الفصل السادس عشر

397 13 6
                                    

شاردة الذهن والبال، يشغلها كلام أمها.. ولعز موت أخيها وشكها بأنه قريب منها يحميها في الخفاء، هكذا كانت تقود دراجتها بعقل غير واعي شارد، تقود دراجتها في شوارع بيكا من حي هايدو لبيكا، تحفظ خارطة الشوارع وتستطيع أن تقود مغمضة العينين لكنها لم تنتبه لتلك السيارة البيضاء في أحدى أحياء بيكا والتي يبدو إنها مركونة مذ زمن وصاحبها في غفوة يغطي وجهه بقبعة، فكادت تنصدم فيها وفقدت سيطرتها على الدراجة.. استطاعت سيرا أن تتحكم في قيادتها واستاعدت سيطرتها عليها وما أن نجحت في ذلك، تملكها الغضب الذي أنسها بأن هي المخطئة لتنزل من دراجتها ومازال صاحب السيارة نائم بعمق وكأنه خارج الزمان والمكان في عالم يخصه هو فقط.. طرقت زجاج السيارة بقوة تنم عن شدة غضبها، أزال الشاب الأسمر قبعته من على وحهه ليظهر ملامحه الهادئة ثم أخذ يفتح عينيه ببطء لُتبين زرقوتهما كأنهما بحرًا ساكن، شرع يفرك عينيه بقوة كي يمسح أثار النعس من عليهما، أنزل زجاج سيارة التي على يده اليمنى المتواجد جهة جانب السائق. وألقى نظرة ليجد فتاة ترتدي خوذة درجة نارية تبدو بأنها تشتعل من نيران الغضب التي بادية من عينيها.. لتصرخ قائلة :
- أنت؟!
نزل آمورو من سيارته ودار نصف دورة كي يقف أمامه وأثناء ذلك ألقى نظرة تفحصيه على الطريق فأدرك ما حدث وتصوره لما حدث وقال وهو يقف أمامها واضعًا يديه في جيبه:
- يبدو إنكِ فقد سيطرتك على الدراجه
نزعت خوذتها و نفضت رأسها لتظهر شعرها القصير المصنوع منها ذيلي قطة.. أخذ أمورو نظرة سريعة على هيئها وكاد يضحك ولكنه أثرها في نفسه ولم يظهرها.. لتقل بغضب:
- أنت السبب!!
- هل أنا من كنت أقود الدراجة
- سيارتك
- ما بها لم أخالف القوانين المرورية..
صمت قليلًا متفحصًا ملامح الغضب ليقول بمكر الثعالب :
- يبدو إنك فعلتي هذا لهدف في دماغك
نظرت له بتعجب و تابع كلامه قائلًا:
- إذ كنتي تفعلين كل هذا لكي أوصلك فحسنًا
اعتبرت جملته إهانة لها. فكان ردها صفعة على وجهه وتركته خلف ظهره، لينظر لها باسمًا وقال:
- سأجعل تدفعين ثمن ذلك القلم.
__________________________________
بدى الجو ثقيلًا وكاتمًا و اقتحم الصمت وأطبق على سكان هذا المنزل، حاول الدكتور أغاسا أن ينشر المرح لكن باتت جميع محاولاته بالفشل، فتلك الصغيرة في غرفتها، تنساب دمعة تلو الأخرى بدون تمهل من عينيها كأنها تحررت لتوها من سجنها كسجين سجن لزمن طويلًا وما أن فُتح له باب السجن هرول لخارجها يركض هنا وهناك ويصرخ ويبكي ويضحك ليجرب كل أنواع المشاعر المتضاربة في تلك الحياة التي زجت به في سجن...الهاتف بجوارها مازال يرن لتظهر اسم يوشيدا سان على شاشته المضيئة، رنات هاتفها وصل لذلك الشاب الذي يقف متواريًا أمام غرفتها، بوجهه المتجهم و عينيه القلقتين ولولا رؤيته لها وهي تمسح بيدها الصغيرة دمعاتها المتوالية لظن أن سوء قد أصابها ولكنها دخلت في دوامة الحزن، ود أن يدخل لها ويعتذر عمَّ بدر منه رغم إنه لم يصنع لها شيء يدفعها لذلك وإذ على أحدهما أن يأخذ موقف فكان لابد إنه هو وليس هو، ابتسم متنهدًا وهو يقول في سره " الفتيات حقًا غريبي الأطوار" وما منعه سوى علمها به فهي مثل اختها الكبرى بل أشد فإن كان يعلم عن أختها بأنها امرأة تبكي في السر وتبدي قوتها وتماسكها في العلن فهايبرا مثلها تكره أن تظهر ضعفها أمام أحد وترغب في أن يراها الجميع صلبة وقوية رغم هشاشتها وضعفها اللتان تثوران عليها. يخرجان منها رغم عن أنفها.
__________________________________
ما أن لمحتها سونكو حتى انطلقت في الضحك بعد أن جاهدت نفسها في كتمها وتبعتها ران أيضَا وهما ينظران إلى سيرا، كانت سيرا تنظر لهما نظرات استعجاب واستغراب.. قالت مستغربة :
- ما بكما وهل شكلي يبدو غريبًا؟!
ازداد حدة ضحكات سونكو بينما ران تماسكت لتقول محاولة إسكاتها عن نوبة الضحك الذي تملكها:
- سونكو!!
ألقت سيرا نظرا على هيئتها لتدرك سبب ضحك صديقتها سونكو وتنهدت لتنزع ديلي القطة وتعيد شعرها كما كان... ألتفتت إليهما:
- ها ما رأيكما
- جميل، لكن حقَا يبدو الدخول لعالم الفتيات شاق عليكي
كان هذا صوت سونكو بينما ران قالت لها:
- لا بأس سيرا تشان فنحن نقبلك كما أنت
لتقول سونكو وهي تنظر لسما ثم التفتت لهما:
- أكتر فتاة تعرف تتأنق هي تلك الصغيرة أي تشان
لتوافقها ران قائلة :
- رغم سنها الصغير إلا إنها تهتم بعالم الموضة والجمال
وعلى بعد خطوات قليله كان يسير سينشي برفقتهن وعاقدًا ذراعيه خلف رأسه ويسير مغترًا بذاته وفي خطوات واثقة، لم يشاركهن الحديث فحديث الفتيات لا تجذب اهتمامه ليست قضية كي تشد وتشغل إنذارات التنبيه الذي بعقله، لكنه ضحك حين التقطت أذناه اسم هايبرا وسنها الصغير واهتمامها بالموضة ليجول في خياله شكلهن إن عرفن إن هايبرا فتاة في مثل عمرهما وقريبة منهم.
قالت سونكو :
- ماذا تتوقعوا إن كبرت تلك الفتاة
ليأتيها الجواب من سينشي الذي لم يلتفت لها البتة:
- ستكون عالمة كيمياء
لتهتف ران قائلة :
- مستحيل، اعتقد ستعمل في عالم الموضة و الأناقة.
بينما سونكو قد وافقت سينشي على رأيه:
- اعتقد فتاة مثلها لن تعمل في عمل يحتاج للأضواء فهي منطوية وغريبة الأطوار ليست كقريناتها.
بينما سيرا سألت ذاك الذي يسير بجوارهن بمكر:
- وكيف عرفت أن تلك الفتاة ستكون عالمة كيمياء
- غبية لقد حكى لي كونان عن أصدقاءه وعن تلك المدعو هيبارة وحبها لمواد العلوم وكتبه خاصة الكيمياء منها
لكن ران قالت مصححة نطقه للاسم:
- هايبرا وليس هيبارة.
_______________________
مازال الأربعة يسرن والفتيات يتحدثن وسينشي يسير معهم عقله مشغول بقصة ذلك الرجل الغريب، وأثناء سيرهن، قالت سونكو مقترحة فكرة :
- ما رأيكم أن نذهب لمطعم بوارو
لترد ران عليها واضعة سبابتها على شفتيه والسعادة بادية على ملامحها:
- اااه، فكرة رائعة سونكو.
وقفت امامهن وتابعت بحماس:
- وخاصة أن السيد آمورو قد أعد وجبة جديد اليوم أرغب بتجريبها.
- حقًا!
قالتها سيرا التي بدى عليها الإنزعاج الذي جعل كل من صديقتيها وسينشي يندهشان لها.. ليقول سينشي مستنبطًا ما حدث:
- يبدو إن هناك شجار حدث بينكما
أغلقت عينيها بقوة وأزفرت الهواء الذي في صدرها بعد أن سحبته وقالت وهي تتقدمهم وبإنزعاج أكثر:
- لا لم يحدث شيء
ليوازيها سينشي ومن ثم يتقدمها:
- أرجو ذلك رغم شكي.
_________________________________
كثيرًا ما تتأرجح بأرجوحة تقلباتها المزاجية، وها هي تتجه لدولابها لتخرج فستانًا زيتوني لون يحوي على يفونكة أمامية متوسطة الحجم ذهبت لحمام وارتدته وهندمت شعرها المموج وخرجت لترى ذلك السوبارو يعين الدكتور على ترتيب المنزل، فكان يمسك بخرقة يمسح بها سطح المطبخ، لم تعيره اهتمامًا وكذلك هو رغم مراقبته إياها خلسة دون أن تشعر، توجهت إلى الجزامة وسحبت حذاء أسود لون به بضعة خطوط زيتونيه متقاطعة، لم ترتدي قبعة اليوم فقط جعلت شعرها المتموج متحررًا كعادته، نظر الدكتور أغاسا لأناقتها وبادر يسألها:
- يبدو إنك سوف تذهبين إلى مكان مهم
اومأت برأسها قائلة:
- سوف نذهب هذا المساء لزيارة المعارض.
- أيحتاج هذا لتأنق
كان ذلك صوت سوبارو الذي لم يلتفت لها، ولم تعيره بالًا كأنه فراغ لا وجود له، فأثرها في نفسه واكتفى بالصمت.. بينما الدكتور أغاسا قال لها بنبرة عتاب:
- أي تشان سوباروا سان يُحدثك
مثلت إنها تبحث عن شيئ وقالت بنبرة تذمر:
- سمعته ولا رغبة لي بأن أجيبه
ابتسم وخطى بضعة خطوات بقدمية الطولتين و جلس أمامها كي يكون في نفس مستوى طولها وقال لها وهو يربت على رأسها:
- طفلة مدللة ومزاجها.
انفضت رأسها بتذمر وحنق وقالت بسخط وهي تضم ذراعيها أمام صدرها وأشاحت ببصرها بعيدًا عنها:
- لست طفلة.
اقترب من أذنها وهمس:
- حسنًا أيتها الأنسة
رمقته بنظرة من طرف عينيها ليتابع قائلا:
- أميرة.
أثرت الصمت بينما هو نهض مبتسمًا، وهو ينظر نظرات خاصة متفحصة، بات يعجبه غضبها وتحفظها وتقلب مزاجها.
همت بالخروج وقبل ان تخرج، أوقفها سوبارو قائلا :
- هل هناك شيء معين ترغبين في تناوله.
لم تجيبه فقط رحلت دون ان تنبث بكلمة
_________________________________

آكاي وهيبارة ( أصحي يا ريكا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن