سويسرا (فيرناير)
مُنكمشةً على سريرها تبكي بِصمت فهي إلى الآن لم تستوعِب فقدانها لفيوليت و أصبحت عيناها فَقَط التي تعبر عن ما بداخلها من ألمٍ عميق بدموعها الغيرمتوقفه بينما ملامِحها متبلِدة ، مُنذ ذلك اليوم وهي على حالتها تلك تحبس ذاتها بِغرفتها تنام و تستيقظ ببكاءٍ قد دام لأيام فعيناها تذرِف الدّموع دون توقف حتى جَفَّ منها الدمع و بِفقدانها لـفيوليت فقدت آخر رمقٍ مِن حياتها و قد اِسْوَدَّت الحياة بوجهها مظهرةً لها الظلام الدامس بعتمته المخيفة فـكانت تُحاول بأن تواسي نفسها و أن تهون و تخفف على ذاتها بالتمسك بوعد أخيها لها صابرةً بيأس و منتظرةً منه بأن يأتي و ينتشلها من الجحيم التي هي فيه و بعد مدّة دخلت نيكول إلى الغُرفة بِوجه مُتجهم وهي تحملق بتلك الطفلة المُتلحفة بِلحاف فراشها الأرجواني حيث بالكاد يخرج مِنه رأسها فـنطقت بغضب عارم و حِقد " أنتِ أيتها الفتاة هيا إنهضي لا تعتقدي بأنني سوف أتركك كُل هذة المدة مُرتاحة فأنتِ تُعرقلين أعمالي المخططة لها " نظرت جوليا لها بكراهيةٍ مُطْلَقة بعدما مسحت دموعها بِعنف و قالت بصوتٍ غاضب " ما الذي تريدينه مني أيتها القاتِلة و مِن ثُم أنا لا عمل لي مع أمثالك عديمي الرحمة والضمير فأنتم مقرفون و أنا لا اهتم بشأن أعمالك القذرة " احْتَقَنَ وجه نيكول غضبًا و اقتربت مِنها قائلةً بصراخ " لا تتمادي و إلا قتلتك أنتِ أيضًا هل تسمعين " و أكملت حديثها بنظرات غضب عندما هدأت قليلًا " العمل الذي أخطط له هو أنني سأستثمرك و بِكل بساطة سوف نذهب للحفلات الكبيرة لرجال الأعمال و أولئك التجار الأغنياء لأعرفهم عليك و بالتأكيد سوف تعامِلينهم بوُد و لباقة حتى يستلطفونك و يعجبون بك ومن ثم ثرواتهم ستكون بمتناول يدي " وضعت يدها تحت ذقنها لتتظاهر بالتفكير ثم قالت بـ" امم و أفكر بأن أزوجك لأحد أبنائهم حتى أتخلص مِنك و بنفس الوقت أستفيد منك فسوف نأخد نصف أرباحهم إذا تزوجتي " أنهت كلامها بابتسامةٍ خبيثة مُتعطشةٍ للمال أما جوليا فقد صُدمت مِن ما سمعته من تلك المرأة و كيف لأم تقول لأبنتها بِكل بساطة أنها سوف تستثمرها و تُزوجها لأي شخص حتى تربح المال هل هذه أم بحق الخالق !! بينما هي بـسِنّ يجب عليه اللعب بالأرجاء و تكوين الصداقات و أكبر همومها يجب أن تكون الدراسة و الاجتهاد بها إنها اسوأ من الدناءة نفسها ، تجهمت ملامِح جوليا لتشعر بالغصة تخنقها و دمعها عالقٌ بمحاجرها فـنطقت بانفعال و بنبرة مرتجفة " أنتِ! كيف تقولين هذا بِكل بساطة وكأنه لا شيء لن أفعل كل هَذَا حتى و إن هددتني بالقتل " أخذت نَفَسًا عميق لتمسح دموعها فصرخت فجأةً باهتياج " سحقًا لك سيأتي أدريان يومًا ما و يأخذني من هذا القصر المشؤوم " تجاهلت نيكول شتم جوليا لها لتضحك بقوةٍ على أمل هذه الطفلة المستحيل و الضعيف فهي لا تعرف ما حالة أخاها المسكين ليطرأ على بالها فكرةً مِن أفكارها الشيطانيه أثناء ضِحكها فقالت وهي تضحك بخبث " عزيزتي جوليا يا لكِ من فتاة ساذجة حقًا " لتعتدل بوقفتها ثم رمت شعرها الأشقر الطويل للخلف أثناء قولها بملامحٍ ماكرة " ألم تعلمي بذلك " تغيّرت معالم جوليا للقلق و الاستغراب قائلةً بـ " ماذا ؟ " فابتسمت نيكول بِشَرّ و قالت " مُنذ فراقك بأخيك العزيز والدك ستيفن جعل مِن حياته جحيمًا و بعد عام حينما ضجر منه قتله و المسكين لقي حتفه " فتحت جوليا عينيها على مصرعيها محملقةً بصدمة هائلة و مصعوقةً لما سمعته من لسان تلك الماكرة ثم بدأ جسدها بالارتجاف غير مستوعبةً فهي لم تُصدق فكرة فقدان أخيها أو بالأحرى لم تتقبل ذلك مطلقًا فجلست تنكر ذلك بعقلها بينما ملامحها قد تجمدت و هي تحدق للأسفل بغير وعي ، فكرة أن ملاذها الوحيد و الآمن قد رحل من هذا العالم و تركها تعيش جحيمها لوحدها كانت كالصاعقة عليها و بأنها لن ترى عُشبيته الجميلة مرةً أخرى بعد كل تلك السنوات الطويلة و التي قد ترسبت بقلبها كـطبقات الإسمنت الخانقة أما نيكول فهي تشعر بالنصر مقتنعةً بفعلتها أثناء تفكيرها بـ" كما خططت سوف تفقد الأمل و تنصاع لي حينما تعلم بأنه لا سبيل للهروب " رحلت ببرود تاركةً جوليا بغُرفتها وسَط تلك الصدمة الهائلة التي قد تلقتها دون رحمة بينما هي لم تنبس بِحرفٍ واحد مُنذ رحيل نيكول مِن غُرفتها إلى الآن فالصدمة لا زال أثرها عليها و تحس بأن قلبها ينسحق من الألم فقد تقطع إلى أشلاء متناثرًا كالزجاج المحطم وهي تشعر بالضياع و التوهان ، لم تستطع تحمل كل ما تلقته من صدمات متتالية بوقتٍ وجيز فكيف لها أن تعيش دون أمل ؟ كيف لها أن تعيش دون ذلك النور الذي تستدل به الطريق كيف ستعيش بدون عُشبيته التي تبعث في نفسِها الهُدوء والطمأنينة بمجرد التفكير بأنها لن تراه مرةً أخرى يصيبها الهلع و يُخاط قلبها بخناجرٍ ذو وخزاتٍ مسمومة ، فكرة فقدانه قد رفضتها كليًا و بشكلٍ قاطع غير متقبلةٍ للأمر و هي لن و لم تستطيع العيش بدون ذلك الأمل فـالخيط الرفيع و الوحيد الذي كانت تتمسك به كـغريقٍ يجاهد لركوب آخر قارب نجاة بينما هي تقاوم الغرق بسواد هذا العالم متشبثةً بذلك الخيط و لقد فقدت كُل شيء يربطها بهذه الحياة و انقطع ذلك الخيط ثم أطبقت جفنيها فاقدةً الوعي يومًا كاملًا دون أن تشعر بأي شيء و استيقظت باليوم التالي في تمام الساعة ١٢:٠٠ صباحًا ، نهضت وهي تشعر بِصداعٍ قوي يجتاح عقلها مُشكلًا حلقة مِن الألم حول رأسها و مهيمنًا عليه فبالكاد كانت عيناها مفتوحتان و من يراها سيقول أنها فَقَط جسد قد نزعت مِنه الحياة لتمسك برأسها مِن شدّة الألم مغمضةً عيناها بِقوة ثم بدأت تسترجع أحداث جميع ما حصل قبل فقدان وعيها و توقفت عند خبر موت أدريان متوسعةً عينيها بصدمة لتخرج مِنها شهقةً عميقة معبرةً عن مَدَى عُمق حزنها فـبدأت عيناها كالعادة تذرف الدموع لكن بهذة المرة كان هنالك شيء مُختلف ، لقد كانت ملامِحها مُتبلدةً و باردة كالجليد و هي تذرف الدموع بأعين خالية مِن الحياة ثم أصبحت فجأة تهذي بخفوت قائلةً بـ " أدريان أخي هل حقًا قتلوك أولئك المجرمين هل فقدتُك بتلك السهولة ؟ هل فَقدت هذه الحياة عُشبيتك إلى الأبد " صمتت لِدقائقٍ معدودة ثم ضحكت ضحكةً خالية مِن الفكاهة بِها مسحةً مِن السخرية على ذلك القدر لتقول باستخفاف " أظن بأنني فَقدت قلبي مع من أحب و قريبًا سأفقد عقلي " ثم تنهدت لِتمسح دموعها و قالت " إلى متى أيها القدر القذر" فـنهضت بِتثاقل من على السرير و الألم يتآكل جسدها بأكمله لتنظر إلى نفسها بالمرآة محدقةً بإنعكاسها ثم ابتسمت بسخرية وهي تقول " هل هذه حقًا أنا ؟ " كان جسدها الضئيل نحيفًا بينما بشرتها البيضاء أكثر شحوبًا و شعرها يصِل لتحت أكتافها بِلونه البني الفاتح المائِل للأشقر بينما حدقتي عينيها البنفسجية المُرتكزتين بوَسط ملامِح وجهها الناعِمه كـجوهرتين من الياقوت قد ذبلت و فقَدت حيويتها و إشراقتها المعتادة ، كانت ترتدي قميصًا خفيف يصل لتحت ركبتيها باللون الأبيض طويل الأكمام فـابتسمت بِوهن لإنعكاسها قائلةً بصوتٍ مبحوح " الآن بالفعل لا يوجد دليلًا على بشريتي من يراني سيقول بأنني طيف روح ٍميته أو شبحٍ ما " مسحت الدموع المُعلقة برمشها و التي تشبهها و هي معلقةٌ بجحيمها ثم تقدمت بِخطواتٍ مُتباطئة و غيّر مُتزنه نحو الشرفة وهي تبتسم شبح ابتسامه هامسةً بـ" سأواجهك بتَحَدٍّ أيها القدر القذر " فتحت باب الشرفة و تقدمت لترفع جسدها العُلوي ومِن ثم قدميها .
أنت تقرأ
يولاند (مكتملة)
Mystery / Thrillerفي فَرنسا تحديدًا بِمنطقة لانيون تحت أسقف غُرف المُستشفَيات نجِد الكثير مِن الغُرف المُعتِمه و لِكل مِنها قصة، حسنًا لِنرى الغُرفه رقم77 مِن هُنا سَتبدأ قِصتنا .