"غارة...غارة"
سمعت صوت صفارة عالي جدا ، يمكن لو أول مرة اسمعه كنت خوفت ،إتعودت عليه مع كل طيارة بتعدي وبتقصف البيوت من جنبي ،القتل بقى عادة
- لوني الشبابيك بالزهرة بسرعة وابعدي عنها ، هروح أنا للشبابيك التانية
- هاجي معاكي متسيبنيش
علت صوتها ومشت - متعطلنيش
( مبخافش وقت ما بسمع الصفارة بس بخاف وقت ما بسمع صوت الطيارات فوق البيت ، بخاف لما بسمع صوت صريخ في الشوارع اللي جنبنا وبعرف إن عدد الأموات بيزيد
فضيت الزهرة في طبق وقلبتها بشوية مياة ودهنت بيها الشباك .. تقريبا لما بندهن الشباك وبنطفي الأنوار ف مش بيشوفوا إن في ناس ساكنة هنا عشان ميضربوش وبردو بيضربوا )
طفيت الأنوار وروحت قعدت مع عمتو في المطبخ على الأرض ، قعدت في نص المطبخ وضميت رجلي ليا وحطيت إيدي على ودني
جسمي إترعش وقت ما سمعت الطيارات معدية من فوق ، بحسها معدية من فوق قلبي أو هتاخد روحي معاها ، غمضت عيني جامد وشددت إيدي على ودني ورددت "هيعدي...هيعدي"
عمتو قعدت جنبي وحضنتني -متخافيش دقيقتين وهيعدو
ميلت براسي على كتفها ومسكت في هدومها - أنا خايفة
طبطبت على راسي وضمتني ليها أكتر - ششش، أنا هنا متقلقيش
( جيت عيشت مع عمتي أنا وبابا من ٥ سنين بعد ما عيلتي كلها ماتت في القصف ، كنت وقتها خارجة أنا وصاحبتي وجيت لقيت البيت مهدوم ، وبابا بيرجع متأخر لأنه بيحارب معاهم ف مكنش موجود في البيت وقتها ، مش عايزة أفتكر لإني هصحي الشعور اللي عشت ادفن فيه ٥ سنين )
البيت بتاعنا اتهز ف صرخت
- متخافيش متخافيش
القصف كان قريب أوي المرة دي ، حسيت بالإنفجار وشوفت ضوء النار من شباك المطبخ رغم إنه متلون بالزهرة بس المطبخ كله نور من الضوء
بعدها بساعة وقفت في البلكونة و سمعت صوت صريخ من الشارع اللي قدامنا ، حطيت ايدي على قلبي ودعيت للي ماتوا وأنا بعيط
عمتو وقفت جنبي وبصت للسما وابتسمت
- اجعلني منهم يارب ، خد روحي وإنت راضي عني
بصيت قدامي وإتكلمت بهدوء - بإذن الله يقبض روحنا جميعا وهو راضي عنا ،بس أنا عيزاكي هنا ومش هسمح لحد يإذيكي
حطت إيدها على كف إيدي المسنود على سور البلكونة وغيرت الموضوع
- أبوكي شكله هييجي بعد صلاة الفجر
بصيت للأرض وضحكت -ييجي بالسلامة هو وسيف يارب لأحسن شهد بتحبه اوي ، اخوها بقى نعمل ايه!
ضربتني في كتفي وضحكت - شهد اللي بتحبه هه
-الله! ماهو أخوها
- وجوزك بردو
- اه ده ميمنعش إني بحبه بردو ، (كشرت وبصيتلها بطرف عيني) - بابا زعقلي لما شافني بكلمه على السلم ، على أساس إنه مش كاتب كتب كتابي ،وبعدين هى كلها عمارة بأربع أدوار ، وكلنا جيران مننا فبعض ف مش عارفة أخوكي ده عايز مني ايه.
صليت الفجر وإستنيتهم
فتحت الباب بسرعة لما سمعت صوتهم عالسلم وبصيت عليهم وهما طالعين قبل ما بابا يشوفني ، يعني تهزر معاه ياحج ومش عايزني أكلمه عالسلم؟ ده حتى عيب
ضحكت على صوت ضحكهم وهما طالعين ،سمعت بابا وهو بيقول
- أراهنك إن ميار واقفة عند الباب دلوقتي وبتسمعنا
سيف بص لفوق وضحك - الظل بتاعك باين يا هبلة ادخلي جوة هتودينا في داهية
دخلت الشقة بسرعة وقفلت الباب وبغبائي قفلت الباب جامد ف عمل صوت ، دخلت أوضتي ونمت على السرير واستغطيت ويكأني كنت نايمة من بدري
٥ دقايق وعمتو جت تصحيني
- قومي قومي ،شافوكي يا هبلة
- طب قوليله إني كنت طالعة أنشر الهدوم
-طالعة تنشريها بره الشقة؟
- هقوله إني كنت بطمن عليهم لميعرفوش يطلعوا السلم ،حجة مقنعة دي
شيلت الغطا من عليا وطلعتله بره
- ايه ده جيت امتى؟
ضحك وسند البندقية جنبه -يابت!
قعدت عالكنبة - ياحج بقى ما خلاص ، بص إعمل نفسك كأنك نسيت ماشي
- سيف عايز نعمل الفرح الشهر الجاى ف ايه ......
نطيت من على الكنبة بفرحة ووقفت -يا ألف نهار أبيض
بصيت لعمتو وبابا وقعدت تاني
- احم...يعني يا نهار واحد أبيض، الألف كتير صح ؟
عمتو ضحكت وضربتني في كتفي - نفسي مرة ألاقيكي مكسوفة
( سيف كان من الظباط الأحرار ، اللي مكنش عاجبهم حال البلد...من استعمار وظلم وقتل ..بابا إقتنع بأفكاره وبقى يساعده وشوية شوية بقى يحارب معاهم ، بابا دايما بيقولي " لو جه الوقت إنك تختاري مابينا ومابين نفسك ...فإختاري نفسك من غير ما تفكري ،اهربي ومتسمعيش لحد ولا تبصي وراكي ولا ترجعي عشان حد ")
صحيت الصبح قبل ما بابا يصحى ، فتحت باب الشقة ببطئ وناديت عليه بصوت واطي
نزل بسرعة ووقف قدامي
- أبوكي نايم صح؟
ضحكت وهزيت راسي -صح
-ما تغنيلي ياسيف
ابتسم وبعدين وقف عدل وبص ورايا - كان.....صباح الخير يا عمي
رفعت حاجبي وكتفت إيدي قدامي - قديمة دي
- لأ ده أبوكي فعلا مبهزرش
بصيت بطرف عيني ل ورا وبعدين بصيتله وإتكلمت بصوت واطي - اهرب وهربني معاك
لفيت وبصيت لبابا - هو اللي خبط عالباب وكنت بزعقله على عملته دي ، يعني عيب ميصحش
باب ضرب كف بكف وضحك - ادخلي حضري الفطار مع عمتك
-عنيا يا حاج
بابا بص لسيف وشاورله بإيده يدخل - تعالى إفطر معانا
- لا متأخر والله مرة تانية
وقفت ورا بابا وشاورتله بإيدي وإتكلمت من غير صوت " هتوحشني"
باين إني بتقل عليه زي البنات ولا أبين أكتر؟
- فرحانة بيكي كإنك بنتي
سيبت السكينة من إيدي وبصيتلها - طب ما انتي زي أمى يا عمتو ، وانتي اللي هتروحي معايا للخياطة نعمل الفستان وانتي اللي هتزفيني و....(قربت منها ورفعت راسها )- لأ عياط هعيط والله ، أنا نقطة ضعفي دموع البنات
- هنروح بعد الفطار ، أنا شايلة فلوس كده على جنب وأبوكي عطاني الصبح
- طب ما نتجوز الأسبوع الجاى حتى نوفر الأيام
ضحكت وكملت تقطيع الخضار - مش هتعقلي والله
(ما كده كده هتجوز في العمارة هنا ، هبقى جنبهم بردو ،بس عالأقل هنتكلم بدل ما بحس اني سارقة حاجة ومخبية عليهم )
بابا فطر ومشى وأنا وعمتو روحنا نجيب قماش
- حلوة القماشة دي؟
- لأ أنا عايزة تُل ، عشان يبقى منفوش كده ويلف حواليا لما ألف بيه
- وقت ما البنات ييجوا يغنولك يعني؟
- ونجيب بنات ليه وسيف موجود؟ هو كان قصر في حاجة
(ويغنيلي "كان يوم حبك أجمل صدفة " زي تاني مرة شوفته فيها ، قابلته على السلم وغناهالي وقفلت في وشه الباب ، بس ده ميمنعش إن باب قلبي اتفتحله يعني)
-كده جيبنا القماش ووديناه للخياطة ، ولما تخلصه هتجيبهولنا
- ماشي نامي انتي ولما ييجي بابا هصحيكي
فردت عليها الغطا وهزت راسي
طلعت في الصالة و فتحت الراديو وقعدت جنبه ، معرفش عدى أد ايه من الوقت وأنا برسم حياتي أنا وهو سوا على صوت أم كلثوم
غنيت معاها وقت ما قالت
"كان لك معايا أجمل حكايه في العمر كله
سنين بحالها مافات جمالها على حب قبله
سنين ومرت زي الثواني في حبك إنت
وإن كنت أقدر أحب تاني أحبك إنت "
عدى أسبوعين وروحت أجيب فستاني من الخياطة وعمتو كانت بتعمل الغدا
طول الطريق وأنا راجعة حاضنة فستاني ، قابلت سيف في الطريق وأنا مروحة
- بابا فين؟
- لسه عنده شوية شغل هيخلصهم وييجي (سكت شوية وسأل) - كنتي فين؟
- عمتي قالتلي متقوليش لحد بس أنا هقولك إني كنت عند الخياطة بجيب فستان الفرح
- أشوفه طب
-قالتلي بردو إن مينفعش إنك تشوفه بس انا هوريهولك عادي جدا
- طب هاتي أشيله منك
- لا مينفعش عمتي قالتلي مينفعش
مسك إيدي وغنالي وأنا مروحة
جسمي إتنفض على صوت القصف ، والانفجار اللي حصل مرة واحدة في المنطقة
سيف شدني من إيدي وقت ما صرخت واستخبينا ف دخلة عمارة
زقيته وجيت أمشي ف شدني تاني -عمتي هناك في البيت
-خليكي هنا هروح أجيبها
- خدني معاك أنا خايفة
المكان اللي أنا فيه مابينه وبين بيتي نص ساعة يمكن ،
قلبي وقع في الأرض وحسيت إني مش عارفة أمشي وقت ما شوفت البيت بتاعنا في الأرض متحول لطوب محروق ومتكسر والبيوت مهدومة
هو هو ده الإحساس اللي الناس بتحسه وقت ما بيخسروا حد؟ هو ده اللي بيحشوا بيه وقت ما بسمع صوت صريخهم
شهد وأم سيف كانوا واقفين في الشارع ف جري عليهم ومشيت وراه كإني مش دارية بالدنيا
- هى عمتي فين؟
شهد مسحت دموعها بسرعة وبصيتلي واتكلمت بتوتر -منعرفش، أنا خبطت عليها لما سمعت صوت القصف بقى قريب اوي بس مسمعتش ف مشينا من البيت بسرعة ولسه راجعين من.......
مسمعتش كلامها ولفيت ناحية البيت ، شيلت أول صخرة والتانية
- بتعملي ايه ؟
كملت شيل في الطوب المتكسر وأنا بعيط - هى هنا عايشة ، هى كا..كانت بتعمل الغدا ، و....
رمي الطوبة اللي في إيدي وحضني - شششش، اهدي
- سيبني بس هدور عليها والله ، هى كانت هنا
مردش عليا ف زقيته وصرخت - ابعد عني عايزة أدور عليها بقولك
شدد إيده عليا واتكلم بصوت واطي - لازم تمشي ، المكان هنا مش أمان
زقيته أكتر وبعدت عنه ،رفعت حاجبي وضحكت بسخرية وسط دموعي
- امشي! عايز تمشي امشي مش ماشية من غيرها
- وعد هدورلك عليها وهجيبهالك ، روحي مع أمي وشهد ، هى عارفة هتوديكم فين
-هى ملهاش غيري
-هجيبها.....
مسمعتش باقي كلامه ولفيت بسرعة وقت ما سمعت صوتها بتنادي عليا
جريت عليها وحضنتها وعيطت على كتفها
-كنتي فين ؟قلبي كان هيقف من الخوف ، حرام عليكي ليه كده
- روحت لجارتك أم شمس بعد ما طلعتي ولسه جاية ، انتي كويسة؟
- الحمدلله إنك هنا
( أسبوع عدى وقاعدين في مكان مليان بناس زينا اتهدمت بيوتهم ، مكان ضلمة مبينورش غير بنور الشمس وبليل بيفضل ضلمة ، أوقات صوت العياط بليل مش بيخليني أعرف أنام ، والصبح البنات بيتلموا ويغنوا ويضحكوا ، ازاى بنعرف نضحك وإحنا خايفين؟بعيدا عن فرحتي اللي اتكسرت وقلبي اللي بيعيط ليل ونهار ،حطيت إيدي على قلبي عشان محدش يشوفه ، وبعيدا عن بيوتنا اللي اتهدمت وجيراننا اللي ماتوا بس عيلتي جنبي ، أخسر أى حاجة ولا أخسرهم ،حتى لو هنبات في الشارع بس وجودهم أمان )
-قومي البسي فستانك
إبتسمت بحزن وبصيت قدامي - يا عمتي هو ده وقته؟
مسكت إيدي وإبتسمت - سيف شافلنا مكان امبارح هو وأبوكي
لفيت بسرعة ليها وضحكت -بجد بجد؟
- قومي البسيه
-حيث كده بقى أقوم ألبسه
روحت ورا مكان مداري بقماش ولبست الفستان
وقت ما طلعت كان في بنات كتير قاعدين جنب عمتو وبيغنوا ، صوت الزغاريط مفرح والله ، لفيت حوالين نفسي وإتنططت بالفستان ، إحساس إني لابسة فستان أبيض وهتزف بيه لواحد إختاره قلبي ده إحساس ميتوصفش ، ده بيتعاش وبس
ضحكت وجريت عليه وقت ما شوفته بالبدلة وبالقميص الأبيض ، أنا كنت عارفة انه هيطلع قمر فيه وتخيلته قبل ما يلبسه ، حسيت كده كإن قلبي مش على بعضه ، مستحيل أقوله إنه قمر عشان حتى أتقل عليه شوية
- القميص أقمر مما كنت أتخيله عليك
بص عالفستان وإبتسم - شكلك شبه النجمة بالفستان
شديت إيده وروحت عند عمتو نقعد جنبها
وغنينا سوى
"كان يوم حبك أجمل صدفة ..لما قابلتك مرة صدفة ""رأيتك ضوء في نهاية نفق مظلم"
أنت تقرأ
يومًا ما سنلتقى
Short Storyقصص قصيرة متنوعة بالعامية المصرية ،بها مزيج من الخيال والواقع والحزن والسعادة ، ربما ستتضارب مشاعرك و أنت تقرأ ، ولكن فى النهاية ستعرف السعادة طريقها لقلبك ..