الفصل السابع!.

8 2 34
                                    

مرت الأيام لطيفة على أليكسا ، وكانت تنال التقدير والمدح من أساتذتها وتهزم كلاي في المبارزة ، حتى مر عامٌ كامل ، إستيقظت أليكسا باكراً وحينما وقفت من فراشها أتتها خادمتها تقول:

- الدوقة تخبركِ بأن تتجهزي بسرعة فقد مات الملك.. وذهب الدوق قبلكم.

الملك؟ ، ذلك الرجل الشاب الذي رأوه قبل مدة؟ ، والد تلك الأميرة؟ ، ألم يكن يبدو بغاية الفتوة والحزن في الوقت نفسه؟ ، هل نهش الحزن بدنه؟ ، لم تستوعب ، حتى تجهزت وذهبت ووقفت أمام النعش ، مازالت غير مستوعبة ، إن الموت هو أكثر وحش يرتعب منه الإنسان ، الشيء الوحيد الذي لا حل له ، الذي يأخذ الناس بوحشية دون قدرة على مقاومته ، بل ويوهم المرء أن الموتى هم الخونة الذين إتخذوا مكاناً أفضل للبقاء فيه وتركه وحيداً.
ظلت أليكسا واجمة ، وكذاك جميع أفراد عائلتها إلا والدها ، قد كان في حالٍ سيئة فعلاً ، بقي في القصر الملكي أمام القبر ساعاتٍ طوالاً ، صامتاً ، متألماً ، واجماً ، لقد تعب وجهه أكثر من ذي قبل ، و بدت كل أحزان الدنيا عليه.

حينما رأت أليكسا ذلك المشهد وكل ذلك الأسى، تذكرت عبارة بيل وتمتمت :
- ... إنها الكارثة.

بعد أن عاد الدوق إلى المنزل لفت إنتباه أليكسا كلامٌ كان يردده:

- كان آرنولد محقاً ، لا أحد منا تقبل رحيل ألبرت أساساً ، لقد كنا نموت كل يوم ألف مرة ، ولا أدري مالذي خاضه ملكنا دون أن ندري أو يخبرنا حتى مات!.

تذكرت أليكسا يوم موت ماري ويوم جنازتها ، فجلست في ظلام غرفتها تتوسل النوم حتى يأتيها لتنسى ، وما هي إلا لحظات حتى بدأت تهدأ ، وفجأة سمعت:

- أيا صغيرة ، يا ابنة مورفي ، ماذا تفعلين أمازلتِ حية؟.

من شدة الصدمة ، لم تجبه ، حدقت فيه بصمت ووجوم حتى اختفى ، واستمر ظهوره كل بضعة أيام ، واستمر سعي أليكسا وهي لا تحسن إلا الدراسة والسيف وبدأت صحتها تسوء ، وكان الأطباء يأتون إليها كثيراً ، حتى ملت الأيام فخرجت إلى الحديقة محاولة نسيان ما بها ، وجدت كلاي وسين يتدربان كالعادة ، سألها كلاي:
- مابكِ يا أليكساندرا أأنتِ بخير؟.

- لابأس .

- لا تبدين كذلك.

- لا يهم حقاً .

إقترب منها بضع خطوات وقال:

- ما بكِ حقاً؟.

- لا تهتم!.

قالت غاضبة بملامح عنيفة ، ليشده سين ويتراجع كلاي مستغرباً قلقاً قال سين:

- لا بأس عليكِ يا أختي عندما تشعرين أنكِ تستطيعين الحديث تعالي.

-أجل.

جلست في غرفتها تقرأ في علم الإجتماع وتكتب ما قرأته في مسوّدة صغيرة ، ابنة الثلاثة عشر عاماً أرهقها الكثير منذ الآن ، بالرغم من كونها صغيرة ، في العام المقبل سيكون عليها أن تدخل في العالم الإجتماعي ، عليها أن تعلم كيف تتعامل مع جنس البشر المتوحش ، وأن تفهم كيف تخاطبهم ، الليل الطويل ، و طوله ينهش القلوب ، و لن يمر هذا الليل إلا بالدراسة .

- علي أن أنام حقاً.

- أيا صغيرة ، يا ابنة مورفي ، ماذا تفعلين أمازلتِ حية؟.

سمعت ذلك الصوت ، بان لها ، و قد كان وجهه متفتتاً بالياً ، لا تكاد تبصر تقاسيم وجهه ، دب فيها الرعب ككل مرة ، لكنها تجاهلته ، وبقيت تنظر إليه حتى خرج .

تسللت خارجة ، أرادت أن تشم الهواء بدون أي إزعاجات من أي أحد ، كان هناك ممر في الحديقة يودي إلى غابة صغيرة ، مجموعة أشجار ، ومكان فسيح مملوء بالعشب وقدرة على رؤية القمر ؛ خطت بهدوء ، خلعت حذاءها لتتحسس العشب بقدميها ، كانت هذه البقعة الصغيرة مهجورة من كل المخلوقات إلا الطيور ، المكان الأنسب للبقاء ، جلست ورفعت رأسها للسماء ، أحست ببعض السكينة وإنسابت الدموع ساخنة على خديها ، مسحت دموعها ، شهقت و زفرت ، ثم:

- يا ابنة مورفي... لمَ أنتِ هنا؟.
جفلت ، فهي لم تتوقع أن تجده هنا ، وقفت ، وحدقت في المكان الذي أتى منه الصوت ، فبان لها ، سألت:

- ماذا تريد؟.

- أنتظر موتكِ.

سكتت وأخرجت خنجراً صغيراً من جيبها ، نظرت إليه بحزم فقهقه حتى هز صوته الأشجار ثم قال:

- أبلغي التسعة عشر عاماً أنكِ ستموتين عندها ... لديكِ حتى ذلك العام ، بعد ستة أعوام من الآن ، سأقاتلكِ أما أنا أهلك أو أن تهلكي ، يا مورفي.

سكتت و نظرت إليه في استغراب ، وتسائلت لمَ هو يهددها من الأساس و لمَ عليه أن ينتظر حتى ذلك الوقت ؟ ، مضى وإختفى ، وهي غير قادرة على إستيعاب ما يحدث ، هل يمكن أن يستطيع أحدٌ قتله؟ ، ولكن من؟ ، هل هي تستطيع يا ترى؟.
أمضت الليل بطوله وهي تفكر ، ثم قضت حصتها التدريبية بعزم ، حتى ذهلت روزاليت من أدائها ، وبذلت قصارى جهدها ، وعملت عملاً جيداً ، حتى تغلبت على كل الفرسان الذين تحدوها .

فِي المُستَحيل!.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن