صفير ... من هواء لا يضم إليه سوى الفراغ، ولا يحمل معه أي وجود، إلا رائحة كبريت ساخن، ولم تكُ حقيقيةً حتى.
هبت الرياح نادرةً من الغرب إلى الشرق، وهو حدق يستكشف اتجاهها، رغم أنه لن يراها سوى شعورًا، فقط وجده عذرًا للالتفاف في نصف دائرة صغيرة داخل قُطر المكان، ومسحه بعينيه.
عمَ يبحث؟ عن مصدر الصفير ... قبل أن يدرك أنه صوت تنفسه، وحين أوقفه لحظة، خيّم الهدوء بخيمة لم يرد نصبها الآن، أراد الصوت ... أراد الصفير، فتنفس بملء رئتيه.
كاد يصل مصنع الورق الذي لم يصنع شيئًا على مدار عقود، يعرف هذه المنطقة جيدًا، ويكره ارتيادها جيدًا ... دائمًا ما كانت كالبقعة الصحراوية وسط غابة، تقف الشمس عليها بأقدام عمودية صلبة طويلة، والمصنع مع محيطه شكلوا مصدًا للرياح.
حرارة، هواء بائس بطيء، أرض معبّدة مقفرة، غطاء نباتي مُقتلع، اسفلت ... والمزيد من الاسفلت الأسود المتراكم على بعضه بكتل عشوائية تجعل الطريق شديد التعرج، ولا تزيده إلا حرارة، وانقطاعًا عشوائيًا للإشارة البرية عن الطبيعة.
بدا كأنها رئة خضراء مغلفة بالدخان، وهو بدوره شعر بضيق تنفس غير واقعي، تلك المنطقة عدو سيء لساحر سماوي.
في حين استمد السحرة السماويون قواهم من الطبيعة ومدى إحاطتها وأحداثها بهم، الرياح، العواصف، الماء والأمواج، الأرض الخام ... القمر واكتمال أطواره، تعظمت مع ذلك، وانكتمت بالابتعاد عنه.
إن قال أحد ما أن السحرة السماويين هم الأقوى، فسيكون محقًا، وإن قال أنهم الأضعف، فلن يكون مخطئًا أيضًا ... قواهم لم تكن من الثوابت، تباينت وتذبذت مع الظروف.
وهنا ظهرت منافع الفروقات الفردية، أن تكون ساحرًا سماويًا قويًا، عنى قدرتك الخاصة على استخلاص كل ذرة صغيرة من قوى الطبيعة، فرض قوتك الخاصة عليها والانتزاع منها، تأخذ ولا تطلب.
وهو حتمًا امتلك قوةً طاغية قاسية.
رغم ذلك، تم اختيار هذه المنطقة عمدًا لإضعاف أي ساحر سماوي قد يأتي، إجراءات احترازية.
لكن ذلك ليس بالعبء الكبير عليه بكل حال، كان ساحرًا قادرًا على التأقلم مع أسوأ الظروف.
بينما استمد العقرب قوتهم من الدماء والألم ... من لحظات الموت، أراقوها، امتصوها، وخزنوها ... ثم جددوا بأضحية جديدة في كل مرة نفدت منهم، هذا كان مصدرهم الوحيد للقوة ... نمط حياتهم، اعتادوه، عاشوه.
ومَن رفضه، اعتزل السحر وغادر.
التنظيم الإيقاعي الصامت تغير إلى صوت خطوات أُضيفت إليه، تقلّب إدراكه لحالة الظلال حوله حين أُلحق بها واحد جديد.
حذره في أشد لحظاته، حفظ حتى تركيبة الهدوء وتشكيل الظلال وحركة الرياح ... إن حصل أي متغير، سيشعر به حتمًا، وقد فعل توًا.
أنت تقرأ
ُمتفرَّد: ذهبي
Fantasyكان يملك عقلًا من ورق ... وقلبًا من شظايا زجاج ... هناك حيث مزقتنا الورقة الأخيرة التي لم نظن أننا سنصلها يومًا ... هناك حيث لم يبقى أحد، حيث لم أجد إلا حكاية عشوائية. هل يُستهلك الشعور حتى رمقه الأخير ... حد الفراغ؟ هنا حكاية الذي ما كان عليه أن...
