مع مرور أسبوعان على كل ما حدث كانت تملأها السكينة فقد انتهى كل شئ بالنسبة لها و لكن بقي في داخلها إنزعاج بسيط بعد الذي حصل،كانت تشعر بشيء من المرارة، و لكن حاولت ان تتمسك بالقوة وان تحافظ على استقرارها النفسي، فقد قررت ان ترتب من جديد أولوياتها الا و هي حياتها الجديدة في الريف. و لكن فتاة بماضيها سيظل شبح شرورها يخيم على حياتها، فقد تفاجأت ذات مساء بالزائر الهزيل متجهم الوجه، الذي رمى ظرفاً أنيقاً في وجهها و اختفى، بعدما أكد لها أنه خادم اللورد برينقهام، بالطبع استغربت الرسالة و تخيلت أنها رسالة تهديد، فماذا عساه يترك لها بعد كل ماحصل!، فتحت يومها تلك الرسالة بتردد كانت ستحرقها من فورها، و لكنها تركت مساحة للتسامح، ربما هو فقط يريد ان يعتذر و ينهي الأمور بسلام. السلام؟ يالها من كلمة لطيفة، حركت قلبها و هي تفكر فيها! فالسلام أينما وضع له طابع مريح، حتى في الموت. فتحت الرسالة و لم تخب آمالها فقد كانت رسالة تهديد و لكنها من نوع آخر، تهديد مشبع بالغرام ، تنفست بصعوبة فقد حاولت ان تسيطر على نفسها و لكنها هلعت. و لم يأتي في ذلك الوقت في فكرها سوى الأخوين وايت من وقف معها في تلك المحن؟ لقد كانا حرفياً الأخوان وايت، فوالتر لم يتركها حتى بعد الحفلة الا عندما وجد انها هدأت من غضبها ذاك و بقي يسأل عن حالها، و ويلامينا التي لجأت لها ذلك المساء طارقةً بابها مساءً، جاءت معها لمنزلها و باتت معها بعد رسالة اللورد تلك التي تركت اثراً سيئاً عليها و هي اساساً كانت قد أحرقت تلك الرسالة و لكنها لا تستطيع ان تنسى الكلمات اللئيمة السامة، "بدوتِ ساحرة في ذلك الثوب، جعلتني متشوقاً للزواج بكِ أكثر من ذي قبل"
" لا أتصور رجلاً بجانبكِ خلافي، لو رأيت غيري مجدداً فحياتنا لن تكون لطيفة ابداً"
"لا تحفري قبوراً من بعدكِ"
"اما ان نعيش معاً او نموت معاً كروميو و جولييت"
ففي الليلة التي تسلمت فيها تلك الرسالة و قرأتها و راحت تندب غبائها و تهورها الطفولي الذي جعلها تحاول تحقيق طموحها الغبي عن طريق اللورد!، ها هي حصلت على انتقامها، بطريقة لم تسعى لها و لكنه جاء لها على طبق من ذهب، فهي مكتفية بحياتها و ممتنة لهذه البساطة و هذا الهدوء، و جودي و جورج حياتهم تبدو مأساوية و لكن ذلك لا يجعلها سعيدة تماماً في تلك الليلة و وسط ذعرها أدركت ذلك، حتى ان ظنت انهما استحقا ذلك لما فعلوه معها ليلة زفافهم . بالطع في ليلة الزفاف كانت تعلم أنها كانت من الممكن ان ترتكب مجزرة لو لم يهدئ والتر من غضبها، تتذكر نظراته الصارمة، و لمسته الشديدة و هو يحاول اعادتها من فوهة بركان الانفعال! فقد كتمت غضبها، و بقي قلبها يغلي، حتى انها لم تطق ذلك الشعور و ذلك الغل المكبوت فصرخت في العربة و هم في منتصف طريق عودتهم
"توقف لنعد أدراجنا، يجب ان أعود و القنهم دروساً في الأدب! ماذا قالت ؟" صرخت بانفعال و هي تقلد جودي:" أصدقاؤكِ القرويين، و ما الذي أخذته من صداقتها سوى الخيانة هذه الغبية!"
كان هذا الانفعال هو شخصية باندورا القديمة التي كانت لا تترك داخل قلبها شئ الا لتفرغه كالمجنونة، كان ذلك يساعدها لكي لا تبقي في قلبها هماً بل تلقيه بشكل مباشر! فهي لم تتعلم تحمل الهموم، كان هناك دوماً من يحمل لها همومها سواء أبيها او أخيها.
فجأة شعرت بأحد يسحبها من يدها، رفعت نظرها لوالتر الذي راح ينظر لها بانزعاج و قال بحدة:" هذا يكفي، الانفعال و الغضب لن يحلان مشاكلكِ"
"و لكن..."ردت باعتراض طفولي بعدما أدركت الذي تمر به و دموع الغضب الذي بقي بداخلها قد ملأت عيونها
وجدت ان ملامحه عادت للهدوء و البرود و قال:" اجلسي و انسي الأمر، الليلة كل شخص عرف مكانته و انتِ كنتِ المنتصرة بكل المقاييس"
"هل تسخر مني؟ " أجابته بتهكم و قد راحت تبحث عن السخرية في ملامحه الجادة، و لكنها وجدته يعود لمكانه بهدوء و هو يقول:" ما الذي خسرتيه تحديداً؟"
أنت تقرأ
باندورا في الريف
Historical Fictionباندورا ذات العينين الناعستين ذات الضفائر البنية الفاتحة، باندورا ذات الضحكة الرنانة والحديث الممتع، باندورا المدللة ،المغرورة، المتكبرة، المتعالية، الوقحة، اللامبالية، الآنانية و عديمة الرحمة....في يوم ما باندورا تخسر كل شئ ، تتعرض للخيانة من أقرب...