كان يراقبها من البعيد بقلق! نعم كان قلقاً فسابقاً كان قد وضعها في طبقة معينة من تفكيره و لكنه في تلك اللحظة كان قد شعر انها مسؤوليته!
"أرجوك اعتني بها انها وصية والدي، و انا كنت أحمقاً و أشعر انني خسرتها و لا أستطيع ان انظر لها فأنا سأتذكر ما فعلته و اقسو عليها!"
كانت تلك الكلمات المكتومة النادمة تخرج من رجل صارم كالحجارة! كان يعتقد انه هو أكثر الرجال صرامة و ان قناعه الصارم محصن و لكنه عندما تحدث مع كريستوفر لوقت طويل علم انه أمام رجل يرتدي قناع اقسى! فمجرد ان أفاض بمشاعره سال كنهر رقيق! كان يستطيع ان يتفهمه فقصتهم متشابهة و لكن احدهم قد خسر كل شئ !
يتذكر والتر تلك الرسالة الأنيقة التي وصلت لمكتبه و تعجب منها بشكل كبير! فتح ذلك الظرف السكري الذي حمل شعار الزنبقة البيضاء بحذر، كان في كل خطوة يفتح الظرف يخاف ان تنفجر في وجهه الكلمات و لكن كانت صدمته أكبر حينما حدد المرسل و الطلب!
"سيدي الكريم اتمنى لو في امكاننا ان نلتقي قريباً فأنا متوجس من نتائج الأحداث الأخيرة و اتخيل عواقباً وخيمة! لدي بعض الشكوك و لذلك ان كان في امكان حضرتك و بصفتك محامي التحقيق في موضوع عمي المغضوب عليه من العائلة سيكون هذا بمثابة قطع الشك باليقين اريد ان أقابلك لأزودك بالتفاصيل فالرسالة لن تعطي أهمية الأمر حقه"
"المخلص كريستوفر دالتون"
كانت تلك الرسالة التي تركته محتاراً فتهذيب الرجل و لجوءه له جعله يشعر بالثقل، كان يجب ان يلبي ذلك النداء حتى لو كان لا يريد ان يتدخل في اي شئ، فمنذ دخول تلك الصغيرة الشقية لحياته و خيمة الهدوء التي حوط نفسه بها طارت مع الريح!
كان قد سافر إلى لندن خصيصاً لقاؤهم كان في منزل العائلة في لندن،
كان صريحاً و مباشراً
"أريدك ان تساعدني في موضوع ذاك المحامي النصاب"قال كريستوفر بقلق و أكمل و قد غاص في كرسيه من القلق:" لقد القى على مسامعي بضع كلمات يوم الحكم عليه تركتني قلقاً! شعرت ان الأمر مرتبط بماضي عائلتنا"
"و لكن ما الذي يقلقك طالما ان هذا الشخص قد تم الحكم عليه؟" سأله والتر و قد غاب عنه قلق الأخير
"انه رجل خبيث يستطيع ان يسخر الأفاعي و الثعالب لصالحه كما ترى و لا تنسى ثلاث سنوات لاشئ" رد عليه بإنزعاج
كان والتر يعرف قليلاً عن الرجل بحكم زمالتهم القديمة و لم يغب عنه مدى تمكنه و خبثه و لكنه ايضاً كان يؤمن بالقانون
"و ما الذي يجعلك قلقاً؟"
"لقد قال لي في ذلك اليوم انه سيقتلني كما فعل بأخي" رد كريستوفر و بعدها أضاف:" لست خائفاً على روحي و لكن لدي ذلك الهاجس، ذلك الكابوس الذي لا يفارقني و في كل أحلامي أراه يدفع باندورا من فوق منحدر،. لا اريده ان يتعرض لعائلتي سواء زوجتي أو أختي"
"و لكن هذا تهديد صريح بالقتل و كنا نستطيع ان نستخدم الامر ضده فنزيد فترة حبسه" قال والتر بصدمة و قد تفهم قلق الآخر اخيراً
" لا أريد ان ادخل في سجالات و محاكمات اكتفيت من هذه الفوضى" قال بإنزعاج و أضاف:"و لكن اريد ان اتأكد من طريقة مقتل أخي الأكبر و اريد ان أعرف مكان عمي "
"و لكن ما دخل هذا في ذاك؟"
"في الماضي عمي حاول ان يؤذي والدي و قد يكون انتقم منهم بقتل أخي و أشك ان يكون بران هو ابنه" و أكمل:" أخي راح ضحية شجار شبابي، و لم نبحث في الأسباب طويلاً لهذا السبب و لكن جملته تلك زرعت كل الشكوك في قلبي ان كان قد رماها ليغيضني"
نظر له والتر بصدمة و بقي يفكر و بعدها قال:" ربما أستطيع ان اسأل في الارجاء و استفسر من بعض الزملاء القدماء" و أضاف:" و لكن ما الذي تخطط له ان صدقت توقعاتك؟"
"بعدها و ان كانت ادلتي واضحة سأحاكمه بشكل لائق" رد بهدوء رداً يناقض حديثه الاول فقد كان واضحاً أمام والتر ضياع كريستوفر و تخبطه و قلقه! كان في فمه كلام آخر لاحظ نظراته و تحرك شفاهه بتردد واخيراً نطق بها بعد صمت متردد:"أرجوك اعتني بها انها وصية والدي، و انا كنت أحمقاً و أشعر انني خسرتها و لا أستطيع ان انظر لها فأنا سأتذكر ما فعلته و اقسو عليها!"
أنت تقرأ
باندورا في الريف
Historical Fictionباندورا ذات العينين الناعستين ذات الضفائر البنية الفاتحة، باندورا ذات الضحكة الرنانة والحديث الممتع، باندورا المدللة ،المغرورة، المتكبرة، المتعالية، الوقحة، اللامبالية، الآنانية و عديمة الرحمة....في يوم ما باندورا تخسر كل شئ ، تتعرض للخيانة من أقرب...