الفصل الخامس والعشرون

444 14 27
                                    


الليل هاديء وساكن ورغم هدوءه المريح إلا أن داخل أحدى سيارات الأجرة بدت الفتاة ذات الناب تشعر أن رأسها أصبح يطرق كالطبل، سعت بكل جهدها أن تتمالك أعصابها على أخيها الأكبر منها "شوكيتشي"، تارة تكز بقوة على أسنانها وتلعن نفسها إنها سمحت له بالمجيء وتارة تحاول دس رأسها بين كتفيها، بينما "شوكيتشي" أخذ يهطل عليها بالأسئلة كالسيل حول لماذا أمه لا تجيب أتصالاته، هل ازعاجها، لِمَ لا تود مقابلة حبيبته يومي تان، هل تتابع مباراته. كان الميجين تايكو قلقًا بشكل أثار أعصاب سيرا التي وشكت على الإنجفار في أي لحظة مثل قنبلة موقتة. وما أن هم ينطق بحرف إضافي من فيه ليجد تلك الجالسة خلفه يخرج منها هالة غضب شعر بها وكأن عينيها بفعل الغضب بدتا كشرار سوف يبيد الأخضر واليابس، لتصرخ بأعلى صوتها بصوت اخترق سكون الليل ومزق هدوءه:
-أصمت، سوف ترى أمك.
كان صرخها أفزع السائق وأخرس شوكيتشي الذي تذرع بذراع وهمي ضد تحولها الشرس وانكمش في ذاته ليقول في نفسه "مخيفة" بيننا يردف السائق دون ان ينبث بحرف "شرسة".
توقف السائق عند الفندق التي تقطن فيها سيرا مع والدتها المتقلصة بفعل عقار ابتوكسين ٤٦٩٨ ليدلفا لداخل كان بهو الفندق خالي إلا من موظفين الليل، الذين يستلمون أعمالهم ليلًا، تتوجه سيرا اتجاهم بعد أن تقول لأخيها:
- أبقى هنا
أشارت له لأحدى الأرائك الرخامية كي يجلس عليها.. لتكمل كلامها:
- سوف أتحدث مع موظفي الريسبشن
بينما سيرا تحدث الموظفين، تسألهم حول إذ أتى شخص سأل عنها أم لا، كان شوكيتشي يجول بعينيه المكان الفندق ليس من أفخم الفنادق لكنها ممتاز، هناك بعض نباتات الزينة الورقية مرضعة عند الزواية أمام كل اسانسير يوجد أثنين متقابلين منها، أخذ يصور المكان ليطبعه في عقله ذلك العقل الجبار الذي أن رأى شيئًا حفر ولا يمكن نزعه إلا بنزع روح صاحبه.
- هيا.
قالتها سيرا التي تخطت أخاها وفتحت باب الاسانسير ليدلف معها.. وما أن دلف حتى عقد ذراعيه أمام صدره وقال متسائلًا:
- أذكر أنك كنت تسكنين فندق غير ذلك
- الحقيقة أنه ثالث أو رابع فندق نغيره.
- مازالت أمي مرتابة.
___________________________________
مازال ذاك الفتى الأشقر الذي ينعتونه أجنبيًا يتقلب في فراشه، فكلما أغمض جفنية رأى صورتها مطبوعة عليهما، لحظة تهاويها عليه وهي معصوبة العنين، تلك اللحظة التي تلامس جسديهما و اختلطت أنفاسهما، تلك اللحظة التي شعر هناك دقات غريبة اختلجت صدره لم يفهمها بعد.. ليقوم ويتوجه لأحد الأرفف العالقة ويتناول مشروب الراي ويسكب منه ومن ثم يشربه دفعة واحدة وهو شارد الذهن ينظر للفراغ.
___________________________________
وصلت سيرا برفق شوكيتشي لدور الذي يقطنان فيها، ليسيران معًا في رواق الطويل، كانت سيرا شاردة الذهن تحاول رسم السيناريوهات التي ستخبر أخيها عن وضع أمه كي لا ينصدم حين يرها، بينما الميجين تايكو مشغول البال حول هل ستخزيه أمه مرة أخرى وبشكل مباشر أم لا.. ليقفا أمام أحدى الأبواب عليها رقم ٦٥٣ لينظر شوكيتشي الذي حفظ الرقم في عقله للوهلة الأولى ويقول:
- هل أمي هنا
سحبت سيرا نفسًا عميقًا وكتمته قرابة أربع ثواني، ثم زفرته دفعةً واحدةً لتطفي على هيئنها ملامح من الجدية، وضعت يدها اليمنى على صدر أخيها ودفعته بمقدار ذراعه، تسلل جديتها لشوكيتشي الذي بدا متأهبًا وقلقًا في آنٍ واحد، رفعت سيرا عينيها لعيني أخيها كي تترقب تحركمهما و ردود فعله، تنهدت.. مرة ثانية، ثانيتين، ثم دقيقه، ليزداد توتر الميجن تايكو ويزدرد ريقه، وفي عقله سرب من الأسئله هل لا ينبغي عليه ألا يأتي، هل أمه باتت لا تريده، هل حقًا ترفض علاقته بيومي تان، لماذا فهي لم تراها وغيرها من الأسئلة، لتقاطعه سيرا حين تقول:
- اسمع شوكيتشي ما ستراه سيكون أعجب من الخيال.
ليرفع حاجبه وهو يتذكر أخيه أكاي ويقول في نفسه "لا أعتقد أن هناك أعجب من تزيف موت أخي شخصيًا"
بينما سيرا اكملت:
- هل تعرف شيئ عن دوران عقارب الساعة للخلف، ألة الزمن....
كانت سيرا تتحدث وهي تحرك يدها بكل الاتجاهات بشكل عشوائي غير منظم حول الرجوع لزمن مع الاحتفاظ بالحاضر وغيرها من الكلمات التي لم يرها هانيدا سوى هرطقة وخرفات.. ليقول لها :
- أختي ما الأمر؟
توقفت سيرا عن الكلام وحزمت أمرها بطرق الباب.. في ذلك الوقت قد بدلت ميري بورنس الاستحمام وجففت شعرها وكادت تستعد تقرأ الكتاب الموضوع على الطاولة لكنها سمعت طرقات الباب مما أثار تعجبها ونظرت لساعة لتجدها الواحدة والنصف، لتعبس بملامحها فابنتها الصغرى قد تأخرت وبالرغم حنقها على صغيرتها المتهورة ماسومي إلا أن اصابتها الريبة، فهي تعلم أن ماسومي معها مفتاح للغرفة، فهل هناك شخص معها.. أتت لها صوت ماسومي من الخارج :
- ماما هذه انا ماسومي
لتطرق الأم الباب عدة طرقات على غرار شفرة مورس لتسأل من خلالها "هل معك حد".. لتجيبها ماسومي التي تنظر لأخها هانيدا:
- لا تخافي المكان أمن
فتحت ميري الباب لتذهل من وجود شوكيتشي بينما انصعق شوكيتشي بوجود فتاة صغيرة نسخة من أمه.. ليلتفت لسيرا يسألها ببلاهة:
-هل امي أنجبت أختًا ثانية لا
وقبل أن تنبث سيرا بكلامة، قالت لها أمها ببرود مزيف لتواري غضبها من ابنتها الغبية :
- لماذا أتيتي به لهنا ألم أخبرك
لترد سيرا داعية الله أن تخرج من المأزق التي فيه :
- الحقيقة ماما..
- ماما
رددها شوكيتشي وعلامات الاندهاش مازالت على صفحة وجهه كأنه حقًا في أحدى افلام الخيال العلمي.. ليأتيه صوت أمه المتقلصة :
- أدخلا وأغلقا الباب.
_____________________________________
يحيط رأسها بذراعه الطويل ويتأمل وجهها الحسن البهي، راسمًا على ثغرة بسمة ساحرة، لا يدري ما هو سبب دخول تلك الأميرة المتقلصة غرفته لكنه رأها تحت فراشه قد غفت بعد إنتظار فرصة تسنح لها بالخروج من عرين الأسد، لكن ذلك الأسد حملها على فراشه وضع جسدها الصغير عليه، يتأملها في نومها، هادئة للغاية كطفلة صغيرة بل رضيعة عكس ما تظهره من جمود، اغمض عينيه متذكرًا عنقها حين رأها ترتعد خوفًا لما تركها بوجه متجهم دون أن يلتفت لها، ليندم ندمًا شديدًا.. ليهمس لها بصوت الحقيقي صوت أكاي :
- أسف شيهو، أسف لما سببته لك.
حمل نفسه وتناول ذلك الملف الذي أعطته إياه كير وليخرج من غرفته تاركًا تلك الصغيرة تنعم بالنوم على فراشه واستودعها بابتسامة ثم أغلق خلفه الباب، في تلك اللحظة فتحت هايبرا جفنيها الثقلتين دون أن تعي أين هي لتهمس " ذلك الصوت، من يكون" لتكمل على إثرها نومها كأن شيئًا لم يكن.
جلس سوبارو على الأريكة ويده كأس من الباربون ينظر للملف ويقرأ بتمعن ذلك الملف يحوي على أخفاء فتاتين غير شيري الأولى ريكا والتي اختفت إثر أختفاء شيهو أو شيري ذلك الاسم الأخير الذي منحوه أياه والتي لا يعطونه إلا لذوات مستوى أعلى في المنظمة، يدرك أكاي ذلك فالاسماء الحركية لا تعطي هباءًا لأي من كان يعطي للذين يمتلكون مهارات عالية ودقيقة وذكاء مثله ومثل سوكتش الذي كان اسمه هيروميتسو مورفوشي وباربون الذي له أسماء عدة منها آمورو و ري فوريا و زيرو وأخيراً شيهو التي كان لها ذكاء نابغ في العلوم وخاصة العقاقير والتي ظهر نبوغها في وقت مبكر وغيرهم من يحصلون على أسماء حركية. و كان الفتاة الثانية تدعى مارجريتا.. أخذ يتفكر في أسم مارجريتا يشعر أنه يعرف صاحبة ذلك الأسم لكنه لا يتذكرها.. ليخرج من هاتفه ويرسل رساله لشخص ما.
___________________________________

لوهلة أحس ذلك الفتى ذو النظارات والشعر الفوضوي أن البساط ينسحب من تحته وأن الأرض تمور وأنه يفقد توازنه، ليجلس على الأريكة يحاول استيعاب حديث أمه حول عقار سام لا يظهر نتائجه في الفحص لكن له أثار جانبية ألا وهو يقلص الجسد ولا يؤثر على المستوى الذهني والأعصاب، مد يده بجوره ليتناول أنينة الماء ليبتلعها دفعة واحدة، عينيها اللتان توسعتان، ضربات قلبه التي تصارعت، لو كان أخبروه أن أمه ترفض حبيبته لكان الأمر هون لكن ان يخبروه أن أمه متقلصة فلن يقبل بذلك والأدهى من ذلك هو أنه رأى ذلك بعينيه هو وليس بعيني غيره.. كان مشوشًا للغاية يتبسم في بلاهة بينما أمه واخته يتشاجران، ماسومي تبرر لوالدتها أنه بشكل أو بأخر فشوكيتشي سيعلم الأمر بينما الأم لا تريد ذلك إلا حين تستعيد جسدها الحقيقي..ليقاطع شجارهما صوته وهو يقول :
- أخبرني ما الذي حدث حقًا
كان نبرة صوته في شيء من الأنين والحيرة مازال غير مصدق، هذا السؤال هو العاشر بل أنه متكرر... لتتنهد ميري وتعقد بين ذراعيها بنبرة صارمة :
- هل علي أعيد كلامي للمرة العاشرة أم عقلك السميك لم يستوعب
لتذرف دموعه ويرفعها ذلك الدموع التي جعلت ماسومي تندم أنها جلبته لهنا ليقول :
- لا اقصد، لكني مازلت غير مستوعب، ما ذلك العقار الذي يفعل ذلك، هذا ضرب من الجنون
- لكن ذلك الضرب الجنوني تحقق
نطقت بها ميري التي تنظر لنجوم السماء التي تتلألئ وترى من بينهم وجه أختها الصغرى "إيلينا" لتقل بدون وعي:
- على يد أكتر شخص عزيز علي.
لتقطر عينها دمعة ويصيب الدهشة كل من شوكيتشي وماسومس.. لتقفز ماسومي من مكانها وتمسك كتفي أمها المتقلصة وتقول :
- من ماما؟ من ماما؟
احتدجتها بنظرة لتدرك ماسومي وقاحة فعلها وتجاوزها مع والدتها لتبعد يدها و تقول :
- أسفة ماما لم اقصد.
- من ذلك الشخص العزيز الذي صنع عقارًا سامًا
نطق بها شوكيتشي بسخرية وعدم تصديق لتتجاهل ميري سخريته و تجيب وهي تنظر لوجه اختها الصغرى الباسم:
- إنها اختي الصغرى
لينطقا معَا بدهشة:
- خالتنا
- نعم.. قد أجبروها على ذلك.. كانت غبية
صمتت ميري لتمسح ادمعها وتابعت:
- نعم غبية.
لتستدير لهما وتنصدم ماسومي من وجه امها الحزين ودموعها وتردف:
- ماما
بينما شوكيتشي أثر الصمت سامحًا لأمه تكمل حديثها:
- تلك الغبية أرادت تدعم زوجها في أبحاثه ودخلت مجموعة كارسوما رغم تحذيري، أعلم ذلك الوقت كنت اظنها مجرد شركات فاسدة كأي شركة أخرى وان عليها أخذ الحذر
لتصمت لوهله، يلوح على ثغرها بسمة حزن وتكمل كلامها :
- وحين عرفا الوجه الحقيقي للمنظمة، أجبرا على صنع عقار خطير هدفه إعادة إحياء الموتى.
ليقول شوكيتشي كمن أصيب بصعقة:
- إعادة احياء الموتى، هذا ضربًا من الجنون
بينما ماسومي:
- مستحيل ان خالتي تصنع شيئا كهذا
لتكمل ميري:
- نعم ما كنت تصنعه إلا أنها اجبرت عليه كانت هي وزوجها يصنعان عقارًا آخر يعمل على القضاء على أخطر الأمراض ويعمل على تزويد نسبة الذكاء والذاكره أو ربما إعادة إحياء الموتى لكن تم أجبارهما على صنع عقار سام
سألت سيرا :
- كيف ذلك
- لقد هددوهما بقتل طفلتها وكانت اختي حامل أيضًا.. لقد أخبرتني اختي بذلك بأنهما محتجزين طفلتها الكبرى ذات الخمس سنوات وهدودها بقتل جنينها.
قال شوكيتشي:
- وماذا بعد
ابتسمت ميري وتنهدت:
- بعد ذلك حاولت انا واختي ألا نتقابل نهائيًا وكانت تراسلي باسم مزيف، تحاول تعطيني معلومات حول تلك المنظمة لكنها معلومات ليس ذات قيمة كأن تلك المنظمة تقصت خلف اختي وفجأه أتني خبر وفاتها و وفاة زوجها وطفلتيها.

آكاي وهيبارة ( أصحي يا ريكا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن