« كان تضميد الجرح مؤلمًا، وكل ما حدث لي بعدها كان مؤلمًا، ولكن حين أعثر على المفتاح، أحيانًا، وأتعمق في نفسي حيث تسترخي صور قدري في المرآة المعتمة، لا يكون علي إلا أن أنحني فوق تلك المرآة المعتمة لأتملى صورتي، وقد أصبحت الآن تشبهه شبهًا تامًا، تشبهه هو ... صديقي، أخي، ومعلمي "
كانت تلك هي السطور الأخيرة والخاتمة لرواية " دميان " التي انتشلتها سريعًا قبل إغلاق الباب، فانتشلتني غروبًا وليلة من أي نوم وراحة سوى تتبع بصريّ سريع لا يتوقف للصفحات.
دميان ... إحدى الشخصيات الرئيسة في الرواية، يكبر البطل ببضع أعوام، ظهر أمامه للمرة الأولى حين أنقذه من موقف عصيب ... لكنه فيما بعد بدا كالمرشد الروحي الخفي للبطل الصغير الذي عاش في عالم من الفضيلة والمثالية، ثم توازى لقاؤه مع دميان بخروجه من عالمه العدني المثالي ... ورؤية الحقيقة، رؤية الوجه النحيل المريض للحياة دون أقنعة.
دميان مثل مرحلة النضج والتغيير والإدراك في حياة البطل الصغير، في الآن ذاته ... كان شيطانه.
صديق، أخ، معلم ... وشيطان، هذا تمامًا ما كانه دميان للبطل الصغير، والحقيقة التي بدأ البطل يتطبع بها ويتحول إليها دون إدراك، هما حظيا برابطة روحية وعقلية مميزة جدًا.
وأنا أدركت أني كنت أحدق نحو دميان الذي يخصني ... ابتسمت بحسرة، لماذا دمياني يبدو وغدًا بطريقة غريبة لم أكشفها بعد؟ ربما جميعهم هكذا ... أو أن طبائع التلميذ تشابه طبائع المعلم وحسب.
أنا تاريخه ... هو مستقبلي.
كان ذلك النوع من الأشخاص الذي يجعلك فنانًا ... يعصف بك إلهامًا، يجعلك راغبًا بكتابة رواية فقط لتجسيده شخصيةً فيها، باحثًا عن آلة موسيقية فقط لتؤلف لحنًا قد يشبهه، تريد رسم لوحة فقط لتمزج لوني عينيه معًا بحثًا عن نهاية ومُستقر، أن تكتب آلاف الرسائل والخطابات تقتبس منه، أو تحاول شرح أفكاره.
انشغل يرتب المراجع الطبية في مكتبه، ويرفع لأجلها حاجبًا ... ثم يعيد الترتيب في كل مرة وفقًا لتسلسل مختلف.
- " متى سأحصل على تكملة الحكاية؟ "
- " من يعلم ... ربما قريبًا " تمتم.
- " أنت كاذب يكسب وقتًا لأجل نفسه معي ... أليس كذلك؟ "
بدأ اهتمامه يثار بحديثي الآن ... لأنه التفت، وأنا رفعت ساقيّ على الأريكة إشارة للتحدي وأني محق، فليقم بردها علي إن امتلك القدرة.
ساقه المصابة أزعجته لطيلة وقوفه، فركها قليلًا وقبض عليها " أنا لا أكذب، لكني قد أُخفي بعض الحقائق، أو أتجاهل نفي بعض المعتقدات الخاطئة "
نقطة جيدة ... هو لم يكذب علي، لكنه فقط أظهر ما يريده، وأخفى ما يريده عالمًا أن هناك اعتقادات قد يبنيها عقلي لسد مساحات جهلي حوله، ومعتمدًا عليها لتترسخ فيّ، لم يقل أنها صائبة، لكنه أيضًا لم يقل أنها خاطئة ... أفكار الآخرين تغذي كذباته.
أنت تقرأ
ُمتفرَّد: ذهبي
Fantasyكان يملك عقلًا من ورق ... وقلبًا من شظايا زجاج ... هناك حيث مزقتنا الورقة الأخيرة التي لم نظن أننا سنصلها يومًا ... هناك حيث لم يبقى أحد، حيث لم أجد إلا حكاية عشوائية. هل يُستهلك الشعور حتى رمقه الأخير ... حد الفراغ؟ هنا حكاية الذي ما كان عليه أن...