{7}

2.9K 222 29
                                    

بعد ثلاث سنوات و تسع شهور:

طفله تركض بوسَط حديقة القصر و أصوات ضِحكاتها يملأ المكان و كأن بِصوتها هذا قد أرجعت القليل مِن الحَيَاة لهذا المنزل الميت و الخالي فـكان أدريان يُراقبها بِصمت من شُرفة غرفته بالأعلى و ابتسامته اللطيفة مرسومة على ثغره بحب ، كانت تحب الزُهور كثيرًا و بالأخص زهور البنفسج ثم بعد عدة دقائق توقفت عن اللهو و ذهبت نحو تلك البتلات البهية لتجلس متأملةً إياها بوجهٍ بَشُوش مع ابتسامتها النقيّة التي تشِع منها البراءة  فـاقتربت مِنها إليزا و قالت لها بابتسامةٍ لا تُفارق محياها " بماذا تفكر أميرتي الجميلة ؟ " نظرت لها جوليا بملامِح هادئة لترتسم ابتسامةً صغيرة على ملامحها بشكلٍ تدريجي إلى أن أصبحت أكبر و أكبر ثم نطقت بحماسة و صوت عالٍ ببهجة " لنحضر الورود لأخي " تفاجئت الخادمة إليزا مِن حماسها الصاخب و سعدت بفكرتها اللطيفة قائلةً وهي تمدّد وجنتي جوليا  " يا إلهي سأموت من شدة لطافتك " أحمرت وجنتي جوليا أثر القرصة و خجلاً بِنفس الوقت لتصرخ بغضب طفولي " إليزا !! توقفي ستقتلعي..ن وجنتي " فـتركت إليزا وجنتيها و قد بدأت بالضحك على لطافتها وغضبها الطفولي و كان ذلك كله تحت أنظار أدريان الذي بدأ يزداد تعلقه شيئًا فـشيئًا بأخته جوليا مستلطفًا شخصيتها البريئة و مدى نقاء قلبها أما جوليا فقد اتجهت للأزهار و هي تحاول سحب الورود بأناملها لتقطف البعض منها ممسكةً بها بيديها الصغيرتان ثم جمعتهم بحركةٍ عشوائية و ركضت إليها قائلةً بسعادة كبيرة " أنظري  أليست جميلة ؟ أدريان سيكون سعيدًا بذلك " ابتسمت لها إليزا و قالت " بالتأكيد إنها رائعة " فرحت جوليا برضًى على رأي إليزا لتتوجه نحو الداخل ذاهبةً إلى غُرفة أخيها بسعادة و أثناء ذهابها قابلت السيّدة نيكول لتنحني تلك الابتسامة المشعة إلى الأسفل بذبول حتى اختفت تدريجيًا خوفًا و رعبًا منها فنظرت السيّدة نيكول إليها بنظراتٍ حادة لتوجه نظرها نحو أيادي جوليا المرتجفة و الممسكة بالزُهور ، ابتسمت ابتسامةً ساخرة ثم نطقت بنبرةٍ غاضب " هل هذه الزهور لأدريان ؟ " أجابتها جوليا بإيماءةٍ بسيطة تدل على تأكيد صحة كلامها فتجهمت ملامِح نيكول بحنق و بلحظة خاطفة سحبت تلك الزُهور من أناملها الصغيرة بعُنف لترميها عليها بعدما مزقتها بيديها وهي تصرخ بانْفِعال " ألا تفهمين هل تريدين بأن أضربك مجددًا ها ؟ " أنزلت رأسها بخوف لتشق الدُموع مجرى خديّها منهمرةً بـذعر فـشدّت قبضتها على فستانها الحريري خوفًا من صراخها العالي ثم اقتربت نيكول لترفع رأسها عبر إمساك فكها بيدها حتى تقابلت عيناهُما البنفسجيتان و لكل منهما حديث و معنى الأولى نظراتٍ مشتته بها الكثير من الخوف و الاضطراب  لتقابلها الأخرى بنظرات حادة ممتلئة بالحقد والكراهية فقالت نيكول بصوت حاد " لا تقتربي من ذلك الأحمق أتسمعين ؟ " لتوجه جوليا نظرها إلى والدتها نيكول قائلةً بصوت حزين " أخي أدريان ليس أحمق " غضبت نيكول بشدّة ثم دفعت جوليا بكل قوة مفرغةً غضبها فسقطت أرضًا  لترفع سبابتها أمام وجَّهها وهي تنطق بعصبية مهددةً إياها " إياكِ ثم إياك القول بأنه أخيك " ثم رحلت بعدما أنهت كلامها بينما صدى حذائها المُرتفع يصدع بالأرجاء أما جوليا فكانت تُحاول كبح دموعها مِن النزول و اضطراب قلبها بدأ بالتزايد لتشعر بالأختناق بسبب كل تلك المشاعر التي تتضارب بقلبها و عقلها و هي تحس بالتشتت و الضياع فنهضت بِهدوء بينما ملامح وجهها الذابلة على وشك الانْفجار ثم بدأت بتنظيف الزُهور المتقطعة بشكل ساحق و المتناثرة بكل مكان لتشعر باليأس أثناء محاولتها لإعادة شكل الزُهور كما كانت و بعدما إنتهت رفعت رأسها لترى أدريان واقفٌ أمامها بملامِح غضبٍ مَكْبوته أثر فعلة تلك الامرأة و حنيما نظرت إليه لم تستطع منع دموعها مِن الإنهمار لتندفع له و هي تدفن رأسها بصدره باكيةً ، عبست ملامحه لحزنها و احتضنها بقوة حتى يخفف عنها باحتوائه لها لتتشبث به بيديها الممسكة بقطع الزهور ثم بعدما هدأت قليلًا أبعدها عنه بلطف و هو يمسح دموعها فـأخذ الزهور المفتتة من يدها متظاهرًا بالانبهار ليقول بـ" واااهه رائعة ! ، إنها جميلة جدًا هل أحضرتها لي ؟ " نظرت له بعينين تلمع أثر دموعها  لتومئ له بالإيجاب فقال بِصوته الهادئ ذو النبرة الدافئة " لديك ذوق رائع بالزُهور لقد أعجبتني كم أنتي لطيفة صغيرتي الجميلة " ليعبث بشعراتها العسلية وهو يكمل حديثة بـ" شكرًا لكِ أدريان سعيد جدًا بهذة الهدية المذهلة " فـشعت عيناها بالأمل راسمةً ابتسامة كبيرة على وجَّهها و من ثم أحتضنته مرةً أخرى بسعادة و قالت بِصوتٍ عالي و مليئ بالبهجة " جوليا أيضًا سعيدة لأن أدريان سعيد "

الحاضر [ الأحداث الحالية ] :

فرنسا (لانيون)
أَفَاق مِن غفلته على صوت فَتح باب الغرفة ليُوجِّه نظره بعيناه العُشبية إلى الباب محدقًا بطبيبه الخاص و هو يدخل الغُرفة بينما تلك الابتسامة الخبيثة لم تُفارق وجهُه كالمعتاد فتنهد أدريان بملل مستاءً مِن حالته هذه لأنه يُريد التخلص مِن هذا الجحيم و ينقذ شقيقته بأسرع وقت ثم نطق الطبيب بـلا مبالاة " أدريان حان وقت الحقنة " لينظر أدريان له بحِقدٍ و كره  قائلًا و هو مغتاظ " هل عملك يقتصر على إعطائي تلك الحُقنة ؟ و مِن ثم ما هذه الحقنة التي ستفعل المستحيلات ، إن الطبيب الحقيقي يختلف كليًا عنك فأنت مُجرد عابدٍ للأموال ولا تهتم لأي شيء غير مصالحك الشخصيّة " تجهمت ملامِح الطبيب و صرخ غاضبًا " لَقَد تعديت حدودك يا هذا " فضحك أدريان بسخرية ليقول مستهزءًا بكلامه و هو يدير بوجهه " ها ؟ عن  أي حدودٍ تتحدث أنا لا أرى شيء " أغتاظ الطبيب منه ليسحب يده بِعنف مباغتًا إياه ثم طعنه بشكل مُفاجئ بالحقنة فتوسعت حدقتيه العشبيتان ألمًا و صدمةً من فعلته تلك و لقد أراد ضرب ذلك الطبيب الوغد لحد الموت لكنه عجز بتِلك اللحظة غير قادرٍ على الحراك حتى أبتلع السواد نظر أدريان ليغيب عن الوعي باستسلام .

سويسرا (فيرناير)

" فففييييوليت!! " صرخةً مُدويه قد انتشر صداها بأرجاء القصر خارجةً من أعماق حنجرة جوليا المسكينة و التي تكاد تتقطع أحبالها الصوتية من شدّة صُراخها الهلع فملامِح الرهبة والرعب تعتليها و هي تشعُر بحرارة جوفها يغلي كالحمم و كأن قلبها جمرةً بوسط لَهِيب أَبى القدر إخماده ، حينما رأت الرصاصة تخترق صدر الخادمة  فيوليت بينما قد خرجت مِنها شهقةً خفيفة أثناء محاولتها لكبح ألمها حتى لا ترتعب جوليا من حالتها ثم فقدت توازنها لتسقط على جوليا التي أمسكت بها مِن أكتافها وهي لم تستوعب ما حدث إلى الآن فقد تجمدت ملامِحها حتى أن لسانها انعقد عن الكلام مصعوقةً لما رأته  و بدأت عيناها بالصراخ بدلًا مِنها بشلالاتٍ مِن المياة المالِحة التي تخرج من تِلك الجوهرتين البنفسجية و هي بحالة صدمة ممسكةً بآخر شخصٍ تبقى لها هنا ليساندها فأصبحت تُحاول الحديث أو النطق لكنه خرج على هيئة كلامٍ مُتقطع و لم تستطع تحمل ألم قلبها الذي يعتصر بقهرٍ على ما حدث لتنطق وهي تشعر بالحَرْقة بصوتٍ مبحوح و مُتعب من هذه الحياة "فف...ففيو..وليت أرجوكِ لا تتركيني" ابتسمت ابتسامةً منكسرة تخفي بداخلها حُزن دفين و عيناها لم تتوقف البتة عن الانهمار بتلك الدموع إلى الآن لتتحدث فيوليت قائلةً بحب " أنتِ لا دخل لك بموتي أبدًا و أعلمي بأنني لستُ نادمةً على فعل ذلك ، أحبك أكثر من أي شيء صغيرتي لذا إياك و لوم نفسك و تعذيبها " تِلك الكلمات همست بها الخادمة فيوليت و لقد كانت آخر أنفاسها لتسقط كليًا على الأرض و تسقط جوليا معها لأن جسدها الضئيل لم يحتمل عِبء هذة الحياة و كان فقدان فيوليت ليس بالأمر السهل أما نيكول فابتسامتها تكاد تصِل إلى أذنيها مِن شدة السعادة و هي ترى فيوليت مُغطاة بدمائها بينما جوليا ممسكةً بها و ملامح الصدمة مرسومةً على وجَّهها ، فقط حدقتا عيناها التي كانت تنطق متفجرةً منها تلك الأنهار الصافية بقهر لتبكي بِصوتٍ عالي و هي تحتضن فيوليت بكل شدة منهارة بسبب ما حصل وهي وتصرخ بـأقوى ما عندها  " فففييووولللييتتت لاااااا " أكملت بكائها الذي يزداد هستيريَّةً شيئًا فشيئًا و شكلها كان أشبه بالجُنون لشدة ما عانته فتِلك الفتاة الصغيرة لقد أصبحت لعبةً في هذه الحياة ، ألهذه الدرجة حظها العاثر وغدٌ ليلعب بهذا القلب الضعيف ؟

يولاند (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن