يومًا ما سنلتقى

(٣٦)

- أوضة ٤٠٣
جملة مش غريبة عليا لإني بسمعها كل يوم الصبح ، مع دخول دكتور جديد او غيره ونفس الأيام بتتكرر ، أنا في المكان ده بقالي أكتر من ٨ سنين ، دكاترة بتيجي ودكاترة بتمشي وأنا لسة موجودة هنا ، مش مسموحلى إني اخرج ، مفيش أسوأ من اني اصحى كل يوم واسأل " هو  أنا عملت ايه عشان ابقى هنا؟"
أنا مش مجنونة عشان أقعد هنا ، ولا اللي هنا مجانين ، كلهم بعقلهم والله بس مش لاقيين اللي يسمعهم
وقفت بسرعة لما لقيت الممرضة دخلت
- هو أنا هخرج امتى؟
سابت علبة الدوا من إيدها وبصيتلي - كلي الفطار ومتسيبهوش زي كل يوم
- طب محدش سأل عليا؟
- لو لقيت الأكل زي ما هو هتتعاقبي
اخر مرة شوفت فيها عمي كان عندي ١١ سنة لما جابني المكان ده وآخر مرة كنت أشوف ماما وبابا كان قبلها بأسبوع ، فاكرة بيتنا والطيور اللي كنت برسمها على الجدران أنا وبابا ،  وشجرة الورد اللي كانت في البلكونة ، والمنور الصغير اللي كنت بخبي فيه عرايسي ولعبي ، أنا عايزة أرجع لحياتي زمان ، أنا اتعودت على المكان ده بس مش حابه وجودي فيه ، انا قاعدة هنا إان مفيش مكان تاني أروحله
- منزلتيش ليه؟
- اتأخرت ليه يا سيف؟
- مفروض بنتقابل تحت في الجنينة بتاعة المستشفى مش هنا ، أنا طلعت لما لقيتك إتأخرتي
- جاية
يمكن سيف هو الحاجة الوحيدة الحلوة اللي هنا ، جه من ٣ سنين ، أهله بييجوا ليه دايما ، الفرق بيني وبينه إنه هو حابب وجوده هنا ، عنده فرصة إنه يخرج
- هو إنت ممكن تيجي ف يوم وتخرج؟
- هاخدك معايا لو خرجت
- إنت معاك الاختيار
- هنا أفضل ، الناس اللي بره هما اللي مجانين مش هنا والله
- ليه؟
- الناس هنا نقية وبتحب بعضها ، بتلاقي اللي يسمعلك ويقدرك ، مبتفكريش ف بكره لانك عارفة انه مش هيختلف في حاجة عن النهاردة
- إنت معاك أهلك
- أظنك مش هتستوعبي إن وجود ناس في حياتنا أسوء من عدمه
- ومستوعبش ليه؟
- هتعرفي إجابة سؤالك ده لما تشوفي الدنيا بوشها الحقيقي وقتها هتكوني كبيرة لدرجة إنك تقدري تقفي قصادها لوحدك
- هي الدنيا مش عدل؟
- لأ ، ولا هتكون عادلة ، ربنا هيجمعنا كلنا فوق ونتحاسب ووقتها هيكون في عدل
- وحياتك وشغلك وصحابك؟
- حياتي ممشتش زي ما أنا عايز ف لازمتها ايه أحاول تاني؟
- بس أنا عايزة أخرج
-مش مسموحلك
- أنا زهقت
أنا عايزة أخرج بره السور الخنيق ده ، مفروض أطلع وأحب وأتجوز وأكون أسرة ، مفروض أكبر وأعجز جنب الشخص اللي هختاره عشان نكمل الطريق سوا ، هو يعني ايه حب؟ أقصد بيبقى عامل ازاي؟ أو لما بييجي أعرف ازاي إنه جه؟
-سيف
-ها؟
- هو في حد عاقل يحب؟
-في حد عاقل يسأل السؤال ده اصلا؟
- طب ينفع اشاور على حد وأقول اني بحبه فأقنع نفسي وأحبه
- مش مضطرة تحبي ، ليه تدخلي نفسك ف متاهات وحوارات كتير وزن ومشاكل وقرف
- كل ده عشان هحب بس؟
- ده في البداية بس ، تحبي أقولك بيحصل ايه في النهاية؟
- هو في حد عاقل يعرف ده كله ويكمل؟
- اه فيه
- أكيد في النهاية الحد ده هييجي يشرفنا هنا
ضحك - مش بالظبط
- طب مش مفروض.......
- المفروض ده بييجي بكره وإحنا في النهاردة دلوقتي ، ف بلاش تشيل همه
- يعني ايه أشيل هم بكره؟ هو بكره له هم؟ يعني مش مفروض ييجي اليوم عشان نعرف ايه المصيبة اللي هتحصل ف نشيل همها ؟ ولا إحنا مفروض نسبق المصايب؟
بص للأرض وهز راسه وإبتسم - الدنيا هتضحك دلوقتي لو قولتلك إن أكبر أحلامي هى إني أبقى شبهك
شهقت وشاورت على نفسي - شبهي أنا؟
- شايفة الدنيا بألوان الطيف ولسه عندك خيال نضيف بترسمي فيه أحلامك ، ومش عارفة حاجة عن العالم اللي بره
-بس انا عايزة أعرف
- في حاجات بتعافري عشان تعرفيها وتطوليها ولما بتيجي بتتإذي وبتخسري حاجات أكبر من اللي كنتي بتتخيلي إنك تكسبيه ، وقتها بتحاولي ترسمي طريق عشان ترجعي للنقطة اللي كنتي فيها بس الدنيا بتكون قفلت بابها والندم على اللي عملتيه في نفسك مبيبقاش ليه فايدة
- بخاف منك لما بتتكلم كده
- وبخاف عليكي من الدنيا ومن اللحظة اللي هتطلعي فيها من هنا
- وهي الدنيا يتخاف منها؟
- وبتوقعنا من ايدها كمان
-ازاي؟
- بنقع من إيد الدنيا للضلمة ..لأسوء كابوس مكناش متخيلين إنه ممكن يتحقق
- وقتها هقع وراك عشان معرفش غيرك ، أقعد في كفها أعمل ايه وأنا معرفش الناس اللي حواليا؟
-  هتروحي للضلمة بإرادتك؟
- أسوء كابوس ممكن يتحقق إن إنت كمان تمشي ، هاخد عيلتي معايا ونبقى كلنا سوا في الضلمة ، هحب الضلمة عشان إنت موجود فيها ، عالأقل هحس بأمان ، إنك تحس بأمان في الضلمة أفضل من إنك تعيش خايف في النور
فاكرة أول يوم جه فيه ، الأوضة اللي جنبي كان قاعد فيها ست عجوزة وخرجت ، وجه هو مكانها ، أنا فاكرة اليوم ده كإنه فيلم متسجل جوايا
خرجت بره الاوضة ووقفت سألت الممرضة لما لقيت واحد جديد جه
- هو مين ده؟
- مريض جديد
- هيطول؟
- معرفش
مشيت ووقفت قدام أوضته ، بصيت عليه وعلى الممرضة اللي معاه بعدين خبطت على الباب
- ينفع أدخل؟
- لا
دخلت ووقفت بعيد -طيب
-دخلتي ليه؟
- عشان أنا قررت ده
- انا كنت فاكر ان كل واحد ليه خصوصيته ، المكان هنا يفرق ايه عن بره؟
- إنت جاي هنا بإرادتك؟
نفخ بضيق و هز راسه - مش أوي
قربت وقعدت على الكرسي اللي قدامه وإبتسمت
- احكيلي
- لأ
-طب هحكيلك أنا
لأول مرة أجرب أحكي لحد معرفهوش ، أنا معرفش حد هنا أصلا غير الممرضات ، وبما إني مكنتش بتكلم مع حد ف جربت أتكلم معاه
-أنا حياتي عبارة عن قرارات غلط
  إبتسم ورجع بضهره ل ورا
- ودي حاجة حلوة ولا حاجة وحشة؟
- دي حاجة تضحك
  فتحت عيني  وإبتسمت ، مبسوطة إنه عدى ٣ سنين وأنا ليا حد هنا ، مبسوطة إنه مخرجش
عدى ٨ شهور كمان وسمحولنا إننا نخرج ،فرحتي كانت أكبر من إن العالم يساعها وقتها
- فستان جديد؟
مسكت طرف الفستان ولفيت حوالين نفسي - حلو؟
هز راسه  ب أيوة وإبتسم
- عايزة أروح البيت
- هوصلك
طول الطريق وأنا ماشية بكلمه عن أحلامي اللي مفروض أحققها لما أخرج ،وعن طريق حياتي اللي خططه ، معرفش عدى من الوقت أد ايه وأنا بتكلم
وقفت لما لقيته وقف
- أنا إتكلمت كتير مش كده؟
بص عالبيت ورايا - تقريبًا ده العنوان اللي قولتيلي عليه
بصيت مكان ما بص وهزيت راسي ب لأ - الدور التاني مفهوش ورد وإحنا كان عندنا ورد
- أكيد الورد مش هيفضل ٩سنين في البلكونة ، اطلعي شوفي وأنا هستناكي على السلم
- ماشي
طلعت السلالم وأنا بحسس على جدران ، رغم إن البيت إتغير إلا أن الدفا اللي فيه لسه موجود ، خبطت على الشقة اللي في الدور التاني ، طلعلي راجل عجوز أول مرة أشوفه
- هى مش دي عمارة ٦؟
- أيوة
-حضرتك ساكن هنا من زمان؟
- إشتريت الشقة من ٥ سنين
- بس دي شقة بابا
- تقصدي الحج مجدي؟
فرحت ورديت بسرعة - لأ ده عمي هو حكالك عني؟ هو بيدور عليا
قلع النضارة وإتنهد -  أنا إشتريت منه الشقة من ٥ سنين لما قالي إن صاحب الشقة مات هو وبنته ومراته
قلبي وجعني أوي ، حطيت إيدي عليه وحاولت إني معيطش
-بس أنا ممتش!
- لو .....
مسمعتش بقيت كلامه ونزلت السلالم  ، الجو بقى ساقعة ولحظة ما خرجت من البيت شوفت الدنيا بألوان باهته ووشها المطفي ، حِمل كبير  أنا مش أده جه وقعد فوق كتفي ،هو اللي وداني المستشفى زمان لما قالوا إن بابا وماما عملوا حادثة بس أنا مكنتش معاهم ، هو ازاي يسيبني والمفروض يبقى هو الحيطة اللي بتسند عليها بعد بابا!، كنت عايزة أطلع بره المستشفى عشان أشوف عيلتي ،وعشان أعرف السبب اللي يخليهم ميجوش يزوروني ولو مرة واحدة ، كنت هسامحه عن غيابه ال٩سنين اللي فاته ، بس ينكروني وأنا لسه بتنفس؟ دي عمري ما هسامح عليها ابدا ، العالم بقى كبير لدرجة تخوف ، بتمنى دلوقتي إني بحلم وإني لسه جوه المستشفى ،  وقتها إفتكرت كلامه
" في حاجات بتعافري عشان تعرفيها وتطوليها ولما بتيجي بتتإذي وبتخسري حاجات أكبر من اللي كنتي بتتخيلي إنك تكسبيه ، وقتها بتحاولي ترسمي طريق عشان ترجعي للنقطة اللي كنتي فيها بس الدنيا بتكون قفلت بابها والندم على اللي عملتيه في نفسك مبيبقاش ليه فايدة "
إبتسمت لما لقيته ساند عالحيطة ومستنيني تحت
وقفت قدامه وإبتسمت بوجع
- هو العالم بقى كبير أوي كده ليه؟
هنكبر لدرجة إننا هنعرف إن المكان اللي كنا بنحارب عشان نخرج منه كان مأمن لينا من العالم  ، مكنش ينفع أطلع بره الدايرة اللي مسموحلي أعيش فيها
- قولتلك الناس اللي هنا مجانين
بصيت للسما وعيطت  - الدنيا هتضحك دلوقتي لو قولتلك إن أكبر أحلامي هى إني أبقى شبهي إمبارح
(بتمنى إني أنسى وأرجع أتعلق بنفس الخيوط الدايبة اللي كنت متعلقة بيها ، عالأقل كان في أمل ...كان في خيال أقدر أرسم فيه أحلامي وأصدقها
- هنعمل ايه؟ هنرجع تاني؟
- أظنك كبيرة كفاية لدرجة إنك تقدري تقفي قصاد الدنيا لوحدك
- الدنيا مش عدل
- بس ربنا عدل وانتي موجودة وده عادل كفاية بالنسبالي
-هتمشي؟
-هنمشي سوا

"رأيتك ضوء في نهاية نفق مظلم"