الفصل الثاني!.

18 4 38
                                    

انزعجت واحمرت خدودها الصغيرة ، وقد سمعت حسيساً فجأة ، فظنت أنه بيل ، فارتجفت و كادت أن توقع الشمعة التي تضيئ عتمة تلك المكتبة ، وحاولت أن تتماسك وتقف وهي تمسك الشمعة بيد وتقبض على فستانها الصغير بيدٍ أُخرى ، وعيونها محمرة على وشك البكاء ، وقداماها الصغيرتان الحافيتان ترتجفان ولكن حالتها هذه توقفت بعد أن رأت أنها مربيتها ماري ، تلك السيدة التي أحبتها أليكسا منذ طفولتها ، فقد كانت تعتني بها حينما تنشغل الدوقة ، بالرغم من أن أليكسا قد تولتها الدوقة أكثر من ماري ألا أنها مازالت تحب ماري حباً جماً ؛ سألت ماري:
- ما بكِ يا آنستي الصغيرة ماذا تفعلين هنا؟ .

- أنا اقرأ.

تبسمت ماري وتبسمت معها خدودها المنتفخة ، وقالت:
- عليكِ أن تنامي.

- هذا صحيح...

أخذتها من يدها وأخذت منها الشمعة ، وقالت :

- لنذهب إذن .

حينما وصلتا إلى غرفتها قالت ماري:

- أاسخن لكِ بعض الحليب كي تسترخي؟ فيبدو أن آنستي الصغيرة غاضبة ولديها قضية مهمة .

- أولستِ متعبة ؟.

- أنا أرتاح حينما أراكِ مرتاحة يا آنستي.

-شكراً شكراً!.

وحينما خرجت ماري سمعت تلك الجلجلة من نافذة غرفتها ولم يمهلها حتى تشهق إلى أن بان ، قائلاً:

- أيا صغيرة ، يا ابنة مورفي ، ماذا تفعلين أمازلتِ حية؟.

في حلكة الليل وتحت نور القمر المتسلل من النافذة ، ويحجب نصفه خيال ذلك الوحش البشري ، فتقف ابنة التسعة أعوام قائلة:
- يا بيل إنني لا أخاف منك البتة ، إفعل ما تريد فإني لا أهتم حقاً!! ، تهديدك هذا يبدو مملاً حقاً!.

- حقاً؟.

- أجل إفعل ما تشاء ودعني أنام .

لا تدري لما تذكرت الملك حينما خير بين شخص يكرهه والموت قرر الذهاب إلى الهلاك صامتاً ، بل وقد تجردت من الخوف للحظاتٍ طوال ، وعاد الخوف إليها ، حينما تخيلت أنها رأت وجه بيل يخلو من الملامح ولا يبقى فيه إلا عينين وفم كبير دامٍ ، حالما رأى مربيتها ، ماري ، ولم تعد تحس ولا تستوعب ، حتى رأت ماري مغمورة بالدم مشوهة البدن وبيل هارباً قائلاً حين خروجه:

- هذا هو ما شئت فعله الآن نامي .

وخرج تاركاً إياها في حالة ذهولة جثت على ركبتيها وقد لطختها بعض الدماء فتحدق في ذلك السائل القرمزي وفي جثة ماري المشوهة ، سمعت إحدى الخادمات الصراخ فأتت مسرعة ، فاشتد صراخ الخادمة وانهارت ، غطى أحد الفرسان جثة ماري التي تقشعر الأبدان لرؤيتها ، وأتى الدوق والدوقة وأخذا أليكساندرا في حضنهما ، وحاولا إيقافها عن الإرتجاف ، لم تستجب أليكساندرا البتة لأي سؤال ولم تحرك ساكناً ، قرر الدوق الذهاب لقصر آخر أبعد من هذا ، و بقيت على أليكسا هذه الحال لشهور ، لم تكن قادرة على استيعاب شيء ، حتى عندما كانت ترى بيل كانت لا تحرك ساكناً ، لم يقتل ماري وحسب بل و لقد قتل شيئاً ما فيها!.

في يومٍ مشمس هادئ ، أتى سين ليدرس بجانب أليكساندرا ككل يوم ، كانت  تجلس في غرفتها الجديدة وتدرس وحسب ، ولا تخرج إلا لتدريبات السيف ، قلق عليها الجميع وحاولوا كل جهودهم لاسترجاع طفلتهم القديمة ، فلذا كانوا دائماً يأتون إليها  .

قال سين:

- يا أختي ، ماذا تدرسين؟ .

ولم تجبه ، فحدج بعيونه البنية إلى ما تقرأ ، وأردف:

-إنه الملك نفسه .. أولا تملين؟ ، أتعلمين ، أنا يتوجب علي أن أذهب لأدرس بعيداً فأنتِ تعلمين أني في الرابعة عشر الآن ، ولكني لا أريد أن أكون بعيداً عنكِ وعن هذا المكان فماذا أفعل؟.

- ... ابتعد.

توتر ، وحك رأسه الأصهب تعبيراً عن توتره ، وقال:

- أتكرهينني؟.
- لا.
- إذن لمَ ابتعد؟.
- بيل.
-بيل؟.
- إنه بيننا.

لم يفهم سين شيئاً ولكنه أحس بأنها غير واعية وبل أحس بالخوف ، فحضنها وقبل جبهتها ، وطلب منها أن تأتي لحضور الغداء وانصرف لدراسته ، وظلت أليكسا واجمة في تلك الغرفة تحاول لملمة شتاتها .

مر عام ، و في يومٍ وباحدى محاولات الدوقة من أجل ابنتها ، قررت أن تأخذ أليكساندرا لحدث إجتماعي كانت بخير نوعاً ما لكنها كانت صامتة وهادئة ، وفي ظل تلك المناسبة الأجتماعية المملة  ، تعرفت على ماركيزة صديقة لوالدتها ، وكان لها ابنة من نفس جيل أليكسا  ، فتاةٌ كحلاء الشعر ذات عيون عسلية كانت إبتسامتها تشق محياها ، بل من النوع الذي تود مصادقته حالما تراه ، و اسمها آريا ، إبتهجت أليكسا برؤيتها ، وبل وجدت نفسها تتحدث معها وتبتسم لها فجأة كما لو أنها نسيت حياتها وأحزانها وذهبت بعيداً ، مما أدمع عيون الدوقة حالما رأتها وما كان لها إلا أن تقول لها في العربة وهي تمسح دموعها :
-ابنتي أليكسا حقاً يبدو أنكِ أصبحتِ بحال أفضل .
-أمي...
تقدمت وحضنت أمها وقالت:
-آسفة لأني أقلقتكم.

- لا تعتذري ، لقد عشتِ أوضاعاً لا يتحملها إنسان.

- لكن ...

- إبتهجي وحسب.



فِي المُستَحيل!.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن