الفصل الثاني والخمسون

323 13 27
                                    

مر ثلاث ايام على العودة من رحلة كيوتو، في تلك الثلاث أيام كانت تأتي ميري كثيرًا لهايبرا لقضاء الوقت معها حتى أنها كانت تبيت معها، لا وجود لسوبارو في ذلك المنزل فهو بعد عودته من رحلة جمع أغراضه بعدما صرخت به شيهو وهي تقول له "لا أريد رؤيتك أكرهك"، كانت تلك كلمة صادمة بالنسبة له، ماذا فعل لغضبها الغير مبرر ذلك؟، أكل هذا لأنه غار عليها؟!، كلمة خرجت منها بدون وعي، أنفلت به لسانها رغمًا عنها، صارت تؤنب نفسها كثيرة وتلوم نفسها، لكن وجود ميري كان يشغلها عن تأنيب الضمير وجلد الذات.. وبينما هم سائرون لاحظت ميري شرود هايبرا حين لمحت سيارة تشبه سيارة سوباروا لتقول وهي تضع يدها في خصرها وتنظر لجهة السيارة :
- أليست تلك سيارة ذلك الرجل ذي الشعر الوردي
لم تجيب هايبرا حيث إنها مازالت شاردة تفكر في تلك اللحظة التي تشاجرت معه فيه وكيف كان يجمع أغراضه، أنتبهت لميري حين نقرت على كتفها الأيمن، فلتفتت لتقول :
- ربما
قالت ميري وهي تستعد لتوجه نحو السيارة :
- دعينا نرها
لتقول هايبرا بحزم:
- لا يمكن، ذلك الرجل يكره التلاعب بسيارته.
وقفت ميري بالمنتصف عالقة بين وبين، بين رغبتها في التقرب من سيارة ابنها والتجسس عليه وبين عناد هايبرا وكبريائها.. لتتنهد وتقول بصوت خافت:
- مثل أمك
تدرك ميري أن هايبرا تميل لولدها، فكثيرًا ما كانت ترها تنظر لمقعده حتى أنها كانت تمنعها من الجلوس فيه، وتنظر لباب غرفته مرارًا و تكرارًا، وتكرر اسمه وتناديه، لكنها لا تفهم ماذا حدث؟ و لماذا حدث ذلك؟!.. ركضت ميري لتلحق بهايبرا، ركضت وهي ترها أختها الصغرى إيلينا حين كانا يسيران معًا بشوارع حييهم بلندن...حينها كانت إيلينا تسبقها لرغبتها في روؤية مسرح العرايس المتجولة وهي تقول حين تلتفت بجذعها وتتابع:
- أسرعي ميري اريد أشاهد العرض من أوله
بينما هي تسير بتلكأ وتقول:
- أنت متعجلة إيلي
كانت إيلينا تركض وتزيد من سرعتها على خلاف أختها الكبرى التي تسير ببطء، أدارت إيلينا ظهرها وصارت تسير بظهرها وهي تنظر لميري وتحثها على أن تسرع لتقول ميري:
- تعرفين ان أبينا لا يحبنا إن تجول بالشوارع
لتزم إيلينا شفتيها ثم تبتسم وتقول:
- لن يعرف بذلك الأمر، لكن أسرعي
تيقظت ميري من شرودها على صوت دندنه وهدهدة تصدرها هايبرا ذاك اللحن تعرفه ميري ففي صغرها كانت والدتها تنيمها هي وأختها الصغرى بها
- هل أنت لست يابانية
هزت هايبرا بنعم وقالت :
- امريكية الجنسية فأنا درست بأمريكا
- لكن أليس تلك اللحن بريطاني اللهجة، فأنا من انجلترا
أومأت هايبرا رأسها بنعم وقالت:
- نعم، الحقيقة اختي كانت تغنيها ليه وامي كانت تغنيها لأختي.
- حقًا
سارا جوار بعضهما لبعض، هايبرا تدندن هذا اللحن وميري بات عقلها شارد في أختها ويتسأل "لماذا لم ترى أختها تلك بل أين هي وهل تعرف بتقلص اختها الصغرى".

أخبريني ما سبب عصبيتك تلك
قالها سوبارو الذي صار خلف شيهو لغرفتها، كانت تغلي من الغيظ، فألقت بحقيبتها بكل قوة وغل على الأرض مما جعله يرتد قليلًا للخلف.. لتصرخ وهي تنقر على صدره بسبابتها:
- من أنت لكي تلمسيني
- لكني لم ألمسك
تراجعت بظهرها وقهقت وهي تقول بصوت فحيح هادئ ينذر بنيران تستعر:
- حقًا
ثم تبدأ بحركات استعراضية تنم عن تعصبها وتقول بسخرية وسخط:
- إذن تقول أنني أتبلد عليك
صوت صراخ شيهو وصل لاغاسا بل أنه لاحظ أن الأثنان ليس على ما يرام.. فتدخل فقال:
- شيهو كيف تتحدثين لسوبارو هكذا
لم تجبه فقط كانت دماءها يغلي وكاد يفور، لتفرد ذراعيها وتشير بسبابتها نحو الباب وتقول :
- هيا أخرج من هنا فورًا
ثّمة خطوات خطتها نحوه وقفت قريبة منه تنظر له بشرر، وهمست في أذنه بغيظ مهددة إياه:
- أخرج قبل أن أخبره أنك حاولت الاعتداء علي
ليشهق سوبارو غير مصدق ذلك الافتراء الباهت الذي خرج من شخص لا يمكن أن يتوقعه.. بينما لم تنسى شيهو كيف كانت بمنتصف السرير يعلوها سوبارو، فظنت أنه كان يعتدي عليها لتصرخ بقوة لكنه كتم صوتها بيده وهو يقول :
- لم أفعل لك شيء فقط اعدل من نومك واحاول جلب ذاك الكتاب
لكنها لم تكن تسمع وتعي ما يقوله.. ظل سوبارو واقفًا مشدوهًا ومذهولًا من حول ما يسمعه.. ليقول لها:
- لكني لم أفعل لك شيء
لكنها أعرضت عنه و ولت له ظهره، لا تريد سوى خروجه، فرائسها ترتعد، لا تصدق ذلك أحقًا كان سيعتدي عليها كما ظنت أم أنه يدعي الصدق، ألا يكفيه أنه أهان كرامتها أمام الناس وجرها كالبهيمة، لم تتجاوز تلك النقطة ليأتي بذلك الفعل الشنيع، صوتًا خافت يأتي من أعماقها يخبرها أنه برئ وصادق وصوت أكثر صخبًا منه يأتي بداخلها مصدره غضبها والنيران الذي تشتعل بداخلها لا تصدقيه هو كالشيطان يريدك تقعين في شباكه، كانا الصوتان كل منهما يسحبها نحوه.
طرقت جودي الباب الغرفة الذي يقطن فيه سوبارو ظلت تطرق كثيرة دون فائدة متعجبة
- هل يعقل شو ليس هنا
فتحت الباب لتهب نسمات لطيفة ممزوجة برائحة السجائر، كان أكاي جالسا مهمومًا يمتص سيجارته برتابه يجلس، متسع بين قدميه ذراعه الأيمن مترامي على فخذه الأيمن و بيده اليسرى يمسك السيجار، الغرفة مظلمه للغاية عدا تلك البقعة الحمراء المتهوجة وبعض الأضواء التي تدخل من النافذة التي لا تتجاوز حدود النافذة.. ظغطت على زر تشغيل الأنوار، فتضيء الغرفة بسرعة ليضع أكاي ذراعه فورًا عقب أشتعال النور حيث كانت الإضاءة قوية على عضلات عينه..
- ما بك أكاي، انت تبدو ليس على ما يرام
نزل ذراعه من أمام عينه بعدما أعتادت على النور ليقول :
- أنا بخير جودي لا تشغلي بالك
جلست جودي بجواره و وضعت يدها على ركبتها:
- كيف لا اشغل بالي، وأنت صديقي.
صمتت برهة وهي تخفت رأسها ومن بعدها رفعتها تنظر لجانب وجهه الأسمر:
- أعلم أن الذي بيني وبينك أنتهى مذ أمد طويل لكن
أدارت رأسها بعيدًا عنه.. ليمسك هو ذقنها ويدير رأسها أتجاه، كانا قريبان للغاية أصوات أنفاسهما تتخلطان ورائحتها تمتزج برائحة سيجارته، يرى ارتعاشة شفتيه، لكنه مال برأسه ونام على كتفها وقال بصوت منكسر:
- أنا منهك جودي أبقي معي، لا أعلم ما الذي يحدث معي
ليغفى عينيه برهة ثم يفتحهما على اتساعهما مما رأه في حلمه، لقد رأها، رأها فزعة وتركض دون توقف وتناديه من بين كل من حولها وتقول له بصوت مرتعب “انقذني“
فزع أكاي ونهض من فورة مما أثار القلق في قلب جودي لتقول:
- ما بك
ليقول مبررًا:
- لا شيء مهم فقط تذكرت ان لدي موعد مع أخي شوكيتشي
لتضرب جودي جبينها وتقول :
- لقد تغيرت كثيرا شو، صرت تنسى أيصًا... لكن الظلام دامس بالخارج والساعة تجاوزت منتصف الليل
ليقول هو يرتدي تنكره:
-لا تقلقي علي

لم يذهب سوبارو لمنزل أخيه هانيدا بل توجه لمنزل كودو وطل الطريق كان يرن عليه مرارًا و تكرارًا وهو يسوق بسرعة رهيبة في الطرقات السريعة.. أتاه صوت سينشي الناعس:
- ألو
- هل أنت بالمنزل لوحدك
- نعم
- إذن انا قادم أريدك تفتح لي الباب
- حسنًا
فرك سينشي عينيه فهو بالكاد يفتحهما، مد جسده ليضع الهاتف على الكوميدينو كانا نائمًا بعمق قبل اتصال سوبارو به، فرد ذراعيه وأخذ يمارس تمارين التنفس كي تساعده على الاستيقاظ، سحب ساقيه لطرف السرير ثم أعتدل بجذعه جلس و قدماه على الأرض نهض من مكانه ثم ارتدى خفتيه وصار بضعه خطوات وهو يهرش برأسه وجسده كي يستفيق لكبس النور ثم ضغط عليه ليشتعل، ليتفاجئ ان السماء مظلمة دهماء، فيتوجه حيث هاتفه ليجدها الساعة الواحدة والنصف صباحِا، فزداد إندهاشه وتسأوله ما سبب مجيء السيد آكاي لكنه يدرك الأجابه حين يتذكر أن في البيت المقابل له أمانة على عنق السيد أكاي.. تنهد سينشي بأسى وحسرة فالنوم قد طار من جفينه.. ما هي إلا دقائق و وصل سوبارو ليفتح له سينشي ليقول له سوبارو بأدب و ترجي:
- هل يمكنني أن أبيت معك الليلة
رفرت عيني سينشي في استنكار، هل أتى لهنا و أيقظه من النوم لكي ينام معه في المنزل.. تنهد سينشي وصاحبه إلى غرفته التي كان ينام فيه قبل عودته، غرفة الضيوف بالطابق الأول تلك الغرفة التي تسمح له بمراقبة منزل أغاسا والتنصت عليها، و صعد لغرفته، لكنه توقف عند أول درج حيث كان سوبارو لم يدخل غرفته بعد
- بالمناسبة تلك الفتاة تفتقدك كثيرًا
- ماذا
استدار سينشي له وقال:
- كثير تنظر لغرفتك كأنها تنظر خروجك، وتمنع اي شخص بالجلوس في مقعدك وكلما طرق أحد الباب هبت واقفه لتفتح لك لكن أملها يخيب.. ولولا السيدة ميري و سيرا و ران فأنا واثق أنها كانت ستجن.
صمت سينشي ثم قال:
- أنا لا أفهم ما سبب خلافكما وما حدث بينكما، لكن هايبرا صديقتي ولا أريدها تحزن.. وأيضا
عاد سينشي لصمته، شاعرًا بغصة تقف بخلقه ودمعة تتراقص بمقلتيه بينما ينظر له سوبارو في صمت مهيب وترقب.. ليتابع
- وأيضًا هي تحبك كثيرا.. هي لم تقل ذلك لكني استطيع ان أعرف فأنا أيضا أحب، فلذلك أستطيع أن أشعر بها.
لم يجيبه سوبارو سوى بأمأة صغيرة، هل هي حقًا تحبه، لكن لماذا فعلت ذلك معه.

-

آكاي وهيبارة ( أصحي يا ريكا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن