32

840 103 255
                                    

لم يبصرني في الصباح، ليس أنا ... وليس أي نور آخر.

كان جالسًا على سريره، وأنا أقف أقابله ... ثم حين رأيت عينيه تحومان بعشوائية، تهتزان بقلق شديد ... فارغتان، بلا هدف، لا يعرف أين عليه توجيههما ... جثوت أرضًا أمامه.

- " آد ... ما الخطب؟ أنا هنا "

حاول ابتلاع رمقه الجاف رعبًا، دون جدوى ... كأنما حنجرته صحراء، هز رأسه ... ثم رفع كفه يحركها حتى وصلني، يتحسس وجهي ببطء شديد ... " لا أراك ... لا يمكنني رؤية شيء "

شغلت ضوءًا اصطناعيًا وحاولت دسه داخل بؤبؤه، الحصول على استجابة، أي رؤية ...دون جدوى مهما فعلنا.

لقد فقد بصره.

- " لو أني علمت أن بصري سيُفقد اليوم، لحدقت فيك طوال الليل ... لما أبعدتك عن ناظري، لجعلتك تبتسم لأراها، وأحفظها ... لجعلتك تظهر لي تقطيبة حاجبيك، بعضًا من الملامح القاسية ... أي شيء، أريده كله الآن، ولا أحصل على شيء منه، لا أرى ... لم أستطع رؤية البحر معك حتى "

كان ينهار على كتفي، مغمضًا عينيه بقوة ... ولم ينفع سحب القوى منه هذه المرة، لم يزده إلا إنهاكًا.

رفع رأسه حين شعر كلانا أن كتف كنزتي قد بات رطبًا جدًا ... بقعة حمراء اتسعت عليه، أنفه ينزف ... ضغط دمه ارتفع كثيرًا ولم يستقر أبدًا، حرارته ترتفع من جديد، رغب بالنهوض ... فعل كثير من الأشياء، كما لو أنه يشعر بقرب النهاية ويريد تحقيق آخر رغباته ... معي.

لكنه عجز حتى عن ذلك.

كان يتصدع ... وكنت أفقده.

قررنا إخماده ... إفقاده الوعي، طالما هو مستيقظ ويستشعر التدهور بكل مراحله، سيقوده الألم واليأس نحو الأكثر منهما، لعل غياب وعيه يمنحنا بعض الوقت لإيجاد حل، لكنه سرعانما يستعيد طاقة شظيته ... ويصحو مع كابوس فظيع.

طوال يومين لم يكن قادرًا على أن يحظى بنوم جيد أو وجبة طعام ... رغم إدعائه النوم والالتفات كلما دخل أحدنا أنا، روي أو الماستر إليه ... لئلا يرى نظرات شفقة أو ألم نحوه، لا ... لم يكن قادرًا على رؤيتها، لكنه حتمًا سيشعر بها ... لم يرد جرح نفسه أكثر، الشعور بضعفه وعجزه أضعافًا.

أمي لم تستطع تجاوز شيء كهذا، خاصةً حين استدعاها الماستر ... إن كان هناك ساحر يمكنه التعامل مع شظايا الأماثيست، فلا بد هي ... لأنها مزدوجة.

لا شيء أفلح مما جربته، لكن من الظريف كم كان يفتح حواسه ويتصرف بصلابة مطلقة ويركز عينيه عديمة البصر ناحيتها، كما لو أنه يراها ... يستشعرها، رأيتهما يخوضان بعض الحديث الودي الخفيف ... كانت حقًا تحاول المساعدة، تمسك يديه وتتلو بعض التعاويذ ... تحاول تعليمه نشر ضباب عقلي على اللحظات التي شعر فيها أنه أكثر فقدانًا للسيطرة، التعتيم على تلك الذكريات السيئة.

ُمتفرَّد: ذهبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن