الفصل الرابع: المبارزة

93 7 4
                                    

لم تعلم لينا في تلك اللّحظة إن كان عليها الشعور بالراحة أو القلق، فهي تعلم بأنّ نبرة رامز الحازمة تعني بأنّه إن أخطأت بحقّه ثانية فلن تكون هناك فرصة أخرى. ورغم أنّها على ثقة بأنّها لن تعيد نفس الخطأ، إلّا أنّ الشعور بأنّها في قبضته أمر مزعج قليلا. لطالما كانت لينا حرّة تفعل ما يحلو لها ولا تحتاج لوضع حساب لأيّ شخص، حتى رامز الّذي كانت تشعر بالراحة معه.

ابتسمت لينا واكتفت بالصمت فقال رامز "لكن ورغم أنّني أحبّ أن أثق بك، إلّا أنّني أريد تحويل الشرط إلى اتفاق واضح الحدود"

عرفت لينا ممّا سمعته بأنّها لم تقع في قبضته فحسب، بل في ورطة عميقة لن يستطيع أحد إخراجها منها.

في اليوم التالي استيقظت لينا متأخّرة عن المعتاد. في الواقع كانت ترغب بالنوم أكثر لكنّها لم تستطع سوى أن تستيقظ بسبب ضجّة من في القصر. رغم أنّ الشخص الطبيعي لن يسمع الضجّة في غرفة مقفلة، إلّا أنّ حواس لينا الحادة مختلفة عن الشخص الطبيعي.

بعد أن جهّزت لينا نفسها وخرجت من غرفتها، التقت نغم مباشرة في الرواق المؤدّي إلى الطابق السفلي. وبمجرّد أن رأتها نغم قالت بابتسامة "أخيرا استيقظت الأميرة النائمة"

"أعتقد بأنّني آخر شخص يمكن أن تقولي عنه أميرة" قالتها لينا بابتسامة فردّت نغم قائلة "حان الوقت لتغيير الصورة النمطية عن الأميرات، أن تكون الأميرة مرعبة هو أمر مثير أيضا"

ضحكت لينا فقالت نغم "أين تريدين تناول فطورك؟"

صمتت لينا للحظة كأنّما تفكّر في المكان ثمّ قالت "هل رامز في مكتبه؟"

"كالعادة"

ابتسمت لينا وقالت "إذن في مكتب رامز، لكن بعد أن أعود من التدريب"

كان مكتب سيّد الشرق مكوّنا من مكتب رئيسي يعمل فيه هو ومساعداه، إضافة إلى ثلاث غرف متّصلة به يتمّ استخدامها إمّا للعمل أو استقبال الضيوف أو للاستراحة.

توجّهت لينا إلى مكتب رامز حيث طرقت الباب ودخلت قائلة مباشرة "هل ستتبارز معي أم أسأل ريان؟"

ريان كان قائد فرسان الشرق، ورغم أنّه يملك سلطة مساوية لسيّد الشرق، إلّا أنّه كان شخصا ليّنا لا يرفض من يطلب مساعدته، ولذلك كان هو مدرّب لينا الرئيسي على السيف بعد رامز.

رفع رامز رأسه عن ملفّاته الّتي كان يعمل عليها وقال "اسبقيني وسألحق بك"

وبالفعل توجّهت لينا إلى ساحة التدريب الّتي كانت ممتلئة بالفعل بالفرسان. لينا لم تبدأ تعلّم المبارزة بالسيف إلّا قبل ثلاث سنوات، أي منذ ظهورها الغامض في القارة، وهو وقت قصير جدّا مقارنة بالسيّاف الّذي يبدأ التعلّم منذ الصغر. لكن رغم ذلك استطاعت لينا إتقان استخدام السيف بما يكفي للقتال به. عادة ما يبني السيّاف طاقة جسده عبر التدريب، حيث يقوم بضخّ تلك الطاقة في سيفه لجعل ضرباته أقوى يمكنها اختراق العظام وتفتيت الحجر. لكن بالنّسبة للينا، فهي لا تملك هذه الطاقة ولم تستطع تكوينها مهما حاولت، ولهذا تستخدم طاقة الظلام بدلا من ذلك، وهو ما يجعل ضربات سيفها قويّة. أخبرها ريان بأنّ السبب قد يكون لأنّها تملك بالفعل طاقة غريبة في جسدها ولا يمكنها تكوين طاقة خاصّة بها، وقد كان ذلك تفسيرا منطقيا إلى حدّ كبير.

حينما وصلت لينا إلى المكان الّذي تتدرّب فيه عادة، حيّت الفرسان من بعيد، وقاموا هم بتحيّتها أيضا. كانت لينا قد أحضرت سيفها معها بالفعل فوضعته جانبا على الكرسي الحجري القريب منها وجلست تراقب تدريبات الفرسان.

لم يمض وقت طويل إلى أن حضر رامز وهو يحمل سيفه في يده. اقترب رامز من لينا فوقفت وحملت سيفها وسحبته مستعدّة لبدء المبارزة. وقف رامز أمام لينا وسحب سيفه بدوره وقال مبتسما "لا تتهوّري خلال المبارزة"

في الواقع، كان الاثنان يتدرّبان بسيوف خشبية لفترة طويلة، وقد كان ريان يفعل ذلك أيضا بناءً على طلب رامز. لكن بعد أن شعرت لينا بأنّها أتقنت استخدام السيف، أصبحت تطلب من رامز مبارزتها بسيف حقيقي، وهو ما رضخ له مرغما. رامز يعرف كيف يستطيع تجنّب أذيّتها أو التعرّض للأذى، لكنّه رغم ذلك يخشى أن تقوم بحركة لا يتوقّعها ويحصل خطأ ما.

كانت بنية رامز الجيّدة تبدو واضحة حينما يقف أمام لينا، فرغم أنّها بدورها تملك جسما صحّيا وقامة طويلة بما يكفي، إلّا أنّها تبدو صغيرة مقارنة برامز.

بدأت المبارزة بين الاثنين على الفور، وقد كان صوت التحام السيفين قويّا جدّا كالعادة، كما لو أنّ الرعد يضرب حولهما. لم يستطع الفرسان في تلك اللّحظة سوى التوقّف والنظر إلى رامز ولينا. رامز هو أحد أقوى السيّافين، وطاقته عالية جدّا تجعل ضربات سيفه مخيفة. أمّا لينا فتستخدم طاقة الظلام وتقوم بضخّها في سيفها. ولهذا السبب كان التحام سيفيهما منظرا فاتنا بالنّسبة لأيّ سيّاف يحبّ المبارزة بالسيف.

كان واضحا خلال المبارزة بأنّ لينا تصدّ ضربات رامز القويّة بصعوبة. فلو تحدّثنا عن المبارزة وعن مقدار الطاقة في الجسم، فرامز سيفوز حتما. لكن لو تحدّثنا عن طاقة الظلام فقط فلينا لا تُقهر. لكن بالمقابل، لا تستطيع لينا ضخّ مقدار كبير من طاقة الظلام في سيفها، ولهذا السبب لازالت تتدرّب لإتقان فعل ذلك.

استمرّت المبارزة لبعض الوقت إلى أن وجّه رامز ضربة قويّة جعلت لينا تتراجع قليلا إلى الوراء ثمّ قال "يكفي هذا"

لم يبدُ التعب ظاهرا على أيّ منهما، وهو ما يستغربه الفرسان لأنّ لينا لم تكن تدرّبت على السيف من قبل لتملك بنية قويّة وقدرة تحمّل عالية. قامت لينا بتمديد ذراعيها أمامها ثمّ همّت بإعادة السيف إلى غمده فقال رامز "لا يزال جسدك غير مرن بما يكفي"

"أستطيع الشعور بذلك" قالتها لينا ثمّ التفتت نحو رامز وأضافت "كما أنّ شخصا ما يضرب بقوّة ولا يمنحني الفرصة لمحاولة تعديل وضعية جسدي"

ضحك رامز ثمّ قال "هذه أفضل طريقة لتعليم شخص يملك قوى مرعبة مثلك"

لم تكن لينا مقتنعة تماما بطريقة رامز في تدريبها، إذ لا يسمح لها بأيّ فرصة للتعلّم خلال المبارزة، لكنّها تثق به ولهذا لا تعترض على أسلوبه.

في تلك اللّحظات، اقترب ريان من رامز ولينا وقال مبتسما "أنت تتحسّنين في كلّ مرّة"


الصيّادة ليناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن