{4}

3.8K 255 22
                                    

و بعد أربعة أيام :

خرجت إيڤا من المشفى بعدما انتهت المدة بأمرٍ من ستيفن و بالتأكيد هو لم يأتي بنفسه بل أرسل إحدى رجاله ليحضرها فهو لا يهتم بأمرها أو أمر ابنها بتاتًا لكنه أخذها لأخذ الحيطة والحذر لأن هنالك احتمالية بأن يعيش والدها و لأنه شخص جبان خائفٌ على نفسه من الأذى فـحراس والدها المخلصين إذا علموا بأنه اهملها و رماها هي و طفلها سيقتلونه دون أية رحمة و هو كان فقط ينتظر النتيجة و من بعدها يقرر ما الذي سيفعله فقد فوجئت إيڤا و استنكرت الأمر لأنه لم يتركها لكنها فهمت مُراده و مدى حقارته ، صمدت أمام كل ذلك الألم الذي شعرت به و بات يتغلغل بأعماقها و مع مرور الأيام ازداد وجع جُرحها ألمًا و اتِّساعًا لكنها احتملت كل هذا العذاب لأجل طفلها أدريان فهو كُل ما لديها بهذه الحياة و لأنها لا تريده بأن يعيش حياةً ناقصة أو غير عادية أرادته بأن يعيش كـجميع الأطفال الذين بعمره و من أقرانه ، تريد منه العيش حياة مليئة بالحب و الدفئ بمحاولاتها الجاهِدة لملئ تلك الثغرات الغير مكتملة بِكل ما تستطيع و حاولت صنع له حياةً جيدة و بيئةً مريحة لابنها بجعل أسلوب حياته أفضل فـكان أدريان يكبر و ينمو بأحضان أمه الدافئة بكل سعادة و بهجة و لكنه لم يستقبل أي ذرة حنان أو عطف من والده أبدًا طوال سنوات حياته مع ذلك إيڤا كانت تفي بالغرض لأنها شغلت منزلة الأم و الأب في قلب الطفل أدريان فهو يراها كُل شيء و من دونها الحياة لا شيء فقد أحبها بدرجة كبيرة و بالغه ، أحبها حبًا جمًا لأنه مذ وعى على هذه الدنيا و هي من كانت بجانبه منذ البداية تحيط به بدفئها و تغدقه بالحب و الحنان دون أي مقابل بحبٍ غير مشروط ، كانت أغلى و أثمن ما يملِك فبالنسبة له إنها الحياة بأكملها و كأنه أغلق عيناه عن العالم أجمع و صوب اهتمامه لوالدته بل عالمه الخاص فـأصبح يراها فقط هي لا غير مركزًا بمقلتيه الصغيرتان لتفاصيلها بحب و فضولٍ تام و لم يشعر بالنُقصان يومًا طوال طفولته مع والدتها وهي من بعد نصيحه ديانا *الممرضة* و التي أصبحت صديقةً لإيڤا وجعلتها أقوى لتكمل بقية حياتها بتربية طفلها منشغلةً بالاهتمام به و إسعاده فـباتت إيڤا تدون كُل لحظة من لحظات حياتها مع طفلها بمُذكراتها اليومية و أيضًا كانت تلتقط الكثير و الكثير من الصور لتوثق كل لحظاتها الجميلة و المليئة بالسعادة مع طفلها حتى يراها يومًا ما فهي قد تجاهلت جرح قلبها العميق منذ ذلك الوقت و بدأت بإشراقه تكوين حياةٍ جديدة مع صغيرها عازمةً على رعاية طفلها جيدًا وإثبات بأنها لا تحتاج إلى ذلك الخائن ستيفن ، تجاهلته طوال تلك المدة و تجاهلت كل أمر متعلقٍ به أو ما يخصه رغم أنها كانت تعيش معه بنفس القصر و انشغلت بالإعتناء بابنها الوحيد و عندما أصبح أدريان بِعمر التاسعة أصيبت إيڤا بمرضٍ خطير في معدتها وكان بآخر حالاته المتطورة فلم يستطيعوا إنقاذها و كانت تموت أمام عيني طفلها ذو التسعة أعوام ، لم يشفق أحدًا عليه و يغمض عينيه المذعورتان و هو يرى حياته تنهار بأكملها أمامه بلحظةٍ ساحقة من القدر بل تجاهلوه ببرود غير مكترثين لأمره حتى ستيفن كان ينظر إليه بغيض و هو مستاء لأنه سيتحمل أمر مسؤوليته و يثقل كاهله فبنظره هو مجرد عقبةٍ لا أكثر ولا أقل و بات يفكر بما الذي سيفعل به الآن و كيف يتعامل مع هذه المشكلة لأن والدته ستموت حتمًا أما أدريان فكان ينظر لها بصدمة كبيرة و كل ما ازداد عدد الممرضين حول أمه و هم يصعقونها بذلك الجهاز لإنعاشها و لإعادتها للحياة و ربط روحها بهذا العالم بمحاولاتٍ بائسة فـصرخ الطفل أدريان مغلقًا أذنيه برعب ليجثوا على ركبتيه باكيًا و منتحبًا بشدة بينما نظرات الشفقة من حوله تحيط به ثم أتت الممرضة ديانا مسرعةً إليه و مصدومه بهذا الخبر الفاجع الذي سمعت به لتو لتحتضن أدريان بقوة حتى تصرف انتباهه عن لحظات احتضار والدته بينما دموعها لم تتوقف عن الإنهمار فـشدَّت على أدريان أكثر وهي تضمه حتى يهدئ و فجأةً استقام ذلك الخط الأحمر مُشكلًا صوتًا مزعج بضجيجه القاتل للنفوس ليبدأ لحن عذاب الصغير أدريان ببداية هذا الصفير المقيت ثم أبتعدوا الممرضين و الأطباء عنها وعلامات الأسى بادية على وجوههم وهم يعلنون ساعة موتها أما أدريان فـأصبح يمشي ناحية جسد والدته بترنح و بطئ بينما قلبه يحرقه حيًا متألمًا لتلك الخسارة المهيبة حتى وصل إلى السرير تحت أنظار ديانا لذلك الموقف المقشعر للأبدان وهي تضع يدها على فمها ببكاء ، أمسك أدريان بيد والدته التي قد نزعت الحياة منها حين وقوعها من جانب السرير متهاويةً بتأرجح فـبات بياض بشرتها مُبهتًا ليضعها على خده المشتعل أثر دموعه الحارقة قائلًا بصوتٍ متعب بالكاد يُسمع " رحلت جنتي و تركتني أعيش الجحيم لوحدي " ، بعد عِدة أيام من موت إيڤا أصبح أدريان مُنطوي لا يخرج من غرفتِه أبدًا و تعابير وجهه أصبحت خاليةً من الحياة متجمدةً ببؤس و تعاسة فالسعادة قد أضاعت طريقها نحو قلبه و أصبح فقط جسدًا بِلا أي روح  ، عندما فقد والدته و كأن روحة قد إنتُزعت من جسده برحيلها و بات فقط جسد خالٍ يملؤه الفراغ و اللاشيء فاستمرّت حالته تِلك لشهور عدة حتى أن جسدة قد أصبح هزيلًا لفقدان شهيته نحو الطعام و فقد معها رغبته بالحياة لكن كانت هُناك خادِمة تطمئن عليه من حين إلى آخر و تُحاول أن تجعله يتناول القليل من الطعام و بائت جميع محاولاتها بالفشل الذريع جراء بروده و تبلده الذي لا يعطي أي استجابةٍ أو ردة فعل حتى فأصبح الأمر لا فائدة منه ، كانت تراقبه يوميًا و قلبها ينفطر على حالته لتنطق بقهر و حَرْقة " كيف لطفلٍ لطيف مثله بأن يعيش هكذا " صمتت قليلًا أثناء تحديقها به و هو مُمددٌ على الفراش و ينظر إلى اللاّشيء فقد أصبح هكذا مُنذ موت والدته لا يحرك ساكِنًا و طوال الوقت شارِد الذهن فقالت بصوت مليئ بالحقد و القهر " تباً لوالده الحقير إنه مُجرد حثالة لا يستحق نعمة الابن كيف لِقلبه بأن يكون قاسيًا هكذا لدرجة ترك ولده بهذه الحالة " أما ستيفن فهو لا يعلم ما الذي يحصل لابنه أدريان و بالأصل هو لا يهتم بذلك حتى فآخر ما يريد معرفته هو كيف حال ذلك الطفل لأنه بالأساس لا يعترف به كـابن و من ثم بعد مرور ثلاثة شهور من وفاة إيڤا والدة أدريان توفي والدها و الذي كان طريح الفراش لسنوات عدة من هول الصدمة و لشدة الحزن و الأسى على فقدان ابنته عِندما علم بالأمر و فقد أدريان جده أيضًا مع والدته .

و بعد أربعة أشهر أخرى :

تزوج ستيفن مِن امرأة أخرى لكنها لا تُقارن البته بـإيڤا فقد كانت امرأة فقط بالأسم و لكنها وحش على هيئة أنثى فهي مثل ستيفن مُجرمة و متورطة بعدة أشياء غير قانونية لذلك في النهاية الحُثالة ترجِع لقُمامتها لأن ستيفن لم يكن يستحق إيڤا النقية يومًا و لكن مصيرها قد جلبها إليه و بالرغم مِن ذلك كانت سعيدةً بطفلها أدريان ومؤمنة به كثيرًا بأنه لن يكون كوالده وسيُصبح شاب لطيف و صادق لا يرتكب الجرائم  فـكانت على يقين تام بـهذا الأمر و قد أصبح يقينها بمحله ، و عِندما درَى أدريان بأمر زوجة ستيفن الجديدة هُنالك شيء قد انكسر بِداخله جدًا لدرجة التهشُم و بدأ الحِقد والكره ينموان بقلبه المُحطم فأصبح يبغض والده أكثر من أي وقتٍ مضى و بات ستيفن شخصًا لا يُطيقه أدريان لدرجة لا يريد رؤية وجهُه الخبيث مستشعرًا مدى قذارته و لا يود أيضًا رؤية زوجته تِلك لأنه على يقين تام بأنها ستكون مثل زوجها فتجاهل وجودهم كُليًا و لكنه لم يهنأ بحياةٍ هادئه أبدًا فالقدر لم ينتهي من لعبته تلك و كان ستيفن يفعل بالمثل فقد تجاهل وجود أدريان أيضًا و كالعادة حتى كاد أن ينسى بأن لديه طفل بهذا الاسم و يمكث معهم بهذا المنزل و فكَّر قبلًا بأن يرميه في أقرب ميتم أو حتى يأمُر رجاله برميه في الشارع فهو لا يهتم به و يريد التخلص منه فقط و باللحظة التي كاد أن يأمر الحراس بأخذه من غرفته منعته زوجته قائلةً بصوت خبيث مُتصنع اللطافة " عزيزي ستيفن لما لا تدعه " أستنكر ستيفن كلامها بشدة ولأنه يكره أدريان كُرهًا حتى الموت نطق بشيء من الغضب و الانفعال" نيكول مابِك ما الذي تُريدينه من هذا الحُثالة الذي لا نفع منه " أبتسمت نيكول ابتسامة مكر منها واقتربت منه لتهمس بصوت خفيف حتى لا يسمعها أحد غيره و قالت " لما لا تدعه هنا إنه فقط مجرد دمية لنستمتع بها " فتعجب ستيفن من تفكيرها الشيطاني و أعجبته الفكرة ليبتسم بدوره وينطق بـ" حسناً لا ضر من بقاؤه هُنا " أعطى الحراس نظرةً حتى ينصرفوا ثم بدأ بالضحك هو و نيكول بشَرّ متحمسان لما سيفعلانه لتقول نيكول و هي تضحك بسعادة " إن هذا حقًا مُسلي " لتعقبها ضحكة ذو نبرةٍ حادةً يتملكها الخبث .

يولاند (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن