الفصل 19: مشاعر غريبة

30 1 0
                                    

في جبل الظلام في منطقة الجنوب، كانت لينا واقفة عند الجبل تضع يدها عليه كالعادة. كان يرافقها في تلك الرحلة ليندا ونائب قائد الفرسان رنيم وبعض الفرسان. كانت رنيم تحدّق بلينا بإمعان بنظرة قلقة أكثر من كونها نظرة فضول، كانت رنيم تشعر في كلّ مرّة بأنّ السرّ الموجود بين لينا وجبال الظلام هو سرّ أكبر ممّا قد يتخيّله أيّ شخص. تملك رنيم بنية جسدية عالية، لها شعر قصير رمادي وعينان رماديتان.

حينما انتهت طقوس لينا وعادت إلى فرسها، ركب الجميع أحصنتهم للعودة إلى القصر. كانت الشمس على وشك المغيب، ولهذا قرّرت لينا ورنيم إنهاء اليوم بمبارزة كعادتهما. اتّجهت الفتاتان إلى ساحة تدريب الفرسان الّتي كانت شبه خالية وبدأتا المبارزة بسيوف حقيقية. رنيم كانت سيّافة ماهرة، ولهذا كانت تقبل طلب لينا استخدام سيوف حقيقية.

شعرت رنيم بأنّ مهارات لينا تتطوّر في كلّ مرّة تلتقيها، ولهذا زادت من حدّة ضرباتها. لاحظت لينا ذلك، لكنّها لاحظت أيضا بأنّ طارق يقف في الجانب الآخر فقالت ساخرة "يبدو بأنّك تتنمرّين عليّ لأنّ طارق ليس هنا"

ضحكت رنيم وقالت بعد أن وضعت مسافة بينها وبين لينا "يمكننا أن نستمتع أكثر حينما لا يكون..."

وقبل أن تكمل رنيم عبارتها شعرت بوجود شخص خلفها فالتفتت مباشرة لتجد طارق يحدّق بها. عادت رنيم لتلتفت إلى لينا وقالت "كنت تعرفين وتسخرين منّي؟"

ضحكت لينا بينما اقترب طارق وقال "يبدو بأنّ نائبي تريد قتل الصيّادة وتوريطي صحيح؟"

رغم أنّ طارق كان يبتسم، ورغم أنّه متساهل عادة، إلّا أنّه كان من الواضح بأنّه غاضب.

نظرت رنيم إلى طارق وقالت بهدوء "ليس الأمر كما يبدو"

"لقد قلت عدّة مرّات بألّا تتبارزا دون حضوري، كلاكما شخص مجنون وسأقع أنا في المشاكل إن حدث شيء لأيّ منكما" قالها طارق لرنيم الّتي لم تعلم ما عليها قوله، ثمّ التفت إلى لينا وقال "سأمنعك من المبارزة إن واصلت فعل هذا"

عرفت لينا في تلك اللحظة بأنّ طارق لا يمزح، حينها ابتسمت وقالت "فهمت"

استغربت رنيم عدم انزعاج لينا من تهديد طارق ورفعت نظرها إلى طارق الّذي قال "ماذا؟"

تنهّدت رنيم ثمّ قالت "ألا تثق بحكمي؟"

تنهّد طارق بدوره كما أنّه لم يكن يرغب في سماع مثل هذا السؤال ثمّ قال "لا تستخدمي عليّ هذه البطاقة لأنّها لن تنجح. أنت تفقدين السيطرة لأنّك مهووسة"

شعرت رنيم بالغضب يرتفع أكثر في داخلها فقالت باندفاع "أنا لا أفقد السيطرة"

"تحدّثنا عن هذا من قبل ولن نكرّر ذلك" قالها طارق مقاطعا رنيم الّتي قالت "سحقا لك" ثمّ التفتت إلى لينا وقالت "هل نواصل الآن بما أنّ بابا هنا؟"

ضحك طارق من سخريتها ثمّ ابتعد قليلا لإخلاء المكان وقال "يمكنكما البدء"

لينا كانت معتادة على حذر الفرسان حينما يتعلّق الأمر بالسيف، خاصّة وأنّها لم تبدأ التعلّم إلّا منذ فترة قصيرة، ولهذا لم تنزعج من طارق. كانت تعلم أيضا بأنّ رنيم شخص يمكن الوثوق به، وبأنّها سيّافة ماهرة. لكنّها تعلم أيضا بأنّ رنيم مشهورة بكونها شخصا شرسا، وقد تعرّضت للعديد من العقوبات حينما كانت متدرّبة بسبب إيذاءها لخصومها خلال التدريب. كان طارق يعلم بأنّ رنيم شخص قويّ وقائد ممتاز، لكنّه كان يعرف بأنّ شراستها لم تكن بسبب قوّتها فقط، بل كانت تفقد السيطرة لأنّها مهووسة بالسيف، رغم أنّها تنكر ذلك كلّما تحدّثا عن الأمر.

بعد انتهاء المبارزة بين رنيم ولينا، كان الظلام قد حلّ بالفعل. كان على طارق أن يقوم بجولة تفقّدية أخيرة، بينما جلست لينا ورنيم معا في الساحة بانتظار عودته. كان الجوّ باردا قليلا، لكن ليس بما يكفي لمنعهم من الاستمتاع بأجواء اللّيل. حدّقت رنيم بالسماء الّتي كانت صافية جزئيا ثمّ التفتت إلى لينا وقالت "هل ستغادرين غدا؟"

كانت لينا معتادة على المكوث ليلة واحدة في كلّ مكان، لكن لماذا أصبح الوضع يختلف في كلّ مرّة؟ بدأ الأمر بالشرق، حيث جعلها رفاقها هناك تشعر بأنّه منزلها وتمضي فيه وقتا أطول، ثمّ قرية دان، حيث تستمتع برفقة سيف ونور، ثمّ إلياس الّذي جعلها تعتبر الشمال منزلها الثاني، أو ربّما الثالث، ثمّ الأمير غريب الأطوار، والآن الجنوب حيث تنظر إليها رنيم بنظرات مشابهة تقول لها بألّا ترحل. لماذا يحدث هذا؟ لم تستطع لينا الإجابة، لم تكن تنوي يوما أن تربط نفسها بكلّ هؤلاء الأشخاص، لكن منذ متى أصبحت تهتمّ وتطيل مدّة بقائها بسببهم؟

دارت بنفس لينا أفكار كثيرة غريبة عنها في تلك اللّحظات القصيرة، ثمّ ابتسمت وقالت وهي تحدّق برنيم "سأضيف يوما واحدا فقط"

ابتسمت رنيم وقالت بسعادة "رائع"

أمضت الفتاتان بعض الوقت معا بالتحدّث إلى أن عاد طارق الّذي قال بمجرّد وصوله "الجوّ بارد ولن أعطي أيّ منكما قميصي لأنّني لا أرتدي شيئا آخر"

ضحكت لينا بينما قالت رنيم بسخرية "من قال بأنّنا نحتاج لقميصك؟"

"تعلمين، كما يحدث في الروايات"

"مقرف" قالتها رنيم بينما جلس طارق بجانبها قائلا "أشعر بالأسى على الرجل الّذي سيتزوّجك"

"أغلق فمك"

ضحك طارق ثمّ قال وهو ينظر إلى لينا "تبدين مشغولة البال"

ابتسمت لينا وقالت "لم تسألني عن الاتفاقية؟"

ابتسم طارق بدوره وقال "لا أحتاج للسؤال، أعلم كيف هي علاقتك برامز وأعلم بأنّه يقلق عليك، ولهذا أشعر بالراحة أكثر لأنّه سيقتلني إن أصابك مكروه في الجنوب"

تنهّدت رنيم وقالت "ما يقصده هذا الرجل الّذي لا يجيد الكلام هو أنّه سعيد لأنّك تحصلين الآن على حماية رسمية"

ابتسم طارق وهو يحدّق بلينا الّتي قالت "شكرا... لكما"

ابتسمت رنيم ثمّ أرخت رأسها على كتف لينا وقالت "علينا أن نخطّط لما سنفعله في الغد"

شعرت لينا بالدفء، بالكثير من الدفء الّذي لم تعد تعلم ماذا يجب أن تفعل به.

في الشرق، كان لؤي في غرفته مستلقيا على سريره يحدّق برسالة يحملها في يده، بينما يغلّف الظلام الغرفة ولا يظهر فيها سوى لون عينيه الحمراوتين البرّاقتين.


الصيّادة ليناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن