48

761 77 235
                                    

- الساعة السادسة من الصباح، بعد طلوعٍ غامر للفجر ... 

كانت أرجل النوارس تنقر الهواء الملامس لسطح الماء بخفة رقصة صباحية رشيقة، حيث يبدو كل من الهواء والماء بلا مقاومة، بلا احتكاك ... ثم تنغمس قليلًا، تشق البحر وتخدشه ... تغمر مناقيرها تنقيبًا عن صغار الأسماك، ثم تخرج وتدور في طيرانها في مستقيمات حادة أو زوبعات صغيرة حول بعضها بعضًا، تصنع أهزوجة الصباح، تهتف للشمس الجديدة وترفع رؤوسها نحوها.

البعض منها يمشي قافزًا عند أطراف الميناء أو يحوم فضوليًا حول مرسى السفن وأشرعتها، أصوات الصيادين والتجار مرتفعة، قوية ... لكنها لا تلغي شيئًا من أصوات الطبيعة الأم، الموجات المتضاربات، الطيور السريعة أو حفيف النباتات وكثافتها، ولا حتى صفير الرياح.

آدريان أبقى إحدى يديه معلقةً تتخلل وسط خصلات شعره الأمامية لئلا تتطاير، الإشعاع الشمسي قويم لا يتعثر، جعل شعره الناعم يلتمع بشدة حتى يبدو بلون مقارب للرمادي عند جذوره ... عيناه بدت مصبوبة بسائل معدني زلالي من ذهب، يبدل وجهتهما ما بين زرقة السماء والبحر، نحو الأعلى ثم الأسفل، نحو الأجنحة المتضاربة، نحو انحناءات الموج ... يصغي كأنما يحاول الانبعاث للحياة من جديد، ويفشل.

تأخر إدراكه لوقوف الجمال الأحمر الملتهب جواره، ألقى نظرةً سريعة نحوها، أناقتها المعتادة وألوانها المنتقاة بعناية تسفر عن لون عينيها، ثم لسبب ما شعر ببعض الإحراج وأشاح بصره ... الأمر أسهل جدًا حين يكون بلا مشاعر، لكن حين يدرك أنها باتت تهتم له بعد كل هذا الوقت، أن هناك فرصة ... يخل ذلك به قليلًا، يمنحه شعور سعادة مرة ... أو حزن حلو هادئ كالنهايات.

أشكال الغيوم كانت فوضوية جدًا، رثة مهترئة ... وهو فكر أن ما تلك إلا أفكاره، ينفثها عقله الشارد نحو الأعلى بتلك الهيئة، محرقة فكرية متصاعدة ... لم يكن قد جرب التدخين من قبل، لكن عقله صار يفعلها بكثرة.

- " أسدل شعرك ... حينها ستبدو أكثر شبهًا بماكسيل "

أخفض يده استجابةً سريعة دون أن يفكر، وترك شعره ينزلق على جبهته بحرية كالسابق.

- " أريد المغادرة ... ليس عودةً إلى سيريوس، وليس إلى أي مكان فيه ساحر أو أماثيست ... أريد أخذ ماكسيل بعيدًا، مؤخرًا لا أشعر إلا أن كل من يحيطنا ما هم إلا مصاصو دماء أو أرواح، ينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض وغرس أنيابهم ... ثم أخذ كلِّ شيء "

تنظر إليه بصراحة، وتنتظر منه أن يفعل المثل ... لكنه يصغي دون أن يصنع أي اتصال بصري معها، يخشى الوقوع في الفخ من جديد، ومن جديد.

أخذ كل شيء ... ألم يكن هذا ما فعلته معه قبل سنوات؟

لكنه فهم هذه المرة ... هي تخبره، ليفعل المثل، ليحزم ذاته ويغادر معهما.

ُمتفرَّد: ذهبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن