الفصل الثامن والاربعون

330 13 19
                                    

بين حين وحين ينظر لها من زاوية عينيه ليجدها تنظر للفارغ من خلال النافذة التي فضحت معالم وجهها البأس الحزين، نظر أمامه و قبض على المقود، يؤلمه هذارالحزن الذي اكتسى محياها، يؤلمه أكثر أنه سبب ذلك الحزن لكن ما عساه أن يفعل، فالعشق تملك قلبه ولم يعد يتحمل أن يرها مع رجل غيره، يدرك تمامًا أن عجبها بهيغو ليس بحب إنما هي معجبة به و مهوسة به كالاعب كرة قدم يذكرها بنفسها.. تنتحنح كي يلفت انتباها وقال:
- هل مازالتي عند اقتراحك
لم تجيبه فقط حركت حركة بسيطة جهة اليمين ثم عادت للنظر إلى النافذة، أدرك أنها أخذت موقف منه، فكمل القيادة و الصمت رفيق ثقيل لهما أو بالأحرى له.
___________________________________

دعيني أراقصك وأميل بخصرك العاجي، فالرقص معك حياة، فأنا و أنت نرقص على إيقاعها، اقتربي مني فأنا أود أنتسم عطرك وانتشي، ودعيني أسكر من همسات صوتك، فالحياة بين يديكي جنة والبعد عنك نار.

هناك حلقة بشرية، كونها نساء و رجال الحفل، وفتى وفتاة يتوسطان القاعة، يترقصان ويتميلان وفق الإيقاع الموسيقي، بين سرعة و بطء، و بين قرب وبعد.. حين تقترب ينتشي وحين تبعد ينكسر، يدور بها بسرعة المجانين فيفلتها وقبل أن تسقط يمسكها، يرفع من خصرها، ويدور بها، ثم يتحركان بإيقاع منتظم ويجعلها تميل ببطء و يميل عليها.. ويعيد الكرة وهي لا ترى في العالم سوى زرقة عينيه اللتان بدتا كمحيط مهما تسبح فيه و تغوص في أعماقه، وهو يراقب أحمرار وجنتيها و ارتعاشة شفتيها ورعشة جسدها المليح بين يديه، أنه يراقصها.. لتنتهي رقصتهما مع تصفيق حار من المتواجدين، لتنظر ران للأرض من شدة الخجل بينما سينشي يقف بزهو وفخر.


- أريد العودة للفندق
نظر سوبارو إلى ساكورا التي ما زالت تنظر لنافذه، صوتها به شجن وآسى، كانت ترغب بالعودة للفندق حيث شعرت بالاختناق جواره، امسك بالناقل وحركه ثم دار بالسيارة حيث توجه نحو الفندق، أوقف السيارة حذو الفندق وفتح الباب ليستدير لكي يفتح لها الباب، لكنها فتحته.. وقالت بتهكم:
- لست صغيرة ليفتح أحد لي
أطلق قهقة على تقلب مزاجها ظنًا منه إنها لأن لم فكت قليلة و عادت لعهدها.. تقدمته خطوات وسار خلفها. ركب السايس السيارة كي يركنها في مكانها المخصص، تسير ساكورا حافية القدمين و سوباروا خلفها يمسك بحذائها، ذهب وتناول مفتاح غرفتهما، سبقته وصعدت الدرج الخشبي لطابق الثاني فقد سبقته بينما هو ينظر لها من الأسفل، متنهيدًا من الحال التي وصلت إليه، فهي لم تتحدث طوال الطريق ومهما تحدث لم تجيبه، ظل الصمت ملازم لها ولم تنبث شفتيها وتحرك لسانها إلا عندما قالت "أريد العودة" والجملة الأخرى "لست بطفلة". صعد بدوره لدور الثاني ليجدها تركن ظهرها على الحائط بجوار، تمسك ذرعها الأيسر بيدها الأيمن، وتدير رأسها لتنظر لنافذة بطول الحائط يقع في نهاية الممر، تقدم نحوها وقف أمام الباب وحين وقف في مرمى بصرها، أدارت رأسها الجهة الأخرى كي لا تراه ونظر لها بطرف عينه، أدار المفتاج في ثقب الباب وحين سمعت صوت التكة ابعدت ظهرها عن الحائط و استدارت جهة الباب، فتح الباب وأفسح لها المجال كي تمر، فمر دون أن تعير له بالًا، ليهز كتفه تعجبًا من حالها، يبدو أنها يحتاج سنين كي يفهمها ويفهم تقلب مزاجها، أغلق الباب خلفه بينما هي جلست أمام التسريحة، كانت التسريحة مصنوعة من خشب الزان و العاج، أبيض مزخرف، كبير وعليه الكثير من المستحضرات التجميلية، تجلس هي على كرسي دائري صغير عليه وسادة دائرية له أسود.
- هل ستبقين على هذا التنكر.. الحقيقة أريد روؤية وجهك الحقيقي
لم تبالي بكلامه ولم تجب فقط نزعت الأقراط من أذنيها
- أممم أكيد لن تنزعيه
ضحك ضحكة مبتورة على غباء ما نطق به وقال:
- لقد نسيت أننا من المفترض نذهب لغرفة ذلك الشابين، ران و سينشي كي نحضر لهما المفاجأة
لم تجيبه بل ظلت تنظر للوجهها المعتم وعينيها الحمراوتين من أثر البكاء، مدت يدها خلف رقبتها لتنزع العقد لكن بدى العقد يعاندها، تحرك كتفها يمينًا و يسارًا، لا تستطيع لف العقد فهو صغير من ذلك النوع الذي يزين العنق ويكون على مقاسه، رأى عذابها مع العقد فقترب منها وقف خلفها لتهب واقفة وتدير وجهها له، وتمنعه من الاقتراب منها ليقول مندهشًا من تصرفاتها الحادة:
- أرد مساعدتك
ليذهل حين رأها تمسك بالعقد بقوة وتشده بكل قوتها و تنزعه ومن ثم تنفرط حباته و تتساقط وتقفز أمام عينيه لوهلة شعر إن علاقته معاها سيكون مصيره مثل هذا العقد، ظل ينظر لحبات لؤلؤ وهي تتقافز وهي تنظر له ببرود، رفع وجه ليجدها تستدير وتدلف للحمام، و ما أن أغلقت الباب خلفها، حتى هجامتها كل المشاعر و انفجرت وخرجت على وجهها الذي حاولت أن تخبئه، تكره نفسها حين تبكي أمامه، تشعر ببغض وكره دفين نحو ذاتها التي تجعلها تنهار أمامه، كيف لها لم تصفعه وتصرخ بوجهه وتقول له "أنت ليس لك سلطان علي".. شعرت أنها ستنفجر من البكاء فوضعت يديها على فمها وتضغط عليه بقوه لتمنع صوت آهة بأن تخرج، جسدها يرتعد فهو يريد أن يخرج ما بداخله في صورة صراخ و بكاء وهي تأبى ذلك، ستحبس كل مشاعرها بداخلها لكن تسمح له بسماع صوت بكائها وأن يشفق عليها، ستريه وجهًا آخر و ستجعله يندم على إهانته لها، نعم أعدت ما فعله ذلك الرجل إهانة لها فهو بتصرفه جعلها مصدر شفقة للأخرين، نزلت وجلست على الأرض ومدت ساقيها أمامها، و الدموع السخية تنهمر كالشلال و مازالت تكتم صوت ألمها جسدها ينتفض بعنف.. بينما هو نظر لذلك الباب الذي تقبع هي خلفه في صمت رهيب وتحت قدمه حبة من حبات العقد مال وألتقاطها ونظر لها بتأمل، هل عليه إعادة ذلك العقد كما كان، ليجد نفسه يجمع حبات العقد المنفرط من على الأرض و وضعه بجيبه، فتح الباب كي يغادر لكنه قبل أن يغادر أقترب من باب الحمام وطرق وقال:
- أنسة شيهو إذ رغبتي بمساعدتي فاتصلي بي سأجول بكيوتو قليلًا.

تناولت أول كأس لها بل الأول في حياتها حين رأت هذا المجنون يحاوطه بعض الفتيات التي سمعنّ بنجمه العالي في عالم التحري، يتغنجن عليه ويضحكن ويطلبن منه سرد قضايا، كأن قضايا القتل صارت كحكايات ألف ليلة وليلة أو حكايات شعبية يتناقلها الأجيال، ليس من الحكمة من وجهة نظره يرد معجبيه وخاصة هذا ما يتناسب مع سخصه الذي يحب صعود المسرح والتباهي متناسيًا أنه أتى مع ران التي تقف عند الطاولة في أحد الزوايا تتجرع الكحول كأسًا عقب كأس يصدر منها صوت فوقه و الأحمرار يرسم خطًا من وجنتيها مارًا بأنفها، تنظر للفتيات وهي تكظ على أسنانها، يعتريها رغبة قتلهن جميعًا، وضاربًا بكلام صديقته وشريكته في عرض الحائط التي حذرته تكرارًا و مرارًا بألا يتدخل في القضايا لكن لا حياة لمن ينادي لكن من حسن حظه أن هناك محققون آخرون مثل باربون و سوباروا و هيجي حتى توجو الذي يستخدمونه في التضليل دون علمه مع وجود كايتو النسخة والمتطابقة معه كل هذا يعملون خلفه ليمسحون أثر وجوده، ينبغي عليه أن يبقى بعيدًا عن الأعين وليس أن يختلط بالناس، بينما هو يتحدث مع الفتيات المعجبات به حتى ان هناك فتاة ألتقطت له صورة خلسة دون أن ينتبه، كان يدعو أن الأمر لا يصل لتلك المتعجرفة التي تسخر منه دائمًا فأن علمت أنه يتباهى و يحادث الناس آلان، فالعقار سيصبح من الأساطير الأولين وعليه أن ينساه للأبد..
الكأس العاشر تفرغه في جوفها، الأرض من تحتها بدأ يمور و يدور بل أنها أحست بأن قدميها لا تدعسان أرضًا صلبًا بل أرض من قطع السحاب أو ربما غزل البنات، وجسدها يتطوح و يتارنح كادت تسقط لولا أن أمسكها النادل وهو يقول ضاربًا ضربات خفيفة على وجنتيها:
- أنسة أنسة أنسة
استدار سينشي ليتفاجئ بإغماء ران بين ذراعي النادل، ليشهق كأنه تذكر لتوه وجود ران الذي كان يرفقها بل رقص معها و وقف معها عند تلك الطاولة لكن مع الحكايات حول نفسه و القضايا نسيَ وجودها بل نسيَ أنه بالأصل ميت، ركض نحوها وهتف بقلق:
- ران
نظر النادل إلى الأعلى ليجد وجه ذلك الفتى يعتريه القلق على تلك الفتاة التي شبه فاقدة الوعي حيث الكحولات هد جسدها.. قال النادل:
- هل تعرفها
- نعم
- يبدو أنها اتجرعت الكثير من النبيذ
قرفص سينشي أمامه ومد ذراعيه ليحمل ران، التي أصدرت صوت صغته تفوح من فمها رائحة الكحول، سار بها وسط الحشد تحت تصفيق و هتاف المتواجدين في تلك اللحظة الرومانسية المهيبة وغيرة البعض منها وحسدهن عليها والتمني أن يكن مكانها، خرج بها لهواء الطلق تحت سماء مظلمة كبيرة، نسمات الهواء الباردة تضرب وجهها بقوة، شتان بين هذا الهواء الذي ينعش الخلايا وذاك الهواء الذي يختقها.. مدت يدها وقبضت على تلابيبه وجذبته إليها حاولت أن تصل لوجه، نظر لأسفل فأربكه منظرها، صدرها الذي يتهدج، يصعد ويهبط بتناغم مع تنفسها وجهها الذي يشوبه الحمرة، و رعشة شفتيها الوردتين لمعتان.. ارتبك بشدة وقال لظنه أنه تود تقبيله:
- ما بك ران
- لماذا
- آه
كورت يدها ولكمته عدة لكمات خفيفة على صدره وهي تهتف بصوت مترنح:
- كيف تفعل بي ذلك
أذبهل سينشي وسبل عينيه وقال :
- ماذا فعلت
- أيها الغبي أليس أولى أن تقص علي قضاياك
ليرد إجابة منطقية و واضحة وضوح الشمس
- لكن حقًا أنت تعلمين كل شيء عن قضاياي
كزت ران على أسنانها من هذا الغبي الذي لا يفقه في مشاعر الفتيات، تتعجب من حالها كيف وقعت في حب ذلك المعتوه
- انزلني
اعترها الخجل من حمله لها والسير بها.. ليقول لها مشاكسًا:
- لا
- انزلني سينشي أرجوك الناس ينظرون لنا
- لا
- ألست ثقيلة
- بلى أنت ثقيلة للغاية حتى تكاد ذراعي تتخدر
لكمته في كتفه و قالت بتذمر طفولي :
- وقح
- ما بك لقد سألتني و أجبت لا أفهمك.


آكاي وهيبارة ( أصحي يا ريكا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن