كان الجوّ ماطرا بينما كان رامز في شرفة مكتبه يستمتع بالمطر. لقد انتهى العمل وغادر عماد إلى منزله. عادة ما يفكّر رامز في العمل معظم الوقت لأنّه لا يترك له مجالا للتفكير في أشياء أخرى، لكنّه اليوم بالذات كان يفكّر بلينا. عادة ما كانت تستمتع بمثل هذا الجوّ وتطلب منه الخروج معا. كان رامز سعيدا لأنّ الاتفاقية مرّت كما كان يرجو، لكنّه كان قلقا ممّا قد يحدث. لينا لم تقبل بها إلّا لأنّها تعلم بأنّ شيئا ما سيحدث. لم تكن تظهر الخوف أو القلق، لكنّها لم تكن تنكر بأنّها تفقد السيطرة، وهو أمر مخيف حتّى ولو لم تعترف بذلك.
واصل رامز التحديق بحديقة القصر الّتي تقود إلى البوّابة الخارجية، إلى أن لاحظ لؤي يسير متّجها نحو البوّابة. كان رامز يعلم بأنّ لؤي لا يُفترض به الذهاب إلى أيّ مكان اليوم، وحتما ليس في هذا الجوّ الماطر ومع اقتراب حلول اللّيل. قرّر رامز تقصّي الأمر، ولذلك خرج مسرعا ليلحق به قبل أن يغادر.
حينما وصل رامز إلى البوّابة، كان لؤيّ على ظهر حصانه بالفعل، يرتدي سترة واقية من المطر تغطّي رأسه أيضا. كان لؤيّ على وشك المغادرة حينما سمع صوت رامز يناديه.
تجمّد لؤيّ في مكانه للحظات ثمّ التفت إلى رامز الّذي اقترب منه قائلا "إلى أين؟"
كانت علامات الارتباك واضحة على لؤيّ الّذي قال "سأذهب إلى المنزل وأعود"
استغرب رامز إجابته وقال "المنزل؟ لماذا تذهب في هذا الوقت؟"
زاد ارتباك لؤيّ وبالكاد أجاب وهو يتلعثم قائلا "فقط، هناك شيء أريد إحضاره"
عرف رامز في تلك اللّحظة بأنّ لؤيّ يكذب، فهو يعرفه كما يعرف نفسه. تنهّد رامز وقال بهدوء "انزل عن حصانك ودعنا ندخل ونتحدّث"
ارتعش لؤيّ للحظة ثمّ قال "لن أتأخّر، سأعود بسرعة"
حدّق رامز بلؤيّ وهو يعلم بأنّه يخفي شيئا ما، لكنّه مع ذلك لم يفقد هدوءه بل قال ثانية وهو يحدّق بعينيه مباشرة "لؤيّ، انزل عن حصانك، من الواضح بأنّك تخفي شيئا ما"
لم يتحرّك لؤيّ من مكانه ولم يقل أيّ شيء، بل اكتفى بالتحديق برامز. حاول رامز الإمساك بالحصان فسحبه لؤيّ بسرعة أثارت دهشة رامز الّذي قال "لؤيّ، ترجّل عن حصانك"
وما كان من لؤيّ سوى أن قال بانفعال "أنا لم أعد طفلا لتأمرني بهذه الطريقة، وليس هناك ما نتحدّث عنه، سأذهب وأعود بسرعة"
حدّق رامز بلؤيّ مندهشا ممّا يراه أمامه. لم يسبق للؤيّ أن خالف رامز، لم يسبق أن رفض له طلبا، لم يسبق أن أخفى عنه أيّ شيء، ولم يسبق أن رفع صوته عليه. لم يكن فعل كلّ هذه الأمور معا أمرا هيّنا على لؤيّ، وقد كان واضحا من ملامحه بأنّه لا يريد فعل ذلك، ولهذا أراد رامز التمسّك بهذا الأمل.
همّ لؤيّ بالرحيل فقال رامز "إن غادرت هكذا فلن يعجبك ما سيحدث لاحقا"
لم يستطع لؤيّ منع رعشة سرت في جسده حينما سمع كلام رامز، هو يعرف بأنّه إن أدار ظهره له الآن فلن يسامحه بسهولة، لكنّه كان مجبرا على الرحيل. انطلق لؤيّ بحصانه بينما عبث رامز بشعره قائلا "سحقا". كان يعلم بأنّ شيئا خطيرا سيحدث إن لم يوقفه.
أسرع رامز إلى الاسطبل لجلب حصانه وانطلق للّحاق بلؤيّ. استغرق الوصول إلى الاسطبل والخروج من القصر بعض الوقت، ولهذا كان لؤيّ قد اختفى عن الأنظار بالفعل. ولأنّ المطر غزير، فلا يوجد الكثير من النّاس في الخارج ليسألهم عن وجهة لؤيّ.
شعر رامز بالحيرة ثمّ قرّر الانطلاق إلى منزل لؤيّ على أمل إيجاده هناك.
كان ريان في الخارج حينما لاحظ مغادرة رامز على ظهر حصانه دون ارتداء شيء يقيه من المطر. توجّه ريان إلى البوّابة وسأل الحرّاس الّذين أخبروه بأنّ لؤيّ غادر أوّلا ثمّ تبعه رامز، لكنّهم كانوا بعيدين لمعرفة المحادثة الّتي دارت بينهما. شعر ريان بالقلق، فرامز لا يغادر القصر بهذه الطريقة دون سبب.
حينما وصل رامز إلى منزل لؤيّ، ترجّل عن حصانه واتجه إلى الباب وطرقه عدّة مرّات. كان هذا منزل والدي لؤيّ، وكان نادرا ما يأتي إليه. واصل رامز طرق الباب وهو يعرف بأنّ لؤيّ ليس هنا، بل لم يأت إلى هذا المكان مطلقا. لقد كان يكذب حينما قال بأنّه سيذهب للمنزل.
ضرب رامز الباب بقوّة بقبضته وهو لا يعرف ماذا يفعل أو أين يذهب. كان يعلم بأنّ لؤيّ قد أقحم نفسه في شيء خطير، ذلك الفتى الهادئ لم يكن ليثير ضجّة كهذه لسبب تافه. قرّر رامز العودة إلى القصر والاستعانة بريان للبحث عن لؤيّ.
كان ريان في حجرة الحرّاس ينظر من النافذة منتظرا عودة رامز، وبمجرّد أن رآه قادما خرج منها لاستقباله. حينما وصل رامز، كان مبلّلا بالكامل، كما كان يلهث بشدّة ولا يستطيع التقاط أنفاسه.
أمسك ريان بلجام الحصان وقال "ما الّذي حدث؟"
"لؤي" قالها رامز بصعوبة ثمّ أضاف "لا أعلم أين لؤيّ، شيء ما سيحدث"
"اهدأ وانزل أوّلا"
"ليس لدينا الوقت، علينا إيجاد لؤيّ"
عرف ريان في تلك اللّحظة بأنّ رامز لن يستمع إليه، حينها طلب من الحرّاس جلب حصانه وجلب رداء لرامز الّذي ابتلّ بالكامل. وخلال انتظار الحصان، وضع ريان يده على ذراع رامز وقال "أيّ أفكار؟"
"كان عليّ إيقافه بالقوّة، كان أمامي وتركته يذهب بسهولة"
بدا رامز مذهولا على غير عادته، لكنّ ريان لم يتفاجأ كثيرا، فلؤيّ هو الفرد الوحيد الّذي تبقّى له من عائلته. ضغط ريان يده على ذراع رامز وقال "رامز، اهدأ، فكّر فيما قد يجعل لؤيّ يفعل هذا"
تمالك رامز نفسه حينما سمع كلام ريان ثمّ فكّر قليلا مع نفسه وقال "إمّا شيء يخصّ مقتل والدي، أو شيء يخصّ العيون الحمراء"
فكّر ريان لوهلة ثمّ قال "أعتقد بأنّ الاحتمال الثاني أقوى، وإلّا لما أخفى الأمر عنك"
حينما حصل ريان على حصانه، ركب عليه وقال للفارس الّذي جاء حينما سمع الأخبار "أخبر سامي بأنّ لؤيّ في خطر واطلب منه أن يرسل فرقات بحث في مداخل المدينة، سأغطّي أنا ورامز المدخل الشمالي، وأخبر نغم أيضا"
انطلق كلّ من ريان ورامز متّجهين إلى مدخل المدينة الشمالي الّذي يقود إلى غابة العيون الحمراء، موطن قبيلة قديمة لم تعد موجودة منذ تلك الحادثة المروّعة.

أنت تقرأ
الصيّادة لينا
Fantasyلينا، الملقّبة بالصيّادة، ظهرت بشكل غامض قبل 3 سنوات. لا أحد يعلم من أين جاءت ولا أحد يعلم ما هي تلك القوة الغريبة الّتي تحملها معها. لينا لا تفهم المشاعر مطلقا، وتعتبر لقاءها وتجاربها مع الآخرين خلال سفرها مع نسرها تجارب ممتعة تجعلها فضولية لفهم مش...