52

670 76 243
                                    

إرواء جسده بكوب ماء بدا قرارًا يصعب اتخاذه في مكان كهذا ... بقي يتلفت من على السرير، يحدق بالأرضية ... أخفض قدميه مراتٍ عدة كما لو أن الأرض رمال متحركة يحترز منها، أو مغمورة بمياه يخشى حرارتها ...

كوب ماء واحد فقط ... كل ما أراده.

شعر بالجفاف، فقدان السوائل، أن هناك مسارًا ممزقًا متهالكًا يمتد على امتداد صدره، طريق مهجور يبدأ بحنجرته، ثم لا ينتهي أبدًا ... كثير من العطش، وأكثر من التعطش لأي شيء يألفه أو يشعره بالأمان ... فقط كل شيء كان غريبًا، باردًا، خطيرًا.

هذا المكان يشبه والده ... جدًا.

تحرك وأخيرًا بعد رسم آلاف الخرائط الذهنية لاحتمالات ما قد يحصل إن غادر الحجرة.

الممرات ذات الإضاءة اللعوبة الخافتة ... بدت له أزقة مهجورة مظلمة.

النوافذ الحجرية سميكة الزجاج ... بدت له مداخل وثغرات لدخول كل الأشياء الشريرة السيئة.

المشاعل المنطفئة الموزعة بانتظام ... بدت له أكواب مصغرة مُراق فيها جحيم قد يشتعل منها في أي لحظة ويحرقه.

سار ... تجنب الجدران، المشاعل، النوافذ ... وحتى الأبواب الخشبية ذات المفاصل الحديدية بأنين صدئ بطيء، النصف السفلي من كل باب ممزق بخدوش مخلبية حيوانية.

قُضي الأمر له إذًا ... هناك وحش يعيش هنا.

ثم السلالم بدت ثعبانًا سميكًا شديد الالتواء قد يقرر الالتفاف واعتصار جسده حتى الموت في أي لحظة.

استُهلك عقله تمامًا بأكثر التصورات سوءًا.

على الأغلب فإن الحسنة الوحيدة في هذا المكان أنه نظيف جدًا ... ربما والده يختطف في كل مرة عشرة أطفال ثم يجبرهم على تنظيف المكان، وإن تهاون واحد منهم يعلقه في قبو ما ويجعل الوحش صاحب الخدوش يقوم ببقية العمل، ثم لا أحد من الأطفال يعود لمنزله.

تجسيد العصر الحديث من أسطورة بروميثيوس!

استطاع تمييز المطبخ منذ أنه التفرع الوحيد الذي يفضي إليه مدخل القلعة الأرضي الصغير ... وأمام ذلك المدخل هناك فسحة صغيرة يمكن رؤية التوزيع الحلزوني للنوافذ حين الوقوف وسطها، والتحديق للأعلى، مما يجعل الضوء يمر بعدة مراحل انتقالية قبل أن يصل الأسفل على هيئة سهم عملاق مجسم الأبعاد، مغروسًا في الفسحة متمركزًا عند نقطة واحدة ... أشواك ضوئية متفتحة.

الطابق الأعلى أوسع بكثير، تصميم غريب، لا ... كل شيء هنا غريب.

بدا المطبخ طبيعيًا ... أكثر مما يجب لشخص مثل أبيه.

لا أكواب مزج شرابها الدماء ... لا نبيذ معتق منذ زمن إعدام الساحرات، لا بقايا لحوم بشر ... فقط مطبخ صغير ونظيف جدًا! كؤوس زجاجية شفافة وأكواب مغسولة بعناية ... هذا شيء احترافي أكثر من أن يفعله الأطفال العشرة المختطفون، والده إذًا يختطف نساء وجاريات! ارتعش لأجل تلك الفكرة.

ُمتفرَّد: ذهبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن