{76}

1.3K 124 24
                                    

فتحت إحدى عينيها بقلق لترى ما الذي حصل بينما هي مستقرة بحضن أدريان لإمساكه بها عند سقوطها فوجدت الطلقة قد أصابت يد ذلك الرجل و ذلك ساعد إيثان بالنهوض و هزيمته لتقول متنهدةً براحة " كاد أن يتوقف قلبي يا إلهي " فضربها أدريان على رأسها قائلًا بغصب " أيتها الطائشة ماذا ستفعلين لو أنها أصابت ذلك الطويل الذي تعرفينه أو إن لوثتي يديك بقتل شخصٍ سفيه " عبست بحزن لتوبيخه لها و قالت بانزعاج " لا أعلم و لكن لم استطع الوقوف هكذا و التفرج فقط  و الأهم من ذلك بأن إيثان لم يتأذى " ليمر إيثان ناحيتهما بملامحٍ شاحبه ثم قال بهدوء أثناء عبوره من عندهما " لا تفعلي ذلك مرةً أخرى " ثم جلس على ركبتيه أمام ذلك الجسد البارد قائلًا بحشرجةٍ أثر غصته " أنا آسف .. آسفٌ لعدم حمايتك أيها الطفل " خلع معطفه و غطى به وجه إلياس و هو يبكي ذارفًا الدموع بقهر على ضياع حياة ذلك الشخص البريء ذو التسعة عشر ربيعًا و مستذكرًا كل لحظاته من بداية مقابلته الأولى له إلى آخر لحظة بكل تفصيلة صغيرة كـ ملامحه الغاضبة عندما يغتاظ و الخجلة عند سماعه للمديح أو تلقيه الثناء ، بانزعاجه الصاخب و ضجيجه المرح مع ابتساماته اللطيفة عند شعوره بالرضى و ابتسامات المكر حينما ينتصر بهزيمة إيثان أثناء معاركهم الصبيانية ، ملامحه المتوترة و نظراته المرتبكة التي دائمًا ما تفضح أمره فابتسم بألم مسترجعًا كل تلك المواقف التي جمعته به و صنعت علاقتهم اللطيفة بتلك الفترة القصيرة ليتذكر حديث إلياس له بذلك اليوم عندما كانوا بالمشفى و هو يقول له بصدقه البريئ " إيثان إنك شخص رائع و ما دمت لا تمتلك أية أخوة سأكون أخاكَ الأصغر فأنا أيضًا لم أجرب بأن أمتلك أخًا يكبرني " فقال ببكاء و حسرة " لأول مرةٍ قد أمتلكت أخًا أصغر و قد خطفه القدر مني بلحظة شقاء " و من ثم فجأةً قد سمعوا أصوات دوريات الشرطة مع سيارة إسعافٍ قادمةً نحوهم و أصوات سيارات رجال الإطفاء فامتلأ المكان بهم و أصبح مكتضًا بصفارات الشرطة و نداءات رجال الأمن ليقول فرانس باستنكار " إِطْفَائِيُّون ؟ " جفل الجميع حينما رأوا ذلك القصر الضخم خلفهم مشتعلًا بالنيران التي تحرقه بكل عنف و قوة بينما رجال الحماية المدنية يكافحون و يحاولون جاهدين إطفاء النار وإخمادها لكنها قد أبت الإنطفاء مشتعلةً بلهيبها الصارخ و هي تلتهم ذلك القصر بكل نهم و شراهة حتى بدأت تتهاوى أعمده القصر و تنهار فحدقت جوليا برعب نحو الحريق مستوعبةً بأن والديها في الداخل لتسمع إحدى رجال الأمن يقول " يجب علينا إطفاؤه بسرعة وصلنا خبر بأن هنالك أناس بالقصر " نظرت إلى عيني أدريان بلونها الأخضر المشع أثناء تفكيرها بـ " أظن بأن الشرّ قد عوقب في النهاية و انتصرنا رغم ما فقدناه من تضحيةٍ ثمينة ضربيةً لتحررنا " أما إيثان فقد نهض بتثاقل و قد اجتمعت تعاسة الكون بقلبه و هو يراهم يحملون إلياس داخل السيارة فقال بابتسامة سخرية مخاطبًا إياهم " لتو وصلتم ؟ أيها الحمقى لا فائدة ترجى منكم حينما تأتون متأخرين " غضب فجأةً و فقد أعصابه و هو يوبخهم بصراخٍ حاد " عملكم هو إنقاذ الأرواح قبل خروجها من جسد أصحابها وظيفتكم بأكملها تعتمد على التوقيت أيها الأوغاد الكسالى أتظنون بأن الوضع كان مجرد مزحة و لم تهتموا لاستغاثتنا البائسة سحقًا لكم و لأمثالكم " تجهمت وجوه المسعفين بامتعاض جراء توبيخه لهم ليقول أحدهم مستهينًا بإيثان " و من أنت حتى تحدد نوعية عملنا ما الذي تعرفه حتى " فـتقدم إيثان ناحيته بخُطًا سريعة و هو يستشيط غضبًا و لكمه بكل قوته على وجهه ثم تراوى له مشهده قبلًا حينما لَكَمَ إلياس بالمشفى ليعض شفته ندمًا و حسرة على فقدانه له و بينما هو يوبخهم كانت سيون قد لحقت بأخاها داخل السيارة مع فرانس و هم ينعشونه محاولين إرجاع نبضه فقالت سيون ببرود و نظراتٍ خالية " لا فائدة من ذلك لقد فارقت روحه هذه الحياة المشمئزة " لتحدق بـفرانس المليئ بالإصابات المؤلمة رغم صمته قائلةً بهدوء " اهتموا به فَهُو مصاب و لا يزال يتنفس " لكن فرانس قام بإبعاد الممرضة وهو ينطق بيأس" أنا بخير فقط كثفوا جهودكم عليه " فإلتفتت سيون نحوه بغضب لتقول " فرانس ! كفاك استهتارًا فأنا لن أقوى على فقدان شخصين دعها تعالجك فلا أمل بإنعاش أخي و أعلم بأنك تعي ذلك جيدًا " و في خارج سيارة الإسعاف كان إيثان يصب جُلّ غضبه عليهم و بعدما ضرب ذلك المسعف أخرج بطاقة عمله قائلًا بتحدٍ " إنني طبيب هنا أخبروني من أي مشفى أنتم حتى أجعلكم تخسرون وظيفتكم هذه التي لا تستحقونها أيها المغفلين " فـذعر الجميع و تفاجئوا بذلك ليتأسف ذلك المسعف بقلق متوسلًا بأن يسامحهم و أنهم لم يتعمدوا التأخير ناطقًا بأعذارٍ واهية لكنه أصر على معاقبتهم أشد عقوبه و بل تمنى سلب حيواتهم جميعًا ليشعروا بما شعر به إلياس بلحظات احتضاره فقد أعماه المقت و الألم عن التصرف بعقلانية و هو يكاد يفقد صوابه من شدة حنقه و أعصابه المنهارة ليتحدث بسخط قائلًا لهم وسط أنفاسه العنيفة أثر انفعاله " لا بأس إن كنتم لن تخبروني ما المشفى الذي أتيتم منه استطيع اكتشاف ذلك بنفسـ.. " أمسكت جوليا بيده و هي تقول له بنبرةٍ راجية " إيثان توقف عن فعل ذلك " لينظر إليها بضعف و الدموع تقطر من عينيه فسحبته بعيدًا عنهم بينما أدريان قد أمرهم بنظراتٍ مرعبة " هيا اذهبوا و احرصوا على معالجة ذلك الأشقر و الفتاة معه بكل عناية و إلا سآتي أنا و الطويل لنبرحكم ضربًا " أما من جانب جوليا و إيثان فقد أجلسته عند شجرة ما حتى يهدأ قليلًا فشرع بالبكاء مغطيًا عينيه بيده لتبكي جوليا معه حزنًا على حاله و ألمًا على فقد إلياس ثم عانقته جوليا قائلةً بحزن " لا تلم ذاتك و تستمر بتعذيبها إنه ليس خطؤك توقف عن ذلك ارجوك إلياس لن يكون سعيدًا بحالك هذا " سكت قليلًا بعدما هدأ و أكملت حديثها له و هو يمسح وجهه بفتور " لقد أخذت تلك الكلمات منك حينما قلتها لي بيومٍ ما لذا توقف عن ذلك أنت أيضًا ، فأنت و أدريان ما تبقى لي من عائلتي .. تمالك أعصابك و استجمعها أنا معك و لا تقلق سأبقى هنا بجوارك ريثما تشعر بتحسن " فـنهضت لتسأل أدريان إن كان يعرف القيادة حتى يقلهم بسيارة إيثان و لكن فجأةً و بخضم تلك الضجة و الفوضى حيث أن الشرطة تحاول الإمساك بكل أولئك الرجال و إلقاء القبض على كل من أتباع السيّدة نيكول و ستيفن الذين يقاتلون مكافحين رغم صدمتهم الشديدة حينما علموا بأن أسيادهم يحترقون داخل القصر الذي قد استمر حريقة لساعاتٍ طويلة و هم يحاولون إطفائه بمعاناة و مشقة لكنه كان بكل مرةٍ يزيد إشتعالًا بدل إخماد لهيبه الذي ابتلع القصر بشدة دون توقف فـفجأةً سحبها أحد الأعداء و هو بحالة ٍغير طبيعية و أمسك بها مصوبًا السلاح نحو رأسها و هي تصرخ بـ " دعني و شأني أيها الأخرق " بينما قد إنتبه عليها كلا من إيثان و أدريان لينهض إيثان بصدمة و أما أدريان فقد همّ بالركض نحو ذلك الرجل لكنهما توقفا عند صراخه بصوتٍ عال و هو يبتسم كالمجنون قائلًا " إن اقترب مني أحدكم خطوةً واحدة سأفجر رأسها " فنظرا لبعضهما البعض بحيرة حيث أن إيثان بيمين ذلك الرجل و أدريان بشماله ليلحظ أدريان ذلك السلاح الذي استعملته جوليا قبلًا على الأرض بالقرب منه ثم أخذه بسرعة و أطلق رصاصتين نحو قدميه بشكلٍ مفاجئ فـسقط الرجل أرضًا على ركبتيه و بتلك اللحظة دفعته جوليا بقوة للخلف حتى أفلتها باضطراب متألمًا ثم حاول ضغط الزناد ليطلق عليها لكنها نزلت أرضًا بسرعة و جاءه إيثان من الخلف ممسكًا بيده التي معها السلاح و أخذه منتشلًا إياه منه بعنف ومن ثم لوى يده للخلف بغضب و هو يصرخ بـ " أتريد أن تكون من عداد الموتى أيها الحقير " رَكَله بقوة على ظهره ليسقط أرضًا و استدعى رفيقه المحقق لوكاس إلى مكانهم بمكالمةٍ هاتفية و حينما أتى إليه قال له بتجهم " زج جميع الحثالة بالسجن حتى يتعفنوا و أولهم هذا الوغد الجميع هنا يقتل بدمٍ بارد أيظنوننا بمعركةٍ ما أو يتوهمون بأنهم وسط الحرب العالمية الثالثة " فتنهد لوكاس قائلًا بتعب " حسنًا يا صاح هدئ من روعك سنفعل كل ما يلزم و لكن " حدق بذلك القصر الذي إلى الآن يحترق بكل شدة رغم جهود رجال الإطفاء المكثفة حتى بدأ الرخام بالتفحم و قال باستياء " لا أعرف ما مشكلة هذا القصر أهو ملعون أم به تعويذة ما إن النيران لا تنطفئ أبدًا بل تزيد اشتعالًا كلما حاولنا إخمادها و كأننا نرش وقودًا و ليس مجرد ماء ، لا أظن بأننا سوف نستطيع الدخول و إنقاذ الذين بالداخل أيضًا بالتأكيد هم ليسوا أحياءً إما ماتوا خنقًا أو قد ألتهمت النار أجسادهم حتى الموت و سيكون من حسن حظنا إن عرفنا على الأقل ما هي هوياتهم حتى بسبب جثثهم المتفحمة ... يا له من أمرٍ مخيف لا أريد التفكير أو تخيل ما حصل لهم إنه لقدرٌ أشبه بالجحيم " فأخذ ذلك الرجل معه ليذهب إلى بقية رفاقه المتمركزين أمام القصر بسياراتهم

يولاند (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن