جلست في صمت تنظر للغرفة الجميلة التي كانت تمكث فيها، سقف مرسوم بزهور جميلة مرسومة يدوياً، راحت تتأمل حديقة السقف، كل هذه الزعور ذكرتها بالخزامى، بالزهور البرية في الريف، بإحتفال الخريف و بأيامها الجميلة، و بتلك الرقصة مع والتر، شعرت بالدوار من التفكير و تمكن منها الإختناق! لم تشعر بهذا الشعور منذ زمن بعيد حتى ظنت أنها نسته، و لكنه اليوم عاد بشكل خفيف، تمالكت نفسها و راحت ناحية الشباك، فتحت الستائر عل الطبيعة تهدئ من إنزعاجها هذا! تنفست بصعوبة و هي تراقب هذه الحديقة الفاتنة أمامها! مناظر جميلة من حولها في كل مكان، مع ذلك كل شئ كان يبدو قبيحاً، حاولت ان تفتح الشباك و لكنها انتبهت للسلاسل التي اغلقته بإحكام! لقد حبسها كالعصفور في قفص جميل! تباً لهذا الحب القذر، أطلقت صرخة غضب و على إثرها فتح الباب، دلف كالمجنون و هو يركض ناحيتها، كان مبعثراً، كل شئ فيه مبعثراً مجنون أكثر من اي وقت مضى، عيناه امتلأتا بالجنون الصريح، صاح في قلق جنوني:" هل أنتِ بخير"
نظرت له بغضب ان كان هو مجنون فهي أكثر جنوناً! و ليس لديها ما تخسره الآن، و لذلك رمته بالمزهرية القريبة و التي تمكنت من كتفه
"أرجوكِ لا تغضبي مني" قال بيأس و أكمل و هو يترجاها:" انني أفعل هذا من حبي صدقيني فقد ضاقت بي السبل"
"اخرج" صرخت فيه
"أرجوكِ" قال بيأس
"أنا أكرهك" قالت بكره خالص
وجدته يقف كالمجنون نسي المه امسكها من كتفها و هو يصيح:" سوف تحبينني فهذا هو مصيركِ"
"مصيري هو الموت على حبك" قالت بصراخ
وجدت ملامحه تختلط أمامها كانت تراه امامها يقاوم جنونه، و على إثر ذلك وجدته يهرب من المكان و كأن الحيطان كانت ستأكله حياً!نظرت لما تبقى من خياله بخوف، تنفست بصعوبة فقد تمكنت من التخلص من جنونه كانت تعد الساعات و هي تدعي الرب ان لا يتمكن منها جنونه و هي تتذكر جيداً كيف انتهى بها المطاف هنا!، فمنذ أيام كانت تترقب زفافها بحماس، و تستعد له، و مع كل هذه الفوضى شعرت بالتعب و قررت انها تحتاج للراحة فاقترحت عليها زوجة أخيها الخروج للتنزه قليلاً في الحديقة، فيومها كان الجو مناسباً، طلبت من جيزيل ان تأخذ معها الصغير الذي بات يحبي، فالحديقة ستكون تجربة جديدة له
، و بالطبع كان تم الإتفاق و يومها خرجت و اتجهت للحديقة كان الجو مناسب الشمس مشرقة، العائلات و الأطفال من حولها، جلست على المقعد و هي تنظر للصغير من مكانها الذي راح يحبي، مع كل هذه الراحة اغلقت عينيها قليلاً كانت تلك ثواني و لا تدري كيف اختفى الصغير عن ناظريها، توقف قلبها لثواني، شعرت بنفسها يضيق و كالملسوعة قفزت تبحث عنه لا تدري كيف اختفى، بعد بحث قصير شابه الخوف الشديد رأته كان بخير تنفست الصعداء و لكن عاد لها قلقها فقد كان بين يدين رجل طويل غطى نفسه بالسواد و اخفى وجهه تحت قبعته! و لكنها كانت تحفظ هذه الهيئة! الهيئة التي كانت سبب كوابيسها!
"بارينقهام"
بالطبع هو من غيره؟، انه حقير استغل غياب أخيها، الذي اضطر للسفر إلى إيطاليا لينهي بعض الأعمال، كانت رحلة سريعة جداً، و لكن كانت هذه فرصته الذهبية فأخيها غير موجود و خطيبها بعيد عنها في الريف!
يومها ركضت ناحيته كالمجنونة و هي تصيح، اتركه و لم يوقفها الا المسدس الذي خبئه و هو يوجهه ناحية الصغير، نظرت لكل ما يحصل بفزع، حبست دمعة الخوف في عينيها، حاولت ان تستجمع نفسها و قوتها، لأنها علمت انها أمام معركة جديدة
"لا يوجد لدي ما اخسره كما ترين" قال بعد فتره! لا تفهم كيف تجرأ ان يفعل شئ كهذا في وضح النهار، علمت انه لم يعد يبالي، نظرت لإبن أخيها بفزع، الصغير البرئ ما ذنبه، لم تكن تريد ان تعيش مأساة الفقد مجدداً، زوجة أخيها المسكينة لم تكن حمل المزيد من هذا الألم، فكرت بسرعة و لم يكن أمامها حل سوى مجاراته
" هنا أمامكِ الورقة و الحبر" قال و هو يشير على العدة بجانبه و أضاف:" اكتبي رسالة هربكِ"
نطرت له بصدمة، ابتلعت ريقها كانت تحاول ان تفكر كيف ستنقذ ابن أخيها و نفسها من هذا الموقف! و لكن لم يكن أمامها حل آخر، أمسكت القلم و بيد راجفة راحت تكتب! تمكنت منها دموعها و لكن مع ذلك حافظت على شجاعتها، انهت الرسالة و سألت بحذر و هي تتوقع طلبه القادم:" لقد انتهيت" كانت تجاريه لتنقذ الصغير
وجدته يلقي نظرة على الرسالة، ابتسم بوجهه اللئيم و هو يقول:" جيد"، التفت لها و قد تحولت ملامحه للجنون، عرفت هذه النظرات انها تكرهها تشعرها انها رخيصة، قطة لحم بلا روح!
"سأترك الصغير و الرسالة، و أنتِ و كالطفلة المطيعة ستأتين معي" قال بتهديد و هو يوجه المسدس على الصغير"أخي العزيز
أرجوك سامحني على ما فعلته، و لكن مع اقتراب الزفاف شعرت بالفزع الشديد و لذلك قررت الهرب، أرجوك لا تبحث عني فأنا بحاجة لبعض الوقت، اعتذر من الجميع لا سيما والتر
أختك
باندورا دالتون"
رسالة سخيفة مقتضبة فضفاضة لم تشبه باندورا و الغبي سيفهم أنها كتبتها كرهاً لا طواعية و لكن الغبي غاب عقله.
فوالتر منذ ان تسلم خبر اختفاؤها او كما سمته زوجة أخيها اختطافها و هو حاله ليس بخير! فكريستوفر كان مسافر، و خادمه سافر ليعلمه بالخبر بعدما أعلم والتر و الذي كان أقرب و وصل للندن سريعاً.
"ان هذه الرسالة هراء" قال بإنزعاج
"هذا واضح و الشرطة تقول بأن كل ملابسات الموضوع يوحي بالإختطاف، فلو كانت تريد الهرب لماذا تأخذ معها جون الصغير للحديقة فهي كانت من طلبت ان تأخذه معها" قالت جيزيل و هي تمسح دموعها بإنزعاج
"اهدئ يا سيدة دالتون" قال و يحاول ان يهدئها
"و لكننا نشك بأحد ما" قالت بحماس
"صحيح مع ذلك و لكي لا نزيد الطين بله لن نفصح عن اسمه حتى تسألنا الشرطة" قال بتبرير و قد تملكه الغضب
" لماذا؟"
"لأننا سنقع في مأزق قانوني" قال برباطة جأش خبأ خلفها غضباً شديداً كان مستعد لتحطيم كل شئ، بداخله نار كانت مستعدة لحرق لندن و بل كل ما حولها و لكنه بقي صامتاً و قال:" انا أرسلت لأختي المجنونة ايضاً و هي قريبة من لندن و اعتقد انها في طريقها إلى هنا، أما انا فاسمحي لي يجب ان أذهب لأقوم بتحقيقاتي الخاصة"
كان يعلم انه يتهور بجملته تلك و لكنه بقي عالقاً و هو يكره شعور العجز هذا، فمنذ ان بلغه ذاك الرجل بما حدث أصبح كالمجنون و أول شخص فكر فيه كان اللورد الحقير! فمن غيره سيفعل ذلك، فالمحامي القذر لا يستطيع ان يفعل شئ في الوقت الراهن، فمن غير هذا المختل!؟كانت غاضبة من نفسها لأنها فشلت في الهرب فهي بعد توقف العربة عند احدى نقاط الإستراحة حاولت الهرب، و لكن بائت محاولتها بالفشل، و حتى حينما كانت في قصره الكئيب استغلت عدم انتباه الخادمة و هي تقدم لها الطعام فركضت خارجاً و لكن عبثاً حاولت! بقيت يائسة، عدتهم ٣ أيام منذ رحيلها. بقي عقلها مشغول بوالتر اشتاقت له، اشتاقت لأسرتها، لإبن أخيها، لويلا، للطبيب و للقرية، جلست مكانها بيأس و هي بتكي!
أنت تقرأ
باندورا في الريف
Ficción históricaباندورا ذات العينين الناعستين ذات الضفائر البنية الفاتحة، باندورا ذات الضحكة الرنانة والحديث الممتع، باندورا المدللة ،المغرورة، المتكبرة، المتعالية، الوقحة، اللامبالية، الآنانية و عديمة الرحمة....في يوم ما باندورا تخسر كل شئ ، تتعرض للخيانة من أقرب...