فتح بأصابعه ذلك الظرف بكل هدوء و هو يحاول أخذ نفسٍ عميق لإرهاقه فـوجد بداخله ورقتان ليسحب إحداهما بسرعة و تفاجئ بأنها صورة و سرعان ما انهار باكيًا حتى ابْتَلَّ وجهه بدموع القهر و الحسرة على كل تلك السنين و الشوق لذلك الوجه اللطيف و لتلك الابتسامة البريئة التي خطفتها الحياة منه بكل عنف فـجَمَدَ فرانس بمكانه أثر صدمته لرؤية أدريان بهذا الشكل قائلًا لذاته بحزن " ما الذي حصل له لينهار هكذا فجأةً " حَوَّل نظرة نحو تلك الورقة محاولًا فهم الموضوع و إتضح بأنها صورة لفتاة ما فاستقام فرانس بوقفته و العبوس متمكنٌ منه ثم وقف أمام أدريان و أمسك برأسه ليدفنه بصدره محتضنًا إياه بكل قوة لعله يأخذ و لو قليلًا من أعباء هذا القلب المثقل و يخفف عنه قائلًا بصوتٍ هادئ " سيمر كل هذا و سوف تلتقي بمن تحب في النهاية " و حينما هدأ أدريان قليلًا أبتعد فرانس عنه و جلس بجانبه رافضًا تركه لوحده و بقي الآخر صامتًا لساعةٍ كاملة شاردًا بتلك الصورة فقد كانت تلك الصورة صورةً حديثة لجوليا قد إلتقطتها فيوليت قبلًا في إحدى أوقاتها الجميلة معها حيث كانت جوليا تجلس القرنفصاء ضامةً قدميها لحضنها بينما تتأمل تلك الزهور ذات اللون البنفسجي و منشغلةً بسقيها بملامحٍ تجسد السلام نفسه لشدة جمالها المريح للنظر بعيونها الناعسة و الكبار ذات اللون البنفسجي و أهدابها الطويلة ، وجنتيها المحمرين و شفتيها الكرزية مرتديةً فستانًا ترابي اللون بدون أكمام و مليئ بتطريزاتٍ على شكل أزهارٍ وردية مع انسدال شعراتها البنية على ظهرها و كافة جانبيها و بعد صمتٍ طويل نطق بعيون أغرقتها الدموع و بصوتٍ خافت قد بُحَّ لكثرة بكاءه " لا تزال كما هي تحب تلك الزهور " ابتسم بانكسار و أكمل بـ" ظَلَّت متمسكة بوعدي الحقير الذي لم أفي به إلى الآن و بتلك الرابطة الوحيدة بيننا و التي هي زهور البنفسج " ليمسك فرانس بكتفيه قائلًا و هو ينظر لعينيه مباشرةً " سوف تفي بوعدك و تراها و أنا من سيساعدك بذلك أفهمت ؟ " ابتسم أدريان له و لأول مرة لم تكن تلك الابتسامة ابتسامة سخرية بل كانت ابتسامةً حقيقية نابعة من القلب فأنزل رأسه بخجل و قال بنبرة هادئة " شكرًا لك " ليبتسم فرانس بدروه و هو يقول " أشكرني لاحقًا عندما ننجز ذلك بوجبة لذيذة يا طفل " ضربه بخفة على رأسة بمزاح ليغير من مزاجه فقال أدريان بلطف " لك ذلك " أبعد يديه من أدريان حينما رأى الطبيب آت ليحادثه عن حالة تلك الفتاة و حتى يعرف بوضعها فذهب إليه و قال له الطبيب " مرحبًا دكتور فرانس " رد فرانس التحية ليكمل الطبيب حديثه " بالكاد قد نجت الفتاة و لحسن حظها أنقذناها في اللحظات الأخيرة لكن حالتها لا زالت غير مستقرة البتة و نتوقع الكثير من المضاعفات لذا ستكون تحت المراقبة هذة الفترة ولا يمكنها تحمل أو إستقبال الزائرين لوقت طويل ، الآن سننقلها لغرفة خاصة لها ولا نعلم متى ستستيقظ فربما تتعرض لصدمةٍ ما وتدخل بغيبوبة " فـأجاب عليه فرانس بتفهم " أجل شكرًا لك و لاجتهادك دكتور آيدن اعتمد عليك بحالتها فأنت الوحيد الذي أعرفه هنا حق معرفة و أيضًا للأسف لا استطيع أخذها بمسؤوليتي فأنا من قسم الطب النفسي و لكنني أعلم بأنك أهلٌ للمسؤولية " ليبتسم له آيدن بثقة تعكس مدى جمال شخصيته القيادية و الحادة بنظر البعض قائلًا " لا شكر على واجب هذا عملي و يسعدني توكيلك مسؤوليتها لي وثقتك بي لذا لا تقلق سأفعل كل ما بوسعي و.. " أكمل وهو يغمز بعينه " فالثقة بمحلها " فقال فرانس رافعًا إحدى حاجبيه بتعجب "يا لها من ثقة سيّد آيدن " ضحك آيدن ثم قال له " حسنًا الوداع يا صديقي سأذهب " و ذهب تاركًا فرانس مع أدريان لينظر فرانس نحو أدريان القابع خلفه بهدوء و هو يتأمل الصورة كل خمس ثوانٍ بغير وعي فتنهد فرانس على حالة صديقه معاهدًا ذاته بأن يخلصه من كل تلك الأثقال الموجودة بقلبه ، ذهب ناحيته و قال " أدريان ؟ " فـنظر أدريان إليه دلالةً للرد ليقول فرانس له "هيا بنا لنعود للمنزل فالوقت متأخر جدًا " نهض أدريان مستمعًا لحديثه و حينما هموا بالذهاب لاحظ فرانس الظرف موجودٌ على مقعد أدريان ليقول " مهلًا لقد نسيت الظرف ما بك " ليدرك أدريان الأمر و هو بغير وعيه ممسكًا بصورة جوليا " اه أجل آسف لم ألحظ ذلك " فـأخذه فرانس وهو مستاء لحالة أدريان المزرية وعندما لمح ما بداخله وجد ورقةً صغيرة الحجم به ليقول باستغراب " هناك ورقة أخرى هنا ! " أخرجها بسرعة ليعطيها أدريان الذي طغت عليه اللهفة و فتحها بيدين مرتجفة و مشدودة لدرجة بروز عروقه و التساؤلات تلتهم رأسه و حينما فتح الورقة جلس يقرأها بعيونه وهو عاقد لحاجبيه بحيرة فقرأ بهمس و هو يبتلع ريقه " سويسرا منطقة فيرناير الشارع رقم ..." توقف فجأةً عن القراءة بنظراتٍ مضطربة ليشتم حظة اللئيم للمرة الألف بداخله فغضب قائلًا " مهلاً !! رقم الشارع و بقية التفاصيل غير واضحة " نظر فرانس للورقة و قال بخيبة " إنها ملطخةً بالدماء و الأوساخ أثر الحادث " ليقول أدريان باندفاع و هو ثائر " تبًا سأذهب لسؤالها عن بقية العنوان " ثم أمسكة فرانس بسرعة ناطقًا بهدوء " اهدأ الفتاة لا زالت بين الحياة و الموت تقاوم لم تستيقظ من العملية بعد ألم تسمعه ؟ " فهجع أدريان بمكانه واقفًا و الحيرة تسحبه لقاعها فهو يتساؤل إن كان هذا مكان تواجد جوليا أم أنه مجرد خدعةٍ خبيثة من قِبل والدة ستيفن ليطيح به ، خرجوا من المشفى و عادوا للمنزل حتى يخلد كلا منهما للنوم فلقد كانت ليلة اليوم حافلةً بالمفاجئات الصادمة و المتعبة .
أنت تقرأ
يولاند (مكتملة)
Mystery / Thrillerفي فَرنسا تحديدًا بِمنطقة لانيون تحت أسقف غُرف المُستشفَيات نجِد الكثير مِن الغُرف المُعتِمه و لِكل مِنها قصة، حسنًا لِنرى الغُرفه رقم77 مِن هُنا سَتبدأ قِصتنا .