{43}

1.4K 135 14
                                    

جلس منتظرًا لمدة ما يقارب عشرون دقيقة و كانت كفيلة بتدمير أعصابه كليًا و حينما فتح آيدن الباب و خرجوا وهم ينقلون أدريان لغرفةٍ خاصة قال فرانس بـرَبْكة " ما وضعه ؟ " ليجيبة آيدن بابتسامةٍ مطمئنة قائلًا " لقد كان يحتاج لغسيل المعدة كما قلت و لكن كل شيء على ما يرام فحالته الآن مستقرة بعدما أجرينا الغسيل و سيبقى بالمشفى لمدة يومان على الأقل لمراقبة حالته و الاطمئنان على صحته " اومأ فرانس باستعجال وقال مودعًا إياه " شكرًا لك آيدن لن أنسى ذلك " ثم ذهب لمركز الاستعلامات و بدأ بملء استمارة أدريان الطبية و إستفسر عن رقم غرفته ليهم بالذهاب إليها ، حينما وصل للغرفة توقف عند الباب وهو يأخذ نفسًا عميقًا و يمسح وجهه بتعب رافعًا شعره الغير مرتب للخلف ثم دخل بعدما فتح الباب بهدوء و أغلقه ليجده نائمًا على السرير فاجتاحته الكئابة و مشاعر الحزن لرويته هكذا بهذه الحالة حيث أنه هادئ دون أي حراك على هذا السرير و كمام الأكسجين يغطي وجهُه ليتنهد فرانس بإرهاق وهو ينظر بعينيه البحرية بنظراتٍ تجسد التعب نفسه حيث أن حواف عينيه محمرةٍ أثر بكائه و لشدة فركها بقوة فأصيبت بالاحمرار و كأنها لوحةٌ فنية لرسامٍ تعمد تجسيد كل تلك المشاعر المهلكة بهاتين العينين المشعة بسماويتها و رُغم آثار التعب الواضحة لا يزال جمالها بارزًا و لا يعيبها تعبٌ أو ضنك فهي لوحة فنية مبهرة و جميلة بشكلٍ حزين تُشعر كل من يشاهدها بالألم و بقية المشاعر المتجسدة بها إنها نموذج حي للفن ، سحب إحدى المقاعد ليضعها بجانب السرير و جلس عليها راميًا جسده بثقل ليتنهد للمرة الألف و يزفر الهواء خارج رئتية متأملًا خروج تلك الغصة منه فاقترب من أدريان قائلًا بتسائل " أليست ملابس المشفى خفيفة عليه الجو بارد " أمسك بيده متحسسًا إياها ليجدها متجمدة كالجليد فهَلِعَ قلقًا عليه و خلع معطفه ليغطي أدريان به و حرص على عدم تغطية وجهه خوفًا من أن يختنق فأبعده عن وجهه فقط ليدفئ جسده بينما هو قد بقي يراقبه بصمت حتى غلبه النعاس ليغط في النوم كالطفل واضعًا رأسه على السرير و متشبثًا بفراش أدريان ، بعد عدة ساعات قد انطوى الليل فيها و بدأ يومٌ جديد مستفتحًا بأشعة الشمس التي اقتحمت الغرفة بضوئها الساطع فاستيقظ بهدوء فاتحًا إحدى مقلتيه العشبية بإنزعاج لشدة الضوء بهذه الغرفة ليفتح كلتا عينيه بعدما استوعب وضعه و تذكر ما حدث بالأمس فنظر لذلك الأشقر النائم بعمق بشعره الفوضوي و لاحظ مدى بئس حالته و إرهاقه و لأول مرةٍ يرى فرانس بهذا الشكل فهو اعتاد عليه بجانبه النشيط وهالته الحيوية مع شكله المنظم و المرتب ثم لمح معطفه الذي يغطيه بأكمله فعبس بانزعاج لحالة صديقه الرثة و هو موقن بأنه سبب ذلك ليخلع ذلك الكمام من وجهه بغير اكتراث قائلًا " تبًا أتغطيني أنا و تنسى نفسك و تهملها ؟ " أبعد المعطف عن جسده وغطى فرانس به وهو يطبطب بخفة على كتفه بنظراتٍ فارغه فـوجَّه بصرة ناحية شعره المبعثر بشدة و قال بتكدُّر " أحمق لما شعرك فوضوي هكذا " بدأ بترتيب خصلاته الذهبية بأصابعه بكل خفة و هدوء حتى لا يوقظه و من ثم تنهد باستياء و قال " كيف له أن ينام بهذه الوضعية هل يريد الانتقام مني بعدما يستيقظ بإزعاجه لي و تذمره من ألم ظهره " دخلت الممرضة و وجدته غير مرتدي ذلك الكمام لتقول بصدمة " لما خلعت كمام الأكسجين دعه لوقت أطول حتى يحسن من تنفسك " فتجاهل حديثها وهو يتكلم بغيض " لما هذه الغرفة منيرة لدرجة العَمَى أتسمون هذه مشفى لعناية الناس ؟ إنها تزعج المرضى بإنارتها الساطعة و تؤذي أعينهم " بانت معالم الدهشة على وجه الممرضة مستنكرة تصرفاته و حديثه الغريب بالنسبة لها فقالت باستغراب " سيدي لم يشتكي أيٌ من المرضى قبلًا عن إنارة الغرفة " ليرمقها بكل بغض قائلًا لنفسه بصوتٍ عالي " ما الهراء الذي تقوله هذه المختلة " فابتسمت لتجامله وهي تتظاهر بأنها لم تسمع ما قاله حتى تسايره و اقتربت منه ثم قالت " سيدي ارتدي الكمامة أرجوك هذا لمصلحتك " ليقول وهو يؤشر على فرانس النائم " هل يمكنكم إحضار سريرًا آخر له " فغرت الممرضة فمها مندهشةً من هذا الشخص الغير متعاون و الذي يتجاهل حديثها باستمرار لتشعر بالغضب العارم جراء ذلك قائلةً بصوتٍ مرتفع " سيد أدريان هل يمكنك التعاون معي ! " فاستيقظ فرانس بسبب عُلُوّ صوتها رافعًا شعره المتمرد على عينيه و نظر لأدريان بنظرات خمول و عدم استيعاب فهو لم يصحوا بشكل كامل إلى الآن ليرى أدريان يحك مؤخرة عنقه و ملامح الإنزعاج واضحةٌ عليه وهو يهمس شاتمًا تلك الممرضة " تبًا لتلك الحمقاء لقد جعلته يفيق ألم تستطع الحديث بصوتٍ منخفض " يتذمر بكل غيض و حنق بصوتٍ مسموع  و كأن الممرضة غير مرئية بالنسبة له و ليست موجودة أمامه بينما علامات الصدمة قد استحلت وجهها لتقول بنفاذ صبر " عفوًا ! سيد أدريان هل أنت مدرك لما تقوله " وعى فرانس بعد عدة ثوانٍ من تأثير النعاس ليستوعب بأن أدريان يتحدث أمامه فصرخ بانفعال قافزًا نحوه " أدرياااان " احتضنه بقوه بينما الآخر أصبح مشدوهًا جراء ردة فعل فرانس المفاجئة ليعتصره بين أضلعه قائلًا باهتمام بعدما فك العناق  " كيف تشعر ؟ متى استيقظت و هل أنت بخير هل يؤلمك أي شيء هل أصبحت تتنفس جيدًا ؟ " أمطر عليه بسيلٍ من الأسئلة لشدة قلقه وهو يتفحصه بالكامل بنظراته و يديه التي تمسك به من كل جانب بعدما أبتعد عنه قليلًا ليرد أدريان عليه بتوتر " اوه أنا بخير لا تقلق " فـلمح فرانس قناع الأكسجين مرمي بجانب أدريان و جن جنونه آمرًا إياه بتوبيخ " لما خلعته لم تنتهي مدته هيا إلبسه " ليقول أدريان بتملل نافخًا خديه بإنزعاج " حسنًا " أخذه و قال قبل أن يرتديه " سآخذه و لكن اذهب لغسل و جهك و رتب هيئتك الفوضوية أيها الطفل " ضحك فرانس و الاطمئنان قد اسْتكنَّ بروحه بعدما رأى أدريان بوضعٍ جيد فقال ردًا عليه " حسنًا يا عشبي " ليستقيم بوقفته قاصدًا الحمام ومن ثم لاحظ وجود الممرضة التي بالكاد تمسك بأعصابها فـكلمها بلطف " المعذرة يا آنسة سآتي بعد دقائق للحديث معك عن حالته و أخبريني ما يلزم له حتى أرغمه على فعله فهو طفل عنيد كما تعلمين " لتضحك الممرضة بعدما ارتخت ملامحها المنزعجة و قالت بسرورٍ واضح " حاظر " بينما أدريان ينظر بإِمْتِعَاض نحو فرانس ثم حَوَّلَ نظره للمرضة و قال بطفولية " وااهه هل أنت سعيدة الآن ؟ هل تشعرين بشعورٍ جيد يا آنسة "  فضحكت بصدمة على تصرفاته الغير المعقولة قائلةً و هي تخرج من الغرفة
" يا للهول إنه حقًا لا يصدق " .

يولاند (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن