لا تدري متى بدأت معها هذه اللعبة الغريبة مع الحياة، فهي اشبه بلعبة طفولية، فقد تخيلت انها لن تعيش مغامرة جديدة بعد مغامرة المحاكمة و السجن، و لكنها فجأة وجدت نفسها و بتغير غير متوقع للخطط تجلس في نزل بسيط اجتمعت فيه جميع الألوان و الأعراق و المستويات من البشر، كونه يقع في منتصف طريق سفر و يتردد عليه الزوار، للزاد و الراحة و البعض للبحث عن المتعة، كل شئ كان غريباً بالنسبة لها، و الأغرب انها لم تحتقر حالها هذه و لم تحتقر النزل، فعندما فتح الباب استقبلتها الفوضى العارمة و الروائح المختلطة التي لم تعرف كيف تعرفها! الأشكال من البشر من نساء و رجال شيوخ و أطفال!
فقبل دقيقتان ذاقت طعم الموت الحقيقي و اضيف هذا الحدث لمجموعة المغامرات التي عايشتها في حياتها القصيرة هذه! فقد كان آخر شئ تذكره اهتزاز العربة و انقلابها بشكل مباغت و انتهائاً بالحادثة التي قضت على فتات الكبرياء المتبقي لديها هي عندما دهست براز الأحصنة التي كانت تحرك العربة! لقد كان الحادث بأكمله سخيف جداً و اساساً كل ذلك كان بسبب السائق الذي غط في نوم عميق دون قصد و كاد ينحرف عن الطريق، ففي حركة حمقاء حاول ان يتذاكى بها قلب العربة و حطم احدى عجلاتها و مع ذلك لم يتأثر أحد، و ساعدها والتر للوقوف و الخروج
"هل أنتِ بخير؟" سألها والتر و هو يساعدها على الوقوف
"نعم" قالت و هي بالكاد لفظت أنفاسها بعد الحادث الكارثي، و تحركت بعدم وعي منها بسبب الصدمة و فجأة سمعته يصرخ من خلفها:" انتبهي لقدمكِ"
و لكن كان متأخراً فقدمها كانت قد غطست في تلك المخلفات النتنة! بالطبع اشمئزازها كان لا نهائي، كان موقفها يدعوا للبكاء و الصراخ و الغضب، و لكنها لغير عادتها كتمت كل ذلك في قلبها، فقد الجمتها الصدمة و اكتفت ب"تباً" خرجت لتختصر كل ما حصل معها!
حاول والتر ان يتدارك الوضع و ان لا يضحك و لكن خانه سائق العربة الذي غطس في ضحك هستيري زاد احراجها في هذا الموقف، لدرجة ان دموعها انذرت بالهطول من شدة احراجها. صرخت بالسائق بانزعاج:" لا يوجد ما يدعوا للضحك"
و هنا فقط دخل والتر في نوبة ضحك هو الآخر حولت نظرها له و هي تقاوم احراجها و الرائحة القذرة التي التصقت بها، و صاحت فيهما:"توقفا عن الضحك لست فقرة تسالي أمامكم"
"أنا آسف يا آنسة دالتون" قال والتر وسط ضحكه الهستيري
لا تذكر متى رأته يضحك هكذا؟ و يتكلم معها بعدم تكلف! اساساً هذه كانت أول مرةٍ تراه يضحك هكذا، راحت تتأمله و شعور من الألفة الغريبة و الدفء حاوط قلبها! حتى ان عيناه الغائصتان دوماً في إرهاق و هالات سوداء لمعتا مع ضحكته تلك! و كأن النجوم لمعت في ليلة فقدت قمرها! ياله من شعور غريب افتقدته منذ وفاة والدها! شخص ابرد من فصل الشتاء كوالتر كيف يمكن لضحكته ان تكون دافئة هكذا كقبس نار وسط الجليد، كان شعورا غريب يبعث على الراحة و الأمان؟! لم تفهم ذاك الشعور الذي دغدغ قلبها بشكل مفاجئ؟ ما بال هذا القلب؟ عرفت منذ تلك اللحظة ان الألفة هي صفة يتصف بها الأخوين وايت! لعله مثل اخته ويلامينا في هذه الصفة ان كانت شخصيته معقدة أكثر!
"توقفا عن الضحك الآن ما الحل؟" سألت بإنزعاج
"هناك نزل قريب سيتحتم علينا المبيت فيه" قال السائق بهدوء
"كم يبعد النزل؟" سأل والتر و هو يمسح دموع الضحك
"ميل واحد من هنا مشياً على الأقدام!" قال السائق الذي راح يفك الأحصنة من العربة
"و لا نستطيع ان نمتطي الأحصنة فهم دون سرج" قال والتر بتفكير
"علينا ان نجمع المتاع" قال السائق بدون تكلف
"المتاع من سيحملها؟ " سألت باندورا باستهجان و هي تنظر لهم!
"نحن سنفعل" قال بهدوء السائق
" لا تقلقي يا آنسة دالتون، أنا سأحمل حصتك من المتاع " قال والتر
نظرت له بإنزعاج و صاحت:" لا انا سأحمل حصتي بنفسي"
فقد سخروا منها كثيراً قبل قليل و كانت تريد ان تثبت قدراتها و ان تحافظ على كرامتها المهدورة
نظر لها والتر بشك و لكنه لم يعلق، و تركها تفعل ما تراه، حملوا متعاهم و مضوا في طريقهم فرحلة الميل تحولت لألف ميل، لأن باندورا بقيت في الخلف بثوبها الملطخ و ثقل حملها الذي تحمله بيدها، عرض والتر و السائق عليها المساعدة و لكنها رفضت بشراسة مع ان التعب كان قد تمكن منها و الجو الجاف المكتوم الذي اختفى منه الهواء صعب مهمتها! مع ذلك لم تكن تريد ان يروا ضعفها يكفيها ما عانته من مهانة في الأيام القليلة الماضية!
أنت تقرأ
باندورا في الريف
Historical Fictionباندورا ذات العينين الناعستين ذات الضفائر البنية الفاتحة، باندورا ذات الضحكة الرنانة والحديث الممتع، باندورا المدللة ،المغرورة، المتكبرة، المتعالية، الوقحة، اللامبالية، الآنانية و عديمة الرحمة....في يوم ما باندورا تخسر كل شئ ، تتعرض للخيانة من أقرب...