الفصل الرابع والثلاثون

624 25 27
                                        

خرج من الغرفة، غرفته التي يقطن بها منذ أن حط قدمه في ذلك المنزل، منزل الدكتور أغاسا، كان بأمكانه أن يسكن في اي منزل أو حتى يقطن مع سينشي لكنه أراد أن تكون نصب عينيه، يراقب تحركاتها، يعرفها، أكثر، يتعرف عليها عن قرب، رغب أن يضعها تحت التلسكوب، ليتكتشف أنها فتاة تجمع بين النقائض، شجاعة وجبانة معًا، قوية ونفس ذات الوقت ضعيفة، ذكية غبية أيضًا، رقيقة باردة، هادئة وصاخبة، هي الشيئ ونقيضة، خرج ليتركها حائره تتلمس في شفتيها وهي ترى كل ما حدث لها وهمًا، لعنت نفسها، لعنت إكثرها للخمر، لكن هل حقًا لم يحدث شيء.. نهضت من على فراشه، تناظره بزرقة عينيه، تبتسم له في بؤس، ذلك الفراش صار يعرفها. تنهدت ولملمت بلوفر تحكمه على جسدها الصغير، وخرجت من غرفته لتجده يعد فنجان قهوة صباحي، بدى لها جاذبًا وهو مشغول بإعداد القهوة ترغب في سبه ولعنه لكنها لم تفعل بل ظلت واقفة كالبلهاء تتأمله، تتأمل تحركاته كأنه يتحرك في قلبها، ملامحه الجادة، هل حقًا هو جيد في صنع القهوة، تعلم آمورو جيد في فنون الطبخ وتجزم أن مقهى بوارو صار أفضل بفضله.. سوف تغيظه بذلك.. لتقول
- أوه السيد سوبارو يعد قهوة.. لكن أظن قهوتك ليس كقهوة أمورو، فهو حقًا رائع
نظر لها في صمت لبرهة يتأمل ملامح وجهها ثم حمل فنجانه وقال في برود:
- نعم هذه حقيقة، فأنا لست بصانع قهوة
زمت شفتيها في حنق، ذلك الرجل لم يغتاظ.. تركته ودلفت عرفتها، بينما هو يجلس على الأرئكة يحتسي قهوته مع بعض البسكويت.. خرجت، توجهت للمطبخ، كي تعد لنفسها وجبة، يحتسي قهوته في تأني وهو يشاهدها من موضعه تتحرك هناك وهناك، صنعت ساندويتشا وصبت عصير برتقال وجلست على طاولة المطبخ تتناول فطورها، بعقل شارد، تريد شخصًا تحكي له ما تشعره، تريد شخصًا تفضفض له، لا تقدر أن تحكي لسينشي فلن يفهمها، هي تريد امرأة تقص عليها ما حدث، تمنت لو تستطع أن تحكي لران لكن، ذلك محال فهي مجرد طفلة، تنهدت بحزن، وشربت ربع العصير وهو مازال ينظر لها دون أن تراه، يتذكر حين انغمس في تقبيلها عندما كانت يافعه، عندما كانت شيهو، كيف احتضن جسدها بين ذراعيه، أحس أن قربه منها خطر، خطر سيدمر كل شي لكنه لا يريد البعد عنها ولا قرب منها، ولا يرغب في تقترب أو تبتعد، المنتصف هو الحل، منتصف الأشياء.. سقطت منها عبرة دون إذن تنظر لها في استغراب وفي داخلها، لو أن اختها مازالت على قيد الحياة، لذهبت لها وتفضفض لكن تلك الأمنية محالة.. ابتسمت لقسوة الحرارة، ابتسمت وهي تبتلع غصتها ومرارتها.. أنهت وجبتها، وغسلت ما أكلت فيه.. وقالت في برود:
- سوف أخرج مع أصدقائي.. أخبر الدكتور أغاسا و أيضًا سأبيت عند يوشيدا سان اليوم
- حسنًا، لكني لا أوافق على تبيتك خارج المنزل
لتجيبه في برود قاسي:
- لم أخذ أذنك بل أخبرك.
ومن ثم تركته يشيعها بنظراته في صمت.

"لماذا لا يخبرها إنه كان معها في ذلك الوقت وإنها لا تحلم، نعم لِمَ لم يخبرها بذلك" هكذا فكر ذلك المحقق الشارلوكي بينما هو جالس بل جسده الضئيل مدفون بذلك الكرسي الضخم الذي يحتضنه، يجلس كشارلوك هولمز حين يسرح بأفكاره ويتأمل، راجع بظهره ورأسه للخلف ومدد ساقيه أمامه، ممسك بميدلية يتدلى منها وجه مبتسم قريبة من الأرض، يإرجحها، ومغمض عينيه يفكر فيها، في تلك القبلة التي منحها إياها مازال طعم شفتيها على شفتيه، كأنها تخللت شفاه وصارت جزء منها، سقطت الميدالية لتصدر صوتًا أيقظته، نهض من كرسيه وهو يقول:
- أه يا ران كدي تصيبني بالجنون.
ليتذكر وجهها، شفتيها البتول التي صك عليها أول قبلة، متوجهًا نحو النافذة، لمح هايبرا تخرج من منزل دكتور أغاسا مطأطاة الرأس شاردة، يعلم أن الدكتور أغاسا ليس هنا وأيضًا اليوم أجازة وغير ذلك الموعد مبكر.. هل هناك أمر ما سيفعله الصغار، لكن مع من.. فضول الطفل الذي بداخله رغب في أن يعرف..فقرر أن يهاتف ميتسيكو من هاتف كونان.
- مرحبًا ميتسيكو كيف حالك
- أه كونان كن، كيف حالك اشتقنا لك
- انا أيضًا
- أخبرني هل أنت بالخارج مع الأصدقاء فأنا أرغب بمحادثاتهم
- لا.. الحقيقة جينتا سافر مع عائلته.. وأنا أنوب عن أختي في أمور المنزل فهي ليس هنا وأيضًا والداي مسافران.
- هكذا إذن
قالها وعينيه على الشارع، أين تذهب تلك الفتاة، هل تظن أن بخروجها تلك ستكون في أمان، ألا تدري إذ رآها عضوًا من المنظمة ستكون كارثة عليها وعليه.. سحب سينشي جاكته بسرعه وخرج من المنزل ليلحق بهايبرا
- هايبرا
توقفت لتنظر له ببرود.. وهو يتلفظ أنفاسه
- ما بك لماذا تركض.
- لم أنت خارج المنزل.
لم تجيبه، فقط استكفت بالنظر له من أخمص أصبعه حتى مقدمة رأسه.. وأكملت طريقها.. ليقول:
- لِمَ لا تجيبني
- لأن من الغباء أن أجيب على سؤال كهذا
أدرك ان سؤاله غبيًا وأدرك أنه أنانيًا بعض الشيء.. فقال معتذرًا:
- أسف، لكن إلى أين تذهبين
كملت سيرها، وهزت كتفيها.. وقالت :
- لا أعلم
ثم تغير نبرة صوتها لتصبح نبرة صوت حادة ومزعجه.. وأشارت حيث بيت الدكتور أغاسا.. وفي تعصب قالت :
- لكني لا أريد أن أبقي مع ذلك القرد.
- هل حدث شيء
صمتت وأطرقت رأسها أسفل.. وقالت بنبرة هادئة تحوي أنينًا:
- لا أعلم، حقًا لا أعلم، كودو كن.
- أحكي أليس صديقك كونان أيدوجا
ابتسمت له تمنت فعلًا أن يكون إيدجاوا حقًا وليس سينشي لا تدري لماذا لكنها تمنت.. قالت:
- لن تفهمني
- أحقًا لم تقعي في حب السيد السوبارو
ذلك السؤال اشبه بريح مفاجأة لفحها.. صمت رهيب حل في المكان..كل شيء توقف فجأه..إذ بها تقول في عناد:
- أحمق.. هل تراني حمقاء لأقع في حب ذلك القرد الغبي.
لتتقدمه في تجبر وتكبر وليضحك هو على هيئتها، بدت له كديك ينفخ صدره، يقسم بالعشرة ان تلك الفتاة تحترق حبًا، عليه التأكد من ذلك
- أخبريني هايبرا ما رأيك في جودي سينسية
- جميلة وذكية ومرحة ومتفتحه.. حقًا إنها امرأة فريدة.. بغض النظر عن لاسعات مخها.
- إذن هل تظني إنها مناسبة لسيد سوبارو.
توقفت فجأة، قلبها يخفق في ألم، لماذا تشعر بأن قلبها انفضر، رأى سينشي امتعاض وجهها التي تواريه، خيل له إنها تبكي، لكنها قالت في مرح مصطنع:
- سيكونان ثنائي رائع.. حقيقة، سيكونان رائعان.
لوهله احس بالندم اتجاهها، لكنها اراد منها الاعتراف بصفته صديقها وشريكها في نفس المصير.. فقال:
- أما أنا فلا أظن ذلك.
- آه
وصلا لمقهى بوارو... فقال سينشي :
- ما رأيك أن نشرب شيء
لتجيبه بمرح حقيقي كأن شيئًا لم يكن:
- أنت من تحاسب
- يالكي من جشع
- ليس جشع، لكن لا يجوز لرجل يجعل فتاة تدفع.
- فهمت.

آكاي وهيبارة ( أصحي يا ريكا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن