كنت أراني من بعيد عوضًا عن أن أحس بي ... لا أشعر بوجودي، إحساسي أبكم، أطفو في عالم لا أنتمي له ... وأراقبني كأحداث تعرضها شاشة مغبرة خلف أجفاني.
هناك عطر ذو ثباتية عالية أوقظني ... نفاذ رغم تشتته حولي، رائحة تخيلتها فولاذية الملمس لسبب لا أعلمه ... ربما لاوعيي أدرك صاحبها قبل أن يكون معرفًا لوعيي.
رائحة خشبية عنبرية ... نفحتها الأخيرة من التبغ، وتخلو تمامًا من اللمسة السكرية الحلوة التي تداهمني كلما اقتربت من آدريان، ممتلكاته وثيابه.
تقلبت على السرير الغريب عني بضع مرات ... مسحت بيدي على الوسادة متأكدًا أنها ليست لي، استنشقتها، أنا لست في حجرتي ... فتحت عيني، ولم أتعرف أين أنا سوى متأخرًا.
كنت نائمًا بعمق شديد على سرير جدي ... هذا العطر الذي لا يفوح، بل يتسلل إليك ثم يظهر نفسه بقوة بغتة، يعود له ... تلك وسادته، غطاؤه البني الداكن.
مجددًا صدمتني حقيقة أن الماستر العظيم يملك سريرًا وينام فعلًا ... رغم رؤيتي لحجرته هذه عشرات المرات.
تذكرت البرنامج الوثائقي " خُلق ليفترس " ... حسنًا هذا الرجل خُلق ووجد ليقود ويفرض سلطته ... لا ليعيش.
لم أكن قد تيقظت تمامًا بعد، وبدوت بعيدًا جدًا عن إدراك الزمان وتحديده ... كم ساعة مرت منذ نومي؟ الأحداث الأخيرة مشوشة، على أني استرجعتها شيئًا فشيئًا.
لم أنظر للساعة الجدارية الذهبية ذات الرقاص المتمايل ... لا يهمني حقًا سواء كان صباحًا أم ظهيرة، أو حتى ليلًا ... لا يهمني إن مر مائة عام على نومي ... بل ليته حصل، والعالم فارغ الآن إلا من سواي، وحدي بقيت أسير اللحظة والعالم.
تذكرت أني كنت منهارًا على آدريان الصامت ... مذهل، ماذا إن خرجت ورأيته أمامي مباشرةً؟ ما الذي علي قوله؟
هذا ليس صحيحًا ... الآن أتصرف كمراهق خجول مُحرَج يريد دفن وجهه وإخفاءه.
حسنًا أنا بالفعل الآن مراهق يريد دفن وجهه وإخفاءه ... لكن مسألة الخجل والإحراج مشكوك بها نسبيًا.
لا ... ربما أنا أكثر من ذلك، لست خجلًا من آدريان ... بل خائف.
استسلمت لهوس الوقت ومطاردتنا المتبادلة أنا والزمن بعضنا بعضًا ... وحركت قليلًا الستارة السميكة الحمراء الداكنة ... لا ضوء في الخارج إلا صراعات متشابكة انتهت بمقتله، ولم أكن بحاجة لإمعان النظر في الظلام أكثر ... لا، في سريرتي كنت أحس وجوده وأستشعره كأن حاسة جديدة تيقظت لي.
حاسة الاندماج مع كل ظلمة واسوداد.
الظلام بدأ يحل ... أستطيع الشعور بالسماء ترمي ظلالها على الأرض، كما لو أنها كانت تحمل الظلام على كتفيها، تزجره على عاتقها ... طوال اليوم، لكن ذلك أكثر مما في وسعها احتماله ... في الليل لا تجد سبيلًا إلا إن تنهار، تسقط ... وتُسقط دلاء الظلمة على الأرض مسكوبة.
أنت تقرأ
ُمتفرَّد: ذهبي
Fantasyكان يملك عقلًا من ورق ... وقلبًا من شظايا زجاج ... هناك حيث مزقتنا الورقة الأخيرة التي لم نظن أننا سنصلها يومًا ... هناك حيث لم يبقى أحد، حيث لم أجد إلا حكاية عشوائية. هل يُستهلك الشعور حتى رمقه الأخير ... حد الفراغ؟ هنا حكاية الذي ما كان عليه أن...