{5}

3.3K 243 17
                                    

كان أدريان يجلس بِغرفته و هو ينظر من النافِذة إلى ستار الليل الذي خيّم بظلامه على أراضي منطقة لانيون متأملًا بريق النّجوم المتألقة في السماء بلمعانها الباهر بينما صمته قد دام لِساعاتٍ طويلة أثناء تحديقه المتواصل نحو السماء الغامقة فـكانت عيناه التي تنطق بدلًا عنه و تصرخ بسكونٍ ظاهر عما بداخله و ما يشعر به عن طريق تلك النظرات الساكنة بعمقها الدامس كـالثقب الأسود لا يمكن الإفلات منها ليزفر الهواء بخفوت و هو يُغلق النافذة فـقرر أن ينام لأنه تعب مِن هذا العالم و أراد الراحة و لو قليلًا من صخب هذه الحياة المهلكة ثم فجأةً دخلت زوجة والده ستيفن غرفته و هي ترمقه بنظراتٍ حادة يملؤها الحِقد والكراهية ثم قالت " أنت تعال إلى هنا " نطقت تلك الجملة بتعالٍ و ثقة ظنًا منها بأنها ستُخيفه و يستجيب لها كالمُطيع و لكنها لم تلقى ردًا مِنه غير نظراته الساخرة و الحادة في آن واحد بحدقتيه الحضراء أما هي فقد صُدمت من نظراته القوية هذه لم تتوقع مِنه بأن يكون بِهذه الشجاعة بالنسبة لطفل بالعاشرة من العمر ، ذهبت  متجهةً له بخطواتٍ سريعة و الغضب يعتريها بينما صوت كعبها العالي و منظر وجهها المُتجهم يدب الرُعب في قلب أي طفل آخر لكن أدريان لم يهتز حتى أو يتزعزع ثباته فهو لم يتحرك مِن مكانه و أكتفى بنظراته الباردة و حينما وصلت عنده بغضون ثوانٍ أمسكت بيده بكل عُنف لتسحبه معها لكنه نفض يدها بقوة و جراءه فـنظرت له و علامات التعجب واضحة على ملامحها و سرعان ما تبدلت للسخط لتصرخ بغضب عارم " أنت أيها الوغد الصغير كيف تجرؤ " و كان رد أدريان عليها هو الصمت مكتفيًا بتحديقه المستمر نحوها بكل جمود فقد أصبح الصمت ملازمًا له لدرجة بأنه بالكاد يستذكر كيف كانت نبرة صوته أو متى آخر مرةٍ قد تحدث بها هذه الأيام فقد أطبق شفتيه و أصبح شخص ساكن و قليل الكلام بشكلٍ ملحوظٍ و مبالغ ، أبتسمت هي بخبث بينما نظرات التحدي يلمع شرارها بوضوح من عينيها البنفسجية " حسنًا أنت أردت ذلك " اتسعت ابتسامتها و صرخت بـ " يا حراااس " دخلوا الغرفة خمسة حراس منتظرين منها الأوامر ثم أعطتهُم نظرة مشيرةً بها نحو أدريان بمقصد " اجلبوه لي " اومئ الحراس و حاصروه و هو مازال على ثباته غير مظهرٍ لهم أي ذرةٍ من مشاعر الخوف أو الهلع و القلق فـتجهمت ملاِمح نيكول على برودته و عدم خوفه ليزداد غيضها مِنه قائلةً " أنا ذاهبه إلى الطابق السُفلي أحضروه لي " ثم ابتسمت بسخرية و أكملت حديثها بـ " همم و يمكنكم الاستمتاع به قليلًا " و نطقت بتشديد على كلماتها بنبرةٍ محذره " لعدة دقائق فقط  " فهموا الحراس ما كانت ترمي إليه و خرجت شياطينهم بلحظة وهم يلتفون حوله راسمين تلك الابتسامات القذرة على وجوههم المريعة إنهم حقًا مُجرد حثالة عديمة القيمة و الضمير فـلا وجه للمقارنة بين طفل ذو عشرة أعوام و مجموعة بالغين و الرجل القوي لا يُبرح ولدًا صغيرًا بالضرب أبدًا لكنهم بالنهاية مجرد أشخاص بمُسمى " الذكور " و صفات الرجولة قد تبرأت مِنهم ، بدأ الحراس بضرب أدريان ضربًا لا يحتمله آدمي فما بالكم بطفلٍ لا يتعدى العاشرة حتى أما هو فـلم يستطع فعل شيء غير مُحاولة ردعهِم بذراعيه النحيلتين و التقليل من حدة ضرباتهم العنيفة ضده فكيف لِطفلٍ بأن يحتمل كُل هذا الضرب و كيف لِجسده الهزيل الصمود أمام كل هذا فهو لم يأكل جيدًا مُنذ وفاة والدته و مُرهق نفسيًا و جسديًا بدرجة كبيرة ليأتوا فجأةً أولئك الحراس و يصعبون الأمر عليه أكثر لكنه لم يستسلم لهم قط ، صحيح بأنه قد تألم و بشدة لكنه لم يظهر ذلك أبدًا على ملامِحه فمازالت ملامحُه باردة و نظراته هادئة عكس ما بداخله و رغم مرارة الوضع و الألم الذي لا يطاق حافظ على هدوء ملامحه و حاول كبح رغبته بالصراخ لشدة وجعه حتى لا يستمتعوا بضربه و تفرح نفوسهم الخبيثة بذلك ، لقد وعد نفسه مُنذ وفاة والدته بأن لا يُبين أو يظهر ضِعفه أمام أي شخص و أيًا كان مهما بلغ حجم ألم قلبه سوف يصمد و يُكمل حياته صامتًا بترقب وكانت الفكرة الوحيدة التي كانت تدور بعقله مُنذ بدء جحيم حياته هي " بأن ينتظر الفَرَج و نهاية كل ذلك حتى يلحق بأمه الراحلة " كان هذا كل ما يرُيده متمنيًا إياه بقلبٍ قانط لأنه لم يعد يستطع رؤية الجمال في أي شيء بعد وفاة والدته فـلقد فَقَدَ جوهرة حياته و زهرة قلبه التي كانت تنعِشه و تُعطيه أملًا و حيويةً للمضي قدمًا في هذه الحياة ، استمر ضربهُم لبضع دقائق معدودات و قد كانت كفيلةً بإنهاكه كليًا فامتلئ جسده بالكدمات و الجُروح و هو يلهث بِصوتٍ مُرتفع مغمضًا إحدى عينيه بتعب أثناء محاولته لتنظيم أنفاسه التي تعلو و تهبط بسرعةٍ فائقة أيضًا أستطاع رسم ملامِح البُرود و اللامُبالاة على وجهه لكنه بالكاد نهض مِن الأرض و هو يترنح فنظروا له بسخريةً ليسحبه أحد الحُراس بِعنفٍ من معصمه إلى الطابق السُفلي عند نيكول ثم أحضروه لها و دَفَعه ذلك الحارس بِعُنف أمامها ليسقط أرضًا فنهض مرةً أخرى و استقام بوقفته و هو يلهث بإجهاد محدقًا بها بنظراتٍ حادة لتبتسم برضى على منظره الفوضوي و المُثير للشَفَقة قائلةً بغُرور " هذا ما يحدث للأطفال الغير مُهذبين " ضحك أدريان بخفة راسمًا ابتسامةً ساخرة ليحتقن وجهها غيضًا منه وهي تفكر بـ " كيف له أن يضحك بهذا الموقف ما باله أهو مختل سحقًا سأقتل هذا الوغد " إقتربت منه و أمسكت بمقدمة شعره الكثيفة بعنف ثم شدته بأقوى ما عندها فـكل مُرادها كان هو أن ترا ملامِح الألم مرسومةً على وجهه و لكن ملامحُه لم تتغير و مازالت باردة بنطراته المليئة بالحقد التي تخترقها فهو يشعر و كأن جلدة رأسه ستقتلع مِن مكانها بأية لحظة من شدة الألم لكنه تحمل ذلك و بعد عدة ثوان عندما فقدت الأمل من رؤية ملامحه المتألمة أفلتت شعره و دفعته للخلف بِقوه ليسقط و ابتسامته الجانبية لا زالت مرسومةً بطابعٍ ساخر على وجهه مستشعرًا لذة النصر بعدما نجح بإغاظتها و إثارة حنقها فـحاولت تمالك أعصابها و كبح رغبة قتله هنا و الآن لأنها تُريد الاستمتاع به لأيام طويلة ، لقد توقعته بأن يكون كبقية الأطفال و ينتحب راجيًا لها بكل ضعف و وهن لتتوقف عن ضربه لكنها اختارت الطفل الخطأ فـأدريان ليس بالطفل الذي قد يظهر دموعه لأحدٍ ما حتى و لو كانت جميع هُموم الأرض ترتكز على عاتِقه و هو على حافة الموت سيصمد و يكبت جميع آلامه .

يولاند (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن