كتبت هذا النص منذ ما يفوق سنة تقريبا قبل أن أدخل مرحلة القحط الأدبي... كانت من أكثر اللحظات ألما في حياتي... و يبقى هذا النص جرحا في بعد محضور من أبعاد الروح..
________________________________________________
طريق العودة و الظلام يلتهم كرنفالات السماء , نسيم لذيذ يدفعنا للرقص في فوضى الخطوات .. هل جرّبت يوما طعم الوحدة بعد فنجان من القهوة و صخب القهقهات المدوّي في رأسك كالصداع ؟ أم جربت يوما أن تسمع نداء الغربة من عمقك حين الزهرة الهائمة في تفاصيل وجهك تدعوك للجلوس و الثرثرة و حين الطير المنطلق الى وكره يشدو أغنية لا يعرفها سواك ؟ الوحدة و طقطقة خطواتك خلفي , أعذب صورة للتناقض أشاهدها و تملأني نشوة لكتابة هذا المجاز . أصابعك تنساب متلعثمة على يدي و مرتبكة تشدّ أصابعي , أسمع في همسها خوفا من أن أسحب يدي . لا أفكّر في النظر الى وجهك و الى اللاشيء المتبعثر في عينيك . أعلم مسبقا أنك نسيت ترتيب رقبة معطفك , هل تعلم أنني أهوى الثغرات التي تنساها حين تحاول أن تبدو مثاليا ؟ أسمع لك همهمة , أطراف كلمات أفهمها حين لا أفهمها و لغو كثير , ثم تدندن لنفسك أغاني "أزنافور " , أدرك أن في صدرك بوح عميق و اختناق مبهم حين تختبئ خلف صوتك المغني . مازلت لا أحتاج الى النظر اليك كي أعرف أنك تحملق في السماء باحثا عن الشفق الأزرق ذاك , و عن الطريق الى عوالمك و انتمائك هناك . هناك حيث لا وجود الا لك و حيث أكون صورة بلا إطار و وجها متعدد التعاريف . أبحث في السماء نفسها عن نجمتي الصفراء و عن موطن في حضنها أرسم عليه حكاية و أكتب صورة ترحل بها رياح الشمال و أمضي .
تشتهي النساء روائح العطر و التراب المغتسل بالمطر حين تمسك يديهن و تسير ملتبسا صورة العاشق المنتظر , لا أشتهي إلا رائحة الخبز و بعضا من حرائق الندى الصباحي . يهيم فكري عنك بعيدا و أتذكر أهرامات مصر أعدد أسمائها " خوفو , خفرع , منقرع " أضيع في بعض متاهاتها , ثم أغوص بين أعمدة " أطلانتس "و أتوه في عوالم طفولتي عندها .. ربما أنت رحلت عني الى هناك , إلى قرطبة و موشحات الأندلس , لا أحب قرطبة إلا في خيالها على عينيك . أحب اسم " اسبانيا " لكنك علمتني أن أسميها " الأندلس " . أشتهي روائح الخبز أكثر , الخبز المحترق هذه المرة , و أتذكّر " فلسطين " , الشرقية الملهمة , على أرضها ربما قلبي و قلبك يعزفان النوتات نفسها . ترفض في حركة رشيقة بفمك الفكرة و تهمس منزعجا : " فلسطين قبلة الكثيرين , لن تكون قبلتنا أنا و أنت . " .
" الخبز المحترق يذكرني بها .. قبلتنا في لبنان , ستكتشف سر الشفق الأزرق و أصلي أنا لله انتقاما . "
تبتسم ابتسامتك تلك مبتلعا خلالها ضحكة و مداعبة خفيفة , تشبه تلك الملامح وجهك بعد أن تقول لك فتاة جميلة أنها تحبك . للحب أشكال أخرى لم تمر عليها أجساد العشاق , لحظة عابرة على أرض " بشرّي " نلعن فيها " جبران (1)" بعمق المتعبّد كافية كي نقول أننا اكتشفنا منفذا جديدا للعشق و حضارة أخرى للحب .
ينطفئ كل هذا فجأة و نستفيق , نعود الى واقع أنك تمسك يدي و أننا نسير على الطريق نفسها , أحيانا الطريق نفسها لا تتشابه حين ننظر اليها . شجرة التوت تحييني على عتبة بابي و تطلق حكمة أخرى :" طرق الوداع الدائرية تأدي الى اللقاء ثانية , الأرواح المتعانقة تبني سبلها بمخططات دائرية ." . أتمتم الكلمات خلفها بعد أن شرعنا نترك أيادينا , علينا أن نتحرر من عبودية الأيادي المتشابكة من وقت لآخر كي يحافظ كلانا على نفسه .
" الى الملتقى " . أهمس و أستدير نحوك أرمقك بنظرة أولى . كما توقعت , في حدقتك شيء من التناقض و الضياع . تسألني :
"الملتقى ؟"
" لا أعلم للملتقى شكلا و لا تعريفا .. أيا كانت الطريق التي سنسلكها , ستكون أحد وجوهه. "
" الى الملتقى . " . و تمضي تفكّر في وطن يجمعك .
_________________
( 1) جبران خليل جبران .
________________23/11/2013
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.