نظرت له باشمئزاز وهي غاضبه محاولةً التحكُم بذاتها حتى لا تفتعل جريمةً به و مِن ثم رحلت و أمرت الحُراس بأن يعودوا لأعمالهم فـرحلوا جميعهم و تركوه على الأرض بينما هو سارح بشرود تام أثناء نظره لجسدة المليئ بالجروح ، ابتسامة ألم قد رُسِمت على وجهه لما لاقاه من وجع و تعب ثم نهض بِتثاقل عائدًا إلى غُرفته و التي هي ملاذه الوحيد فـدخل الغرفة و هو بالكاد يستطيع المشي ثم أغلق الباب و أقفله حتى لا تُزعجه الخادِمة بمحاولاتها وهي تُصر عليه بالأكل ليذهب للحمام حتى يغتسل مبدلًا ثيابه و بعد إنتهاءه خرج بخطواتٍ بطيئة نحو خزانة الملابس و فتحها بهدوء محدثًا صريرًا خافت ، بعدما أخذ منها ما يحتاج من ملابس مريحة هَمَّ بإغلاق الباب و لكن قبل أن يغلق الخزانة لفت نظرة زجاجة عطر مركونه بإحدى الرفوف و قد اعتلتها بعضٌ من ذرات الغبار ، كانت والدته تُحبه كثيرًا رغم أنه عطر رجالي كانت مغرمةً بعبق رائحته و مدى روعته فـكان أدريان يتعطر و يتطيَّب به يوميًا بحماسٍ طفولي لتشم والدته رائحتها المفضلة أثناء عناقها له و لقد كان وقتها هديه من والدته بيوم مولده الثامن و قد نال العطر على اعجابه لدرجة أنه بات لا يستعمل غيره لشدة تعلقه بها و حُب كل ما يفرحها من أشياء بسيطة ، تأمله بنظراتٍ خالية من الحياة و بقلب مُحطم لأشلاء لينطق بملامحٍ متحسرة " لقد تشتت يا أمي من بعد فراقك هل مِن المُمكن بأن تعودي إلي و تُعانِقيني لتجمعي شتات نفسي أعِدك بأنني سأضع عطرك المُفضل لتستنشقينه بسعادة " ارتدى ملابسه و تَعَطَّرَ بذلك العطر الذي يُذكره برائحة عناق والدته ثم أغلق الأنوار ذاهبًا إلى سريرة وهو يشعر بالألم في كل ذرةٍ من جسده ليعانق وسادته بقوه مفرغًا كل ما بداخله من كبت فـخرجت مِنه شهقات خفيفة و بدأت دموعه تفيض من عينيه بحرارة ثم غط بنومٍ عميق و الدموع قد أغرقت الوسادة ، استَيقَظ في اليوم التالي بوجهٍ خالي مِن التعابير بينما جسده قد بدأ بإرسال إنذارات بالألم الشديد فجلس يحدِق بالسَقف لبضع دقائق لتتسلل بعضٌ من ذكرياته و لحظاته الجميلة مع والدته و مع أن موت والدته سيُكمل عامه إلا أنه لم يمر يومٌ واحد إلا وهو مستذكرٌ والدته ، وجَّهها اللطيف بملامحة الناعمه و صوتها الرقيق بنبرته المطمئنة عِندما تنطق بـاسْمِه مُناديةً له بحب فـمِن أكبر مخاوف أدريان هي أن ينسى صورة وجه والدته لذا أصبح روتين يومي بأن يتذكر ملامِحها الجميلة متأملًا صورهما معًا ، صوت طرق باب خفيف قد قطع عنه ذكرياته ليتحدث بصوتٍ مُتعب قائلًا " من ؟ " نطقت تلك الخادِمة اللطيفة بـ " عزيزي أدريان أحضرت لك الفطور هل يمكنك فتح الباب من فضلك " أبتسم بخفة على نبرة صوتها القلقة التي تلتمس منها الحنية وعَلِم بأن الحياة بها بعضٌ من الناس الخَيِّرة فـنهض من السرير بـكسل و فتح لها الباب ليذهب إلى الحمام سريعًا و لم يُعطيها أية فرصة لِترى وجهُه أو تتفحصه حتى لا ترا تلك الكدمات و مدى تعبه و تقلق عليه أما هي فعندما فتح لها الباب ابتسمت على لطافته مع أنه صغير السن تحس بأنه ذو أفعالٍ رجولية و يمتاز بالشَّهامة مُنذ صغره أيضًا هو شخصٌ يتحمل المسؤولية و يعتمد عليه ، وضعت الطعام على المِنْضَدة و فتحت النوافِذ بعدما أزاحت الستائر عنها حتى تتسلل إضاءة الشمس الذهبية إلى داخل الغرفة لتُنيرعِتمتها قليلًا و تضيف لها بعضًا من الحيوية و البهجة و بينما كان أدريان يغسل وجهه ابتَسَم قليلًا لهذا اليوم فبدايته كانت مُطمئنة و مريحة قليلًا ثم خرج من الحمام مسرعًا فهو جائع و بشدة ليجلس على الطاولة و يشرع بالأكل بِهدوء تحت أنظار الخادمة التي صُدمت من منظر وجهُه و باقي جسده الضئيل و المُغطى بالكدمات فاقتربت مِنه بقلق و خوف مفضوح بنظراتها " أدريان من فعل هذا بك ؟ " ابتسم لها أدريان و قال لها برزانة و رسمية " لا داعي للقلق سيّدة إليزا كل شي بخير" بادلته الابتسامة بحُزن على حالة و إنحنت لمستوى طولة لتمسح على شعرة بِلطف قائلةً له " حسنًا أعتني بنفسك جيدًا " لينظر لها محدقًا بحدقتيه الخضراوتين و قلبه قد اشتعل فجأةً عِندما لمسته بأناملها مربتتًا بكل عطف و حنان فشعر برغبةٍ شديدة في البكاء لكنه كبحها فورًا لأنه من سابع المُستحيلات بأن يبكي أمام أي شخصٍ غير والدته قبلًا في الماضي ، حاول رسم ابتسامة طبيعية حتى لا تشعر بأنه حزين و نجح الأمر بسهولة نظرًا لمدى قوه تحمله و طبيعته الكتومه لتقتنع هي بأن أوضاعه بخير و على ما يوام مستقيمةً بوقفتها بعدما ردت له الابتسامة وهي تقول له بـود " هيا أكمل كل طعامك أنا ذاهبه لإكمال باقي أعمال القصر إن أردت شيئًا ما أخبرني " اومأ أدريان لها بحركة سريعة متفهمًا حديثها فرحلت من عنده .
بعد مرور أيامٍ عديدة :
مازالت الحالة كما هيّ ، أدريان مُنْطَوٍ على نفسه و في بعض الأحيان تُخفف عنه الخادمة إليزا و تعطيه القليل من الأمل تجاة هذه الحياة التي قد كرهها مستسلمًا لشدة بؤسها نحوه و بالتأكيد لم تمر تلك الأيام بسلامٍ دون مُضايقات أو اشتباكات من قبل نيكول و ستيفن مع أدريان فهو لم يهنأ بيوم واحد من دون إزعاجِهم أو إيذائهم له ، أستيقظ أدريان في مُنتصف اللّيل عابس الوجه بعد الكوابيس التي راودته مفترسةً عقلة بكل وحشية لتجعله هلعًا و مضطرب الحال فنهض من سريره و خرج إلى المطبخ حتى يشرب كوبًا مِن الماء و بعدما انتهى همّ ذاهبًا لخارج المطبخ حتى يتمشى قليلًا في أرجاء القصر متأملًا و مستذكرًا كل زاويةٍ كانت فيها ذكرياتُه السعيدة التي كان يعيشيها مع والدتها و هو يسترجع كل شبرٍ خطت عليه أمه الراحلة فـأحيانًا أدريان يتمشى ليلًا في أرجاء القصر لأن هذا الوقت الوحيد الذي يكون فيه مُرتاحًا بينما جميع من في القصر نائم و تصيطِر السكينة على القصر مهيمنةً عليه بهدوئها التام و عندما مَرَّ أدريان من غرفة ستيفن و نيكول سمعهم بالصدفة يتحدثون .
و ما يحدث خلف باب تلك الغرفة كان :
نيكول بابتسامه ممزوجةٍ بالقليل من سخريتها المُعتادة و اسْتِهْتارها الغير مسؤول " هي ستيفن أريد أن أحادثك بموضوع ربّما سيُهمك " فنظر ستيفن إليها بنظراتٍ مُنزعِجة و غير مكترثه بنفس الوقت لينطق بـ" ما هذا الشيء الذي رُبما سوف يهمني هيا تحدثي " تجهم وجَّهها قليلًا لردة فعله الغير مُبالية و قالت بنظرات غضب و صوتٍ مرتفع " أنا حامل " فـصُدم أدريان الموجود خلف الباب و فتح فمه قليلًا مِن الصدمة بكل ببلاهة مشفقًا على الطفل الذي سيولد بين هذه العائلة ثم أحكم قبضته من شِدة غيضة و تمنى بأن يكون كلامها مجرد كذبة لأنها بنظره ليست مؤهلةً لأن تكون أمًا و لا تستحق ذلك حتى و بالنسبة لستيفن نفس الرأي و وجهة النظر فـجميعهم مُجرمين ثم نطق ستيفن بشيء من الصدمة و التلعثم " مم..ماذا هل أنتِ جاده نيكول؟ " لترد عليه بغضب طفيف " وهل تراني أمزح سيد ستيفن أيضًا لما لم تفرح كـبقية الناس ها ؟ هل سوف تتركني أنا و طفلك مثلما فعلت مع تِلك الساذجة " استهاج أدريان كالمجنون غاضبًا و تقدم بوجهٍ متجهم ناويًا خلع ذلك الباب و كسر فكها لقولها هذا عن والدته و لكن أوقفته يد ناعِمة إمتدّت لتسحبه من معصمه بلطف و نظرات الرجاء تملأ عينيها بأن لا يفعل ذلك فحنيما رأى تلك النظرات ارتخت ملامِحه و هدأ بسبب نظراتها الراجية محاولًا تمالك أعصابه ليكمل سماعه إلى محادثتهم متنصتًا ثم نطق ستيفن بشيء من الحِدة " هي نيكول هل تريدين اغضابي " أكمل حديثه بـبرود و لا مبالاة " و من ثم أنتِ تعلمين بأني تركت زوجتي السابِقة و أبنها فكيف تثقين بأنني لن أتركك و أتخلى عنك أنتِ و طفلك هذا " فـدهشت نيكول لشدة و قاحته الصريحة و نطقت بملامحٍ منزعجة " هل تعترف بذلك أيها الوغد أعلم بأنك رُبما ستتركني لكن مصلحتنا أن لا نترك بعضنا البعض و أنت تعلم ذلك جيدًا " تقوست شفتاها بابتسامةً ساخرة لتكمل حديثها " بالطبع ليس لِحبنا بل لأعمالنا فنحن شركاء و نُشكل ثنائي لا يقهر " فـضحك ستيفن ضحكةً باردة بنبرته الخشنه و هو ينظر إليها قائلًا بثقته المتغطرسة " اوه نيكول أنتٍ تعجبينني أعتقدت بأنكِ سوف تبكين ندمًا على قرار زواجِك بي " نظرت له بغُرور و قالت ردًا على كلامه " هه من تخال نفسك لأبكي عليك كل ما يُهمني هو المال و السُلطة " ليبتسم ستيفن بخبث ثم نطق بنبرةٍ هادئه " أهداف مشتركة "
أنت تقرأ
يولاند (مكتملة)
Mystery / Thrillerفي فَرنسا تحديدًا بِمنطقة لانيون تحت أسقف غُرف المُستشفَيات نجِد الكثير مِن الغُرف المُعتِمه و لِكل مِنها قصة، حسنًا لِنرى الغُرفه رقم77 مِن هُنا سَتبدأ قِصتنا .