* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
-
ضِمن احدى اللَّيالِي الرَّبيعية الدَّافِئة، تَزيّنت السَّماء بأجرامٍ مُضيئة، تَبعث ضوؤها مُنيرةً الطُّرق لعابريها، ويتخلل بعضها خلال الزُّجاج الرَّقيق، وتَمد السَّاكنين بديارهم بنورها، تُصاحبها نسماتٌ لَطيفة البُرود، مُتقاطعةً بذلك مع أصوات البَشر، مُشكلةً بذلك مزيجًا مُبهجًا ومُحببًا إلى النَّاظِر.
كَان أحدهم قد دَعا رِفاقه وذَويّ القَرابة منه لأمُسيةٍ دَافئةٍ بمنزله، يَحتفيّ خِلالها بجهود زَوجته المَّحبوبة وما بَذلته خِلال العامين المُّنصرمين وُريتها للنتائج قَبل وقتٍ قَصير، كنوعٍ من التَّقدير المُّقدم منه لها.
بهذه اللَّحظات، كَان مَالِك المَّنزل ورِفاقه يَقضون وقتًا هادئًا في الدَّاخل، مُتبادلين شَتى الأحاديث معًا، تارِكين الحُرية لأبنائهم بالتَّخالط معًا وتَعرّف بعضهم على الأخر، استقرت يَافعةٌ بِردائها الأخضر القَاتم على دَرج المَّنزل بِرفقة واحدةٍ تَصغُرها سِنًا، تَقص أصغرهما عليها ما يَدور بعقلها بنبرةٍ خافتة، فلم تَرغب أنّ يَسمعها أحدهم أو تَلفت انتباهه إليها، في حِين كَانت الأكبر تُنصت بعنايةٍ لمَ تَقوله، لئلا يَسقط شيءٌ دون أنّ تَسمعه فيَصعب عليها فهمها، فتُكمل المُّقابلةُ لها حديثها قائلةً: هل تعتقدين أنَّني سأبقى هكذا إلى النِّهاية؟ ألا يُمكنني أنّ أتغير أو تتغير حَياتي؟ أعيش بخوفٍ مُستمر من تقاطع طَريقي أو طريق بوالدتي بما لا نُريد، أريد العَيش مثلكم دون هذا الخَوف...
أخذت المُّخاطبة بالرَّبت على رأسها كنوعٍ من المُّلاطفة والتَّخفيف عليها، ومن ثُمَّ استطردت مُجيبةً إياها بنبرةٍ تُشابه خاصتها: لا يُوجد حالٌ ثابتٌ في هذه الحَياة عزيزتي، إما أنّ تَصعد أو تنخفض وحتى هذا ليس ثابتًا، كُلها تُشعركِ بقيمة الأيام وقيمة ما تملكين، كذلك لا يَملك أحدهم كل شيء، سيُظهر لكِ ما يَملك ويُخفي ما لا يملك أو النَّقص في حياته، قلما ينتقد النَّاس الشَّخص على ما بين يديه، لكنه يُصبح سَهل المَّنال عندما يُكشف الجُزء الأخر، الأن تظُنين أنَّكِ لا تَملكين شيئًا بسبب ما عِشته وتعيشينه، لكن الأيام أمامكِ طَويلة، إنّ لم تَكن طفُولتكِ جيدة، فستكون المُّراهقة، وإنّ لم تَكن هيَ، فعندما تُصبحين قادرةً على الوقوف بمُفردكِ، يُمكنكِ البحث والحُصول على ما تمنيته، ستُقابلين الكَثير من الأشخاص وتمرين بمواقف لا تُعد ولا تُحصى، ستتعثرين وتبكين وتتأذين، لكنكِ بالمُّقابل ستقفين مُجددًا وتبتسمين بوُسع وتضحكين بصوتٍ عالٍ، الحَال مُتغيرٌ كما أخبرتكِ، لذا لا تُفكري بيأسٍ أو ضَجر.
أطلقت الأصغر تنهيدةً مُستسلمة ما أنّ شعرت بنفاذ عقلها من الكَلمات، فيَحُفهما صمتُ مُرتبك لدقائق معدودة، لم يُخرجهما منه إلا صوتُ صَبيين بدا وأنَّهما يَقفان على مَقربةٍ منهما، أخذت أكبر الفتاتين كَفّ الأصغر جاذبةً إياها خَلفها أثناء اتجاههما إلى مَصدر الصَّوت، فَتجدّا شَقيقهما يبدو وأنَّه يعبثُ مع طِفلٍ أخر بعمره، تَقدمت الأكبر لخطواتٍ إضافية حتى تمكنت من رُؤية وجه الفتى، لتتحدث حَال تَمييزها له: أنتَ ابن السَّيد سُون الأكبر أليس كذلك؟
أنت تقرأ
Lost.
Short Storyعاطفة وعنف متمازجان ✨ 🟡 ملحوظة : المعلومات الطّبية المذكورة معظمها غير صحيح