كانت أليكسا ، بدت عليها الصدمة ، وقالت:

- الجنرال راك!.

- ماذا؟!.

- قيل لي للتو أنه مات !.

وقف ليونارد أمام ذلك النعش ، لم يصدق البتة أن الموت مازال يبهره في كل مرة ، الجنرال راك الذي كان جزء لا يتجزأ من حياة ليونارد فهو زوج عمته القوي الوفي ، وقف بجانب كلاي ووضع يده على كتفه وقال:

- إحزن ما استطعت الآن ، وأنا أقسم لك بأني لن أصمت ، إن موته غير معقول وسأحقق في شأنه!!.

أحس بالقلق على أليكسا ، فبقي ما بقي ، ثم مضى إلى الداخل .

بعد إنتهاء الجنازة دخل رفقة أليكسا وصلوا للطابق الثاني ، وقف عند النافذة الواسعة التي في الممر ، كانت ملامحه مرهقة ، وبدا حزيناً بعض الشيء ، كانت ترى ذلك المعطف الملكي ذا الفرو الذي يملك منه أكثر من لون ،  يعطيه طابعاً كئيباً ، أو ربما كانت الكآبة أكثر ما يدور حوله عندما يتصرف كملك ، سكت قليلاً وقال:

- هذا اليوم يعيد إلي ذكرى قديمة... أنا لا أفهم ما قيمة القوة وكلنا في النهاية من تراب إلى تراب! ، وما قيمة العرش إن كنت ضعيفاً أمام الموت!.

- هذه سنة الحياة لن تتبدل أبداً .

- لا قيمة لأي نوع من الإنجازات ، ولن نتمكن من حماية من نريد ، أنا أظن بأني فاشل حقاً.

- لا أفهم ، بجدية أنت تبدو واثقاً لكنك لا تعد مميزاتك ، أولا ترى ميزة واحدة فيك تذهلك؟!.

سكت قليلاً و إلتفت إليها قائلاً:

-أعتقد بأني مفتُون بقدرتي على المضي قُدماً .

- ماذا؟.

- أظن بأني سأمضي قدماً ولو نُسف ظهري ، أعتقدُ بأن هذا ما جبلتني الحياة عليه .

- ليونارد... أكان صعباً جداً؟.

- لقد كان مستحيلاً ، لا أعرف كيف أنا هنا الآن.

- يقول أبي دائماً بأن ما نحن عليه اليوم كان بالأمس مستحيلاً!.

تبسم وحدجها بدفء وقال:

- أنتم مذهلون يا نسل مورفي.


فِي المُستَحيل!.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن