63

513 71 167
                                    


- " شيء أخير ... "

حين أرخى آدريان الذي ليس آدريان دفاعاته وتنفس الصعداء من نهاية هذا اللقاء ... وجد نفسه يكدّس الحذر مجددًا إزاء نداء الماستر له ...

ما هو الشيء الأخير الذي يملكه ماتياس سالفاتور للإدلاء به؟ كان الآخر متلهفًا لسحب نفسه إفلاتًا وإغلاق الباب للأبد ... لن يفكر مجددًا بدخول هذه الغرفة، ولا بالتواجد قرب الماستر إلى هذا الحد.

أراد مسافة فاصلة آمنة لنفسه ... بعيدة قدر الإمكان، بل أبعد ما يمكن.

أحاق به شعور الخطر ... ثبّت له قدمًا خارج الغرفة رغم استيقاف الماستر له، ولم يدرك أن القدم الثانية داخل الغرفة ترتعش إلا حين حاول تثبيتها لئلا يبدو جبانًا، أو ممن يدحرون حقيقة ما.

- " هل تذكر ذلك اليوم آدريان؟ كنتَ في السابعة ... وكان هناك ذلك العصفور الصغير الأزرق، أحببتَه كثيرًا ... وفي يوم ما، صحوت ووجدته صامتًا، على أرضية القفص ودون أي حراك ... كان ميتًا، صادف أن والدتك مريضة تجري فحوصات في المشفى يرافقها شقيقك، وأنت لم تجد أحدًا سواي يومئذ، نظرت نحوي خائفًا ... ثم اندفعت بين ذراعي تبكي دون انقطاع، بقيت وقتًا طويلًا على هذه الحال، غفوت ساكنًا بعدها ... أنفاسك الخافتة أرعبتني، كنت تشبه عصفورك الصغير حينئذ ... هل تذكر؟ "

استرسل الماستر بجميع تلك الذكرى باندفاعة سردية واحدة ... ما الذي يحاول فعله حتى؟ الرجل الذي يصغي أكثر مما يتكلم بكثير ... ساق شيأه الأخير نحو ذكرى طفولية لا يكترث لها أحد.

إن كان آد الحقيقي ... لوقف خاشعًا متعجبًا أمام استذكار الماستر لهذا الموقف الذي يخصه، لطالما كبر وتنامى ذلك الاعتقاد في آدريان ... أن لو أمكن لوالده نفي وجوده ومحوه، من الماضي، الحاضر والآتي، حتمًا لفعل ... يزيل النقطة السوداء والباهتة في آن واحد، من سجله، المتمثلة بابن يدعى آدريان.

- " نعم، أذكره ... يوم لا يُنسى، عصيب جدًا بالنسبة لطفل " اختصر إجابته ... منذ أنه لم يجد سبيلًا للإسهاب.

وسّع فتحة الباب يلقي نظرة أخيرة نحو الماستر ... فكانت هناك هزة رأس بسيطة مسوغها أن الوقت مبكر جدًا ليغادر آدريان ... الحديث ما زال قائمًا على قدميه، يشد الماستر ساقي الحوار ويطيلهما ... لكن الآخر محاولًا كسرهما ليسقط جسد الحديث برمته، وتنهار قوائمه ... فيغادر دون عودة له.

لكنه لم يكُ قادرًا على العصيان ... حين أُمر بالبقاء، تسمر أرضًا رغمًا عنه ... وبقي.

ربما صاحب الجسد الأصلي يفوقه حنكةً من هذه الناحية ... يحضر ويغادر متى ما شاء وحده، ليست تمنعه نظرة قوية أو صدى خطوات تقترب منه ... جدًا، كما الآن، ولا حتى مزيد من استثمار ذكرى لا تتناهى عالقةً بينهما.

إن كان هناك ما يمقته آدريان تمامًا ... فهو أن يتاجر البشر بقلوبهم، أن تُباع العواطف وتُشترى وفق الحاجة، وحين تنتهي الحاجة مُنها لا يتم تكريم عطائها بالخزن حتى ... بل يتم استبعادها، للأبد ... تُعامل كسلعة وقتية بائسة يُتخلى عنها إن وجد عرض أو طلب أرفع.

ُمتفرَّد: ذهبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن