الفصل التاسع عشر

345 11 23
                                    

رمق ابنته حانقًا من تصرفها الغير مهذب بحنق وانزعاج وقال بنزق وهو ممسدًا ظهر يده، مشيرًا بعينه على قطع البسكوت المصطفة على الصينيه الموضوعه على طاولة المطبخ التي تتوسط المطبخ.. :
- لا تقولي إن هذا لذلك الفتى المزعج.
كان يقصد خاطيبها سينشي، فلطالما يشعر موري بالحنق عليه ويزعجه ذلك الفتى الذي يخطف منه الأضواء بحل القضايا ويغتاظ منه حين يرى اهتمام و ولع ابنته المراهقة به، يشعر بالغيرة اتجاه وأكثر ما يوقر صدره أن في يوم من الأيام سوف ترحل عنه ابنته لذلك الفتى المزعج الذي يحنق عليه.. ردت ران بسمة تزين ثغرها، وكان ضوء النافذ من خلف الزجاج يغمرها حيث كانت تقف موالية ظهرها لنافذة.. قالت:
- لا..
سحبت نفسًا عميقًا، ورفعت جسدها للأعلى مرتكزة على أطراف أصابِعها، عاقدة ذراعيها خلف ظهرها، وأخذت تترنح للأمام وللخلف.. قالت مازالت البسمة على شفتيها وعينيها تلتمعان من الحماسة:
- لا بل لأي تشان
رفع موري أحدى حاجبيه وأسدل جفنيه ومن ثم سحب كرسي وارتمى عليه، رسم بسبابته دوائر وهو يشير لتلك الصينية.. استطرد قائلًا:
- تقصدين تلك الفتاة سليطة لسان
توقفت ران عن التأرجح ومطت شفتيها معترضة وقالت:
- هايبرا فتاة طيبة.
وقف موري وهم بالخروج وقال وهو عند الباب :
- هذا لا يمنع إنها سليطة لسان وغريبة الأطوار تشبه ذلك الغر الصغير
- تقصد كونان
- أجل؛ كيف حاله؟!
أدارت ران حول طاولة و وقف أمام الصينية، وهي تهم بأخذ أول قطعة لتزينها بخطوط متعرجة مت الشوكولاته بيضاء.. قالت:
- نعم بخير، لقد هاتفني أمس.
___________________________________
مازلا يسيران على اقدامهم وقد لفحتهم لسعات الشمس الحارة التي تكبدت منتصف السماء الصافية الخالية من السحب، قد اشتد عليهما الصهد. كانت متدثرة بمعطفه لتغطية جسدها الصغير به، مطأطأ الرأس، مازال يؤلمها أحساس الندم والتأنيب على ما سببته، فكادت تودي بحياتها وحياة ذلك الرجل الذي يسير بجوارها، وأكثر ما يشد من وطأة شعورها بالذنب أن ذلك السوبارو لم يعتبها ولم يصرخ فيها بل قابل كل ذلك بهدوء وقلق عليها كأنه لم يهمه سواها، كان ألمها من أحساسها حيال الذنب طغى على ألم ركبتيه التي إصابته الخدوش وتجلط عليه الدم، لم تسمح لسوبارو بحملها كي لا تُعذبها عليها، فضلت أن تتحامل على نفسها على أن يحملها.
وقف دون سابق إنذار لتقف فجأه مصطدمة فيه فهي لم تنتبه له، لعدم نظرها للأمام تنظر للأرض وهي تسير، لم ترفع رأسها أو تحرك ساكنة، حتى أنها لم تنبث ببنت كلمة، ألقى عليها نظرة من أعلى قد ألمه مظهرها، رأسها المتدلى وشعرها المترامي على جانبيه، استدار مكانه ليقف أمامها ومال بجذعه، أرسل يده ليمسك بذقنها، رافعًا وجهها، لاحت له طيف من الأسى تتراقص بألم في عينيها، بدت له زرقة عنيها كبحر خلف زجاج... قال بصوت رخيم:
- أنظري إلي؟!
أشاحت بنظرها بعيدًا عنه، لتتدلي بضعة دمعات وتجري على وجنتيها، ما أن شعرت بملمس دمعاتها على بشرتها دفعت يده بيده الصغيرة وتقدمته وهي مخفضة الرأس لكنه باغتها حين أمسك بها وحملها لمعرفته أن ركبتيها تؤلمها..لم تتبدي أي ردة فعل أتجاه تصرفه الذي ان حدث في موقف غير ذلك الموقف لكان لها تصرف آخر معه، لكنها استسلمت تمامًا له، دافنة وجهها في عنقه وبيديها طوقته كطفل صغير حامله والده، ابتسم من ذلك التصرف فقد تقدم خطوة ناحيتها تلك الفتاة تنبأه بتصرفها أنه مصدر أمانها، أخذ يسير حاملًا إياه تحت لسعات الشمس الحارقة، شعر بأنفاسها المضطربه وسخونتها، لاحظ تعرق جبينها لدرجة أن حبات العرق مصطفة على جبينها وأحمرار وجنتيها من أثر صفعات الشمس عليهما، أمسك بلياقه المعطف الذي تدثر به جسدها، لكنها امسكت به بقوة وشدته عليها.. همس في أذنها مطمئنًا أياها:
- لا تخافي، سوف أظلل عليكي لأخفف من وطأة الشمس.
لم تنظر له وتنطق بحرف بل خفت من استحكام قبضتها على المعطف سامحة له أن يفعل ما يراه مناسبًا، أمسك بلياقة المعطف قد غطى به رأسها حاجبًا عنها أشعه الشمس الحارقة، ومضى بها قدمًا حتى لاح له من بعيد محل ثياب، استطاع ان يميزها بفضل ذلك الفستان المجسم، كان ذلك المحل على قارعة الطريق منفردًا به ليس حوله سوى كافتيريا ودورة مياة خلفه.. يبدو أن صاحب المحل عالم بعلاقة البشر مع النسيان حيث أن البشر حين يهمون لسفر قد ينسون بعض الأمور وأن قد تصيبهم حوادت خارج ارداتهم يحتجون فيها لثياب أو أشياء أخرى، ابتسم سوبارو بأمتنان وهمس في أذن هايبرا:
- أنظري هناك محل ثياب ما رأيك أن نذهب له
لم ترد عليه نظر لها ظنًا منه أنها غفت على كتفه لكنها كانت مستيقظة، هز كتفيه وتابع طريقه حتى وصل للمحل، وما ان وصل أنزلها على الأرض وقال لها:
- سوف أدخل اشتري لك ثوب أرجو أن ينال أعجابك.
نظرت له مستفهمة وكمن تسأله كيف له أن يفعل ذلك.. ليرد على تساؤلها الصامت:
- لا تخافي.. لكن أرجو أن ذوقي يعجبك
دلف للمحل تاركًا إيها تنتظره خارج المحل.
__________________________________
نيويورك.. الساعة الثانية منتصف الليل.. في أحدى الفنادق.

ظلام حالك مسطر على أرجاء الغرفة يتسلل إليها تلك الأضواء المتلونة التي تزين السماء السوداء الناتجة عن الفرقاعات يبدو هناك أحتفال.. نعم هناك سلسلة من المتاجر سوف ينفتح في ذلك الشارع الواقع خلف هذا الشارع الذي يقع عليه الفندق من الجانب الأخر حيث يجعل الشارع يقع أمامه، ذلك الشارع الذي يعجه حركات السيارات وضجيجه التي تغطي على موسيقى كلاسيكية تنتشر في الغرفة، رغم ذلك الهدوء العارم الذي يطغى على الغرفة إلا أن حدث ضجيج واحتدام حيث قضيَ فيها ليلة من الحب والحرب فيها، تاركة أثارها.. كان ينظر لتلك النائمة بجواره، مدثرة جسدها العاري بغطاء خفيف، أشعل إنارة خافته، يعلم أن الضوء يزعجها في نومها.. أخذ يتأمل وجهها الملئ بالنمش، إنها صهباء ذات شعر حمر مائل للبرتقالي، بشرتها رقيقة... تذكر أول لقاء بها، كان لقاءًا غريبًا، كانت غارقة في بركة دمائها في مكان نائي لا يسمع فيه صريخ يومين، رغم صعوبة حالتها إلا إنه سمع أنينها المتقطع.. رأى الرصاصات مخترقة جسدها.. قالت بصوت متألم يملئه الأنين وبأحرف متقطعة:
- أنقذني.
أزاح الغطاء من عليه بهدوء و وضع قدمه على سطح الأرض الزجاجي البارد..فتح درج الكوميدينو الأول وأخرج علبة فضية مزخرفة من النوع الفارغ..وقعت عينيه على صورة تلك الممثلة الأمريكية، أخرج سيجار كوبي من العلبة، استقام واقفًا وسار جهة النافذة بنصف جسده العاري، أشعل سيجاره وهو ينظر لسماء الذي يزينه أضواء المفرقاعات.. نيويورك مدينة تعج بالفوضى يزخرفها الأنوار، الحركة لا تهدأ فيها، لا فرق بين نهار و ليل كلهما سواه.. سحب نفسًا من السيجار ثم زفرها لترسم حلقات تتبدد في الفرغ.. حلقات ضيقه ثم تتسع لتتبدد وتختفي، يراقب تلك الحلقات المتبددة بعينيه اللازوردتين بتمعن وهو يتخيل صورة تلك الممثلة الأمريكية كريس فينيارد.. كان على ظهره وشم يملئ ظهره وشم لأفاعي فضية لون.
تلك النائمة تصدر همهات، استدار ثم سار جهتها، ليرها مضطربة، يبدو أنها ترى كابوسا لا شك إنها ترى ذلك اليوم التي أُلقيت فيها حتفها.. اقترب منها وربت على شعرها.. همس في أذنها :
- سيلينا كل شيء بخير.
فتحت عينها لثواني وغفتهما، يبدو ذلك الدواء يعمل مفعوله، ذلك الدواء الذي تأخذه وتواظب عليه كي يجعلها تنام ليس بسلام ونعيم المهم تنام فقط تنام، فهي لم تذق النوم بعض أن استعادت حياتها.. قد اقسمت أنها ستكون رفيقة ومعاونة وعشيقة منقذها حتى لو كان على حساب حياة البشر. ابتسم لها حين رأها تعود لنوم.. لماذا هي، لماذا لا تكون كغيرها..هي ليست جميله بل عادية لا يميزها سوى ذلك النمش وبشرتها الحساسة.. ربما عقلها.. فقد علم إنها هكر، لا، ما يجمعه بها هي إنها تشاركه نفس فكرة الإنتقام من سرقوا منها حياتها. عاد لينظر للنافذة الذي يغطي معظم الحائط التي تقابل الباب، لترتسم على الزجاج صورة كريس فينيارد بابتسامتها الواثقة.. امتعض ملامحه حين رسم خياله صورة عدوه لدودة، يملئه الحنق اتجاهها، طالما كانت تسخر منه وتجعله في مواقف سخرية.. وأكثر ما يستفزه جملتها
"The secret make woman a woman".

آكاي وهيبارة ( أصحي يا ريكا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن