كن صديقي

148 10 28
                                    

لنكن صديقين فقط هذا المساء...

ارمي حصاك على نافذة الغرفة واختبئ تحت الجدار بين الحشائش، سأخبئ جدائلي تحت الخمار، وأرتب شعر الحاجبين وأختار عطرا لائقا وأضع حمرة غير بارزة وأتظاهر أنك كالآخرين، وأنني كالأخريات، لا شيء يجمعنا إلا خوفنا من وحدة الليالي والحنين إلى ما لا ندرك.

سأحكم إغلاق الأبواب والأضواء وسأشعل شمعة معطرة أضعها على المنضدة قرب مجلسنا، ولا تعتقد أبدا أني أعد لك مناخا عاطفيا، كل ما في الأمر أنني مجبرة على التظاهر بالنوم كي لا يطرق والدي باب الغرفة ويسألني عما أفعله خلسة منه.

سأفتح لك الآن نافذتي وستصعد مكتوم النفس، ضربات قلبك تعلو كلما اقتربت أكثر من الشرفة، سأسألك بهمس عن بذور عباد الشمس المالحة وتخرجها من جيبك وتخرج وردة بيضاء، ستقول قطفتها من الطريق، رأيتها تطل من سور أحد الجيران فسرقتها، ثم ظلت في يدي.

سأرتب الفشار والعصير والحلوى على الأرضية الباردة وستتوسد فخذي، تحدق في تفاصيل وجهي، أحدق في تفاصيل وجهك، أظن أنك أجمل من خيال عابر لرجل شدني على الطريق وأنتشي ولا أقول شيئا، صديقين سنبقى حتى ينتهي الليل الطويل.

ستحدثني عن كل ما ترنو إلى تحقيقه من أحلام وعن بطولاتك العظيمة في مدن النساء، أحدثك عن آخر رجل اقتبست منه قبلة في نصوصي وعن حب عابر لم يترك في روحي أكثر من بعض الصور. ستخبرني عما يصيبك بالأرق في بعض الليالي وأمرر إصبعي على حاجبيك، أقشر بذرة عباد الشمس بين أسناني ثم أضعها في فمك، وسأقول من حين إلى حين أن لا شيء يهزم أمثالنا، لا شيء يكسرنا، لا شيء يتعبنا، العالم حلبة كبرى نجازف فوقها بكل شيء ثم ننتصر. سأخبرك عن المرات التي ظننت فيها أني أموت وأندثر، فتقبل أطراف أصابعي وتهمس بعطف جميل: " قد مضى!"

ستريد أن تشعل سيجارة واحدة، أقوم لأغلق كل المعابر تحت الباب ببعض الأوشحة الملونة، أسرق من علبتك سيجارة ثانية، أشعلها بين شفاهي وأسعل حين يعبر الدخان رئتي، نتبادل السيجارتين مع ابتسامة، هذه ليست قبلة إطلاقا، فنحن صديقين فقط هذا المساء.

أقترح أن نرى فلما مرعبا، نأكل الفشار، نشرب العصير، نتحدث عن الأطياف المخبأة خلف الستائر وعن كل احتمالات الموت المخيف، نقترب من بعضنا أكثر، أخبئ رأسي قرب صدرك وتحيط جسدي بذراعك ونتعانق هكذا، لا شيء غريب أو عجيب، الفيلم مربك لا أكثر.

نبعد الحاسوب عنا وتقترح علي أن تلقي شيئا من الشعر الرقيق قرب أذني، تخاف من أن يسمع أحد صوتك العذب فينتهي النص هنا. كلماتك تفتح مغاور عميقة في داخلي، تنتابني رجفة مربكة وتشتد أنفاسي ثقلا ويملأنا الخدر، أتطفل على شعر ذقنك ألامسه في خمول وتذبل أنت رويدا حتى تسكن قرب عنقي، ثم ننام، ننام صديقين، صديقين فقط.

توقظنا ضوضاء مزعجة في أرجاء منزلنا، والدي يقوم للصلاة وأنت تهتز فزعا خائفا، أرى وجهك الناعس فتبتسم وأبتسم، تجمع نفسك حذرا، تقبل جبهتي  وتثبت الوردة البيضاء بين وجنتي والخمار ثم تمضي نحو النافذة. أبقى أراقبك، لا تقول متى أراك ثانية؟ لا أقول أحبك، الحب وحش مفترس يأكل فينا عفوية اللحظات. لا تقطع علي أي وعد ولا أتمنى منك شيئا، تلوح لي قبل أن تقفز وأبتسم لك أكثر.

أتحسس قلبي بكفتي، لا شيء تغير ها هنا ، صديقين سنبقى، تغيب ألف عام، أغيب ألف عام، نلتقي صدفة في آخر الشارع، على جسر بباريس أو عند ميناء قديم فنتعانق حتى يصير النبض واحدا والدم واحدا والجسم واحدا، ثم ننفصل ببطء فنعود جسدين وعالمين، نضرب موعدا للقاء مرة كل دهرين ولا شيء يغير تفاصيل مساءنا، لا خداع ولا عتاب ولا خيبة، لا شيء ينزع ثوب المحبة عن نبضنا.

فوضى الأبعادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن