لما تدري كم من الوقت بقيت تبكي، و لكنها بالتأكيد شعرت بالأمان فهي تكلمت، قالت له و أفضت له بكل شئ، كانت أول كلمة نطقتها بعد صمتها المطبق هو "لقد كنت خائفة"
تلك الجملة قتلته مع ذلك وساها و هو يقول بلطف:"كل شئ بخير الآن"
حكت له كل شئ عاشته من اختطافها حتى وقوفها أمام الجثة! فلم تغب عن عقلها لدقيقة تلك المعركة مع ذاتها و هي تقف أمام الشخص الذي جعل حياتها جحيماً يقاوم الموت! فحينما شعرت بالروح فيه كانت أمام خياران و اختارت الذي سيريح ضميرها! فهرعت له، الشخص الذي كرهته و تمنت موته بل تمنت ان تكون قاتلته! جلست بجانبه و هي تنادي على الخدم:" نادوا الطبيب"
وقف هؤلاء الحمقى في مكانهم كالتماثيل متصنمين فوجودها تعود للصراخ:" هل جننتم نادوا الطبيب انه لا يزال حي"
و اخيراً تحرك أحدهم من مكانه! لا تدري ان كان سينادي الطبيب و لكن حركته كانت رداً لطلبها.
" حتى بعد كل ما حدث ستساعديني" جاء صوته متقطعاً و متعباً و لكن لم تغب نبرة الخبث منها
" اصمت اذا كنت لا تريد الموت" قالت بهدوء أخفت خلفه فزعها
" لا أمل كما ترين لقد انتهى كل شئ" قال بتعب
"اصمت" صرخت بغضب هذه المرة و قد نزلت دموعها
"لقد انتصرتي فلماذا تبكين؟"
"لأنني لا اتمنى الموت حتى لك مع انني أكرهك"قالت بجدية
"شعور متبادل" قال ضاحكاً
"هل ستبقى تتكلم هكذا حتى و انت مصاب" قال باستهجان
"انني أموت يا هذه"قال بسخرية
"اذاً اصمت "قالت بحزم
" لست نادم على شئ" قال براحة
تذكر أنها نظرت له بصدمة! لا زال يتكلم بذات الحقارة فوجدته يكمل:" لقد عرفت في قرارة نفسي ان والدي مخطئ صدقتكِ و لكنني لست نادم" كان لا يزال مغرور يحاول ان يتلاعب بالموت و كأنه يموت برغبته الآن
" هل هذا الموت الذي حلمت به؟" سألت وهي ترمقه كانت تبحث عن انسانيته فحتى في هذه اللحظة، كان فارغاً منها، سرقها منه والده و لكن هو لم يستطع بعدها ان يتعايش معها لأن الحياة كانت اسهل من دون انسانيته
" لست نادم و لكنني أطلب السماح" قال بصوت متقطع
انه مجنون هي لم تفهم المعادلة ابداً، فكيف يعتذر و هو ليس نادم ! ما هذا التناقض لم تفهم شئ و لكن كل ما فهمته انها في داخلها كان هناك جزء قد سامحه! لا تدري كيف و لماذا و لكن حينما رأته يموت أمامها لم تستطع ان تتفوه بشئ آخر، هل هي رهبة الموت التي تركت في داخلها هذا الشعور الثقيل، لا تدري
"اطلبي السماح من أخيكِ و من زوجته" قال من بين دموع الألم و اخيراً قال:" لقد سامحت أبي "
نطق كلماته الأخيرة تلك و تلتها كلمتها خرجت صعبة و مقتضبة و لكنها قالتها و نطقتها:" لقد سامحتك" لا تدري ان كان قد سمعها او لا فهي علمت انه أسلم الروح، لقد وقع في شر أعماله، نال ما كان يجب ان يناله و لكنها مع ذلك لم تكن سعيدة لموته و سامحته ببساطة، لم تفهم كيف كان قلبها بهذا التسامح في تلك اللحظات! هل هي هيبة الموت؟ ام لأنه من دمها؟ فهي تعلم انها بقيت تكرهه حتى اللحظةمسحت دموعها و هي تبعد عنه قليلاً، لم تكن تريد ذلك كانت خائفة من ان يختفي مجدداً من حياتها، اما هو فقد كان متفهماً لكل ما مرت فيه، كبرت في عينيه كثيراً. كان ينظر لوجهها المتعب، و شد نظره الجرح، حبس ألمه في حلقه و هو يمرر أصابعه على الجرح بأسى
"لا تقلق انه مجرد جرح عادي" قالت بسرعة و هي تخفي غصتها
" هل انتِ مستعدة لإخبار الشرطة بكل ذلك" قال بهدوء و هو ينظر لها بجدية في محاولة لتجاهل هذا الجرح الذي اغضبه
نظرت له بالمقابل ببعض التردد و لكنها قوت نفسها فهم معها و خلفها هي ليست وحدها:" سأفعل"
"يمكننا تأجيل الزفاف حتى تنتهي.."
"لن نؤجل شئ" قالت بحدة
"و لكن سيكون هذا لصالحكِ" قال بقبق
"أنا بخير الآن" قالت بقوة
نظر لها وارتسمت على وجهه ابتسامة واسعة، لقد كبرت و نضجت، انها رائعة، مشى ناحيتها و هو يقول:" أنا أحبك"
وجد خدودها تحمر بخجل و حياء، احب خجلها هذا، أمسك بوجهها بحنان، شعر بسعادة كبيرة انه سيكمل حياته معها، كانت نقيضاً لأحلامة بل و أجمل من كل القواعد المثالية الصارمة التي حبس نفسه فيها!
فجأة قتح الباب على مصراعيه، كان أخيها، ابتعدت عنه بخجل اما هو فوقف مكانه بإحراج. اما كريستوفر كان محرج و لكنه وقف ينظر لهم بإنزعاج وكأنه قبض عليهم بالجرم المشهود
"كان يجب ان تطرق الباب" قالت زوجته التي دخلت من خلفه، رمقها بإنزعاج هي الأخرى و لكنه تجاهل كل هذا.ذهب ناحية أخته فعلم أنها تكلمت، كان يريد ان يعرف كل شئ، يريد ان يساعدها، فوجدها تضمه و ابتسامة ناعمة مرتسمة على وجهه كأنها تشكره على صبره على صمتها السابق و تحمله لكل ما حدث
" هل أنتِ بخير؟" سألها كريستوفر
"نعم" قالت برقة
وجدته يقفز ليضمها مجدداً و هو يقول:" إنكِ بخير"
"أجل" قالت بهدوء
"في الغد يجب ان نذهب لمركز الشرطة، هل أنتِ مستعدة لذلك؟" سألها بحذر
"بالتأكيد لقد أخبرني والتر" قالت بثقة متعبة، كان الوهن و التعب بادياً عليها و لكن كل شئ كان يجب ان يسير على وجه من السرعة! فهذه التحقيقات لم تحتمل التأخير، و في داخله بقي خوف ان يتهموا اخته بجريمة قتل حتى لو كانت دفاعاً عن النفس! لو يكن يريد ان يرتبط اسمها بأي شئ كهذا
لقد لامست قلقه فقالت بثقة:" سأخبرهم بكل ما فعله اللورد"
"ماذا عن القذر الآخر؟" قال أخيها بإنفعال
"هل تستطيع ان تسامحه؟" سألته مباغته
وجدت أخيها يرفع رأسه ناحيتها بغضب
"لقد قتل طفلي و آذى زوجتي وآذاكي لقد قام بكل شرور الدنيا" قال أخيها بإنفعال
"طلب السماح قبل موته منا، مني و منك و من جيزيل" قالت بهدوء
"لا أدري ان كنت أستطيع ان اسامحه" قال كريستوفر بعد فترة تفكير، بقيت نظراتها متسمرة على زوجة أخيها و التي تقلبت ملامحها و لكنها اخيراً نطقت و قالت:" سيبقى في قلبي شئ لا أستطيع ان أسامحه بعد و لكنني سأدعو لروحه بالراحة"جلس هناك و على وجهه امارات الراحة و كأنه كسب القضية
"لماذا أنت مرتاح لهذه الدرجة يا سيد براون لم تنهي القضية بعد"
"لقد أعدنا الفتاة لألهلها وقبضنا على اللعين الآخر" قال براحة
"الا تخاف ان تكون قبضت على القاتل الخاطئ" قال صاحبه بشك
"هل جننت يا لوك؟" صاح فيه بصدمة
"أراك تتعاطف مع الفتاة و عائلتها بشكل مستفز" قال السيد لوك بشك
"أفضل من التعاطف مع لورد سئ السمعة لم يستطع أحد ان يعاقبه على جرائمه" قال السيد بروان بإنفعال
" و لكن ان اتضح انه برئ من الجريمة سنقع في ورطة" قال السيد لوك بقلقل، و أضاف:" أنت تعرف من يكون"
"هل بدى لك ذلك الرجل برئ؟" سأله براون بملل
" مع انه قال بأنه برئ حينما كنا نقبض عليه و لكن لم يبدو لي بريئاً" قال صاحبه بتفكير
"اساساً ان كان برئ فعلاً لماذا دافع عن نفسه قبل ان يسمع التهم" قال براون بتوضيح
و بقي الأخير يفكر مجدداً فأكمل المحقق :" و لا تنسى ان لم نعد للماركيزة حقها سنقع في ورطة ايضاً"
" و لكن ان لم تتكلم الآنسة سنكون في ورطة حتى الآن لم تتضح التهم و ستكون وبالاً علينا لو حاكمنا" قال صاحبه بإنزعاج
أنت تقرأ
باندورا في الريف
Historical Fictionباندورا ذات العينين الناعستين ذات الضفائر البنية الفاتحة، باندورا ذات الضحكة الرنانة والحديث الممتع، باندورا المدللة ،المغرورة، المتكبرة، المتعالية، الوقحة، اللامبالية، الآنانية و عديمة الرحمة....في يوم ما باندورا تخسر كل شئ ، تتعرض للخيانة من أقرب...