{55}

1.2K 125 1
                                    

سويسرا (فيرناير)

لم تستطع جوليا النوم بشكلٍ جيد حيث أن الشعور بالألم يواصل إزعاجها فقد نهضت فعليًا وهي تتنفس بسرعة جراء كابوس مريع و لقد كان عبارة عن مشهدٍ لمقتل امرأة و الأرضية مغطاة بدمائها بينما جوليا كانت تحتضنها و تبكي لتهمس لذاتها برعب وهي تشعر بالإعياء لما رأته و تشاهد بقعةً معينة من غرفتها محدقةً بها بفتور " لقد كان هنا بغرفتي و تحديدًا أمامي سحقًا كان واقعيًا بشدة " أمسكت بقلبها وهي تبتلع ريقها باضطراب لتزيل تلك الكمادات من عنقها وبقية جسدها قائلةً بحزن " لن ينفع ذلك " ومن ثم استقامت من السرير ذاهبةً للحمام فخرجت بعدما أخذت دُشًا سريعًا لمحاولة إنعاش ذاتها و لكنها عانت بشكلٍ كبير أثر تلك الجروح التي أعاقت تحركاتها مسببةً لها الألم و بعدها بدأت بفتح حقيبتها لتفرغها من ملابسها و تأخذ بيجامةً مريحة لها حتى ترتديها فوجدت ورقة صغيرة موجودة بالحقيبة بين الملابس لتأخذها بفضول ثم لاحظت بأنها تحتوي على رقم هاتف و كل ما تبادر إلى ذهنها بهذه اللحظة كان " إيثان ! " أخذت الورقة ممسكةً بها و كأنها كنز ثمين لتضعها على سريرها و من ثم غيرت ملابسها باستعجال لتذهب خارج غرفتها بحثًا عن أي هاتف حتى تستخدمه فهي لم تكن تملك هاتفًا فـدخلت المطبخ لتجده هناك وهو يشرب كأسًا من ماء ليقول متفاجئًا من وجودها " ما الأمر ألم تنامي " لاحظ بأنها غيرت ملابسها و وجهها كان مُحمَّرًا بالكامل ليقترب منها قائلًا بتساؤل " ما بال وجهك أحمر هكذا " وضع يده على جبهتها ليتفاجئ من شدة حرارتها و ملامح الهلع واضحة عليه فقال بقلق " إنك تعانين من الحمى يبدو بأنه بسبب الجروح " قالت له وهي تلهث بتعب و مستندة على الحائط " هل تمتلك هاتفًا ؟ " فاستغرب سؤالها بهذا الوضع ثم قال " أجل لكن لماذا " لترد على سؤاله وهي بالكاد تتنفس أثر الحرارة " دعني استعمله قليلًا أريد إجراء مكالمة فأنا لا أملك واحدًا " جاء نحوها ممسكًا بمعصمها ليساعدها على المشي قائلًا بحزم " حسنًا و لكن بشرط يجب أن ترتاحي بغرفتك أولًا" فقالت هي بلهفة وسعادة " سأفعل ذلك و لكن هل ستعطيني إياه الآن " ابتسم للطافتها و أومأ بإيجاب ليخاطب ذاته وهو يفكر بداخله " يبدو بأنه شخص مهم لدرجة أنها تفكر به أثناء مرضها " ثم قال لها بفضول " بالمناسبة كم عمرك ؟ واثق بأنك أصغر مني و لكنني لا أعرف كم تبلغين من العمر " لتقول بابتسامة " ثلاثة عشر عامًا " وضعها على السرير لتجلس فقال " إذًا الفرق بيننا ستته سنوات " رَبَّتَ على رأسها قائلًا " حسنًا خذيه و استعمليه كيفما شئتي لأنني لا اهتم به كثيرًا " لتبتسم بسعادة وهي تقول بمرح رغم تعبها الشديد " شكرًا لك " ابتسم هو بدوره و قال " العفو هيا ارتاحي " خرج هو من الغرفة بينما هي قد تمددت على الفراش بصمت مع تلك الابتسامة الكبيرة لحماسها الشديد فبدأت بوضع الكمادات بسرعة حتى تتصل عليه ليدخل هو مرةً أخرى بكوبٍ من الشاي قائلًا بخجل طفيف " لقد حضَّرته لي و لكن الكمية تكفي لشخصان لذا أنتِ بحاجة له أيضًا إنه شاي بالليمون مفيد لتخفيف الحمى و خصوصًا بفصل الشتاء " أخذته منه بامتنان و هي تشعر بالدفئ جراء لطفه و تفكر بـ " اتضح أنه ليس بالشخص السيئ " قالت له قبل أن يخرج " ما هو اسمك " فـإلتفت لها باستنكار لتقول بابتسامة " لا بد من معرفة اسمك الحقيقي إن كنا سنصبح أصدقاء " ابتسم و هو ينظر لها مجيبًا بـ " إلياس " ثم فغرت فمها بصدمة و هي تؤشر نحوه " مهلًا مهلًا عينيك !! " فـضحك على ردة فعلها و قال " ماذا هل أدركتي ذلك الآن " لتقول ببراءة " واهه لتو ركزت بوجهك و لاحظت إنها حقًا لطيفة فالطبيعية دائمًا أجمل من العدسات المزيفة " ابتسم بشكلٍ بسيط قائلًا " شكرًا لك و الآن يجب علي الذهاب فالوضع خطر لا يجب أن ترانا نتحدث هكذا و خصوصًا بأني لا أضع العدسات فـأنا أخلعها ليلًا لأريح عيني " فقالت له ببهجة " من الجيد بأنني رأيتها تشرفت بمعرفتك إلياس " شعر بالسعادة لقبولها بحقيقته فهو لم يملك أي شخصٍ من قبل يسأل عن اسمه أو حتى يتبادل معه بعض من الحوارات البسيطة ليقول لها بنبرةٍ هادئة " و أنا أيضًا ، هيا اشربي الشاي قبل أن يبرد " خرج من الغرفة تاركًا إياها لوحدها وهي تشعر بتحسن طفيف مع أن الألم لا زال مستمرًا و لكنها واصلت شرب ذلك الشاي حتى أنهته فاستذكرت فجأةً مقطعًا لها مع الخادمة فيوليت وهي تناديها من داخل القصر " عزيزتي جوليا أسرعي يجب أن تدخلي إلى الغرفة و إلا السيّدة ستعاقبك هيا بسرعة يا أبنتي " حيث أن جوليا كانت بالحديقة لوحدها ، لتقول بفضول " اوه صحيح أين هي لقد رأيت ذكرًى أخرى معها قبلًا بالمشفى و أظنها شخص عزيز علي أريد التعرف عليها و تذكرها " أكملت حديثها وهي تشعر بالريبة " لا بد من أنها هنا مع بقية الخدم أنا متأكدة غدًا سأبحث عنها " فعقدت حاجبيها بتساؤل قائلةً " و لكن يبدو بأنها تهتم بي و مقربةً مني لما لم تأتي لاستقبالي فأنا قد مكثت هنا لثلاثة ليالٍ دون أن نتقابل " تجاهلت كل أفكارها المرهقة وهي لا تعلم شيئًا عن كل تلك الحقائق المؤلمة و التي تختبئ بأعماق جوف عقلها المظلم لتبدأ بإدخال الرقم بسرعة متمنيةً بأن يكون مستيقظًا بهذا الوقت فضغطت على زر الاتِّصال معلنًا بدء رن الهاتف و هي تدعو برجاء " أرجوك أجِبْ إيثان أجِبْ على هذه المكالمة " ثم سمعت من الجانب الآخر صوته العميق و الهادئ " مرحبًا من معي ؟ " لتفتح عينيها على وسعهما من الدهشة وهي تحاول الصمود حتى لا تشكو ألمها إليه قائلةً لنفسها " أنتِ لستِ طفلة يكفي تسببًا له بالمتاعب " فـتحدث مرةً أخرى باستنكار " أهنالك شخص ما على الخط هل تسمعني ؟ " بالكاد خرج صوتها مجيبةً بصوت مرتجف " إيثان إنها أنا " ليقول ردًا عليها بسرعةٍ و انفعال وهو مصدوم " جوليا !! أهذه أنتِ حقًا كيف حالك هل أنتي بخير هل تبلين جيدًا و ما الأوضاع لديك " قال كل تلك الأسئلة دفعةً واحدة بقلقٍ مفرط حيث أنه لم يسمع أي خبر عنها لعدة أيام و هي لم تتصل به أيضًا فشعر بعدم الاطمئنان لوضعها بينما هي تحاول بجهد بأن لا تنهار باكية لتقول بإرهاق " أنا بخير كيف حالك أنت " انقبض قلبه جراء صوتها المتعب قائلًا بخوف " جوليا ما بك " فقالت حتى تغير الموضوع " اليوم حينما فتحت الحقيبة لأخرج منها الملابس وجدت الرقم و لقد سعدت بذلك حقًا فاستعرت هاتفًا لأني لا أملك واحدًا " ابتسم بأسى وقال " حقًا بالرغم من أنه قد مرت أربعة أيامٍ فقط أشعر بأنها دهرًا لقد اعتدت على ضجيجك الدائم و الجلبة التي تحدثينها في المشفى بعد ذهابك لقد أصبح الوضع هادئًا بشكلٍ مقيت و اشتقت لوجودك يا طفلة " فعضت شفتها مانعةً ذاتها من البكاء لتقول " أنا كذلك اشتقت لك الحياة هنا مريعة " تنهد بضيق ثم قال " هل أنتِ بخير ؟ " و قبل أن تجيبه قال بشكلٍ سريع وهو يشعر بالاضطراب " جوليا أنا قادم الآن لن اطمئن حتى أراك " لتندهش من حديثه المفاجئ ناطقةً بصدمة " مهلًا ما الذي تقصده هل أنت جاد " تحدث بكل بحزم وهو يقول " أجل أنا كذلك حينما أصل سوف اتصل بك لتخرجين " فقالت له بتوتر " انتظر لا تأتي من الباب الرئيسي هنالك حراس عنده تعال من الباب الخلفي الخاص بحديقة القصر " فأغلق المكالمة بعدما أجابها بـ " حسنًا حينما أصل سأعلمك بذلك " بينما هي قد نهضت بسرعة متناسيةً الألم لشدة توترها و قالت و هي تنظر لوجهها " يجب أن أضع لصقةً أخرى على وجنتي حتى أخفي هذا الجرح عنه لأنه حتمًا سيجن " أخذت لصقة جروح من العلبة و فتحتها بأناملها الصغيرة بهدوء لتضعها على خدها قائلةً برجاء " أتمنى بأن لا ننكشف من قِبَل الحراس أو تلك العجوز " رَنَّ الهاتف لتجفل بصدمة ثم قالت باستياء " سحقًا كاد أن يتوقف قلبي " لتجيب على المكالمة وهي تقول له " حسنًا فقط انتظر بهدوء سوف أنزل لك " خرجت من غرفتها بكل صمت و هي تحاول جاهدةً أن لا تحدث أي صوت حيث أنها بالكاد تمشي على أطراف أصابعها و حينما وصلت للدرج شتمت حظها و بدأت النزول منه ببطئ و هي تشعر بالألم يفترس كل عظمةٍ من جسدها و لكنها استحملت ذلك ثم نزلت للطابق الأرضي و خرجت من الباب الذي يطل على الحديقة فـمشت نحوه وهي ترى ظله من خلال الباب حيث أنه مصنوعٌ من زجاج غَبِش لترتسم على وجهها ابتسامةً صغيرة أثناء فتحها للباب و كأن مقابلتها لإيثان بمثابة المكافأة على كل ما واجهته و عانته هذه الأيام .

يولاند (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن