الليلة وأنا أعد عن غير قصد وجبتك المفضلة، تذكرتك. رن صوتك كنغمة قديمة مألوفة داخلي إذ بدا لي أنك تهلل فرحا، ورأيت تحركاتك صافية واضحة وأنت تركض مستعجلا إلى المائدة. ولا تستغرب هذا أبدا، حذفت رسائلنا القديمة كلها وتخلصت من صورنا وأحرقت الهدايا وادعيت أمام الجميع بأنني أعاني مشكلة مبهمة في الذاكرة، ورغم هذا تذكرت وجبتك المفضلة ومشروبك المفضل وفيلمك وكاتبك وموسيقاك وملابسك وذكرياتك كاملة وطريقتك المميزة في نطق الحروف وحتى المفردات التي تستعملها أكثر من سواها.
الذكريات لا تحرك فينا نوبة الشوق دائما، لم ينتبني شيء من الحنين أو الحسرة، وبدا لوهلة أن هذه المعلومة شبيهة بأخرى قد قرأتها في إحدى الكتب عن إحدى الشخصيات المحببة والتي بالكاد أذكر اسمها. مشاعر النكران هذه جديدة علي ولهذا أدونها. بل دعني أصارحك أكثر، لقد ضاع عقلي بعد هذا الهاجس الخفيف في تفاصيل مغايرة، خطر لي وجه رجل آخر، تساءلت عما يمكن أن تكونه أكلته المفضلة، ثم أفرطت في التفكير فاحترت حول إذا ما كان يأكل جيدا خلال هذه الأيام وإن كانت مساءاته تمر سعيدة هادئة وإن كان مرتاحا أينما كان. كل هذا جعلني أتذكر تلك اللحظة التي سألتني خلالها، لما لم أطبخ لك يوما مع أنك قد قضيت وقتا لابأس به بالقرب مني وكان يمكن أن أفعل؟ فصمت فقط.
كنت أعطي كثيرا من القلب إذا صنعت لأحدهم شيئا بيدي، ولم أكن أتقبل فكرة أن أوزع قلبي على كل العابرين ولهذا كنت أحبذ أن أعطي الهدايا الجاهزة فقط، تلك التي أحضرها ببضعة دنانير من أول متجر جيد أجده. ألم أخبرك يوما أني امرأة الرجل الواحد، أخبئ له ظفائري وأنتظره مدى العمر؟ كيف أوزع قلبي على غيره إذا؟ ألم أخبرك أن كل ما نخوض فيه لا يعني كثيرا لأن في داخلي صوت عميق يقول أن وجهك لا يمكن أن يكون الوجه الذي انتظرته طويلا؟ ومع أنك غضبت كثيرا يومها وزأرت وصرخت ومع أنني حاولت أن ألطف الموقف أو أتراجع عنه... لكن قلبي لا يعرف الكذب يا سيدي وصوته صادق وصريح. هنالك فرق شاسع جدا بين أن أكون أحببتك أو أن أكون اشتهيت أن أحبك وتعلقت بفكرة أن تكون ملامحك هي تلك الملامح المريحة التي أحتاجها.
إن كل الشعور الذي يجتاحني وأنا أستحضر كل هذا، فرح شديد لكمّ التفاصيل التي رفضت في كل مرة أن أستغني عن شيء منها من أجلك، وأنك كنت واحدا من الذين أسررت لهم ذات مرة بأن وجها منيرا غيرك سوف يلغيك ويلغي كل وجه عداه. بوصلة الروح لا تخطئ حتى وإن أسأت التقدير أحيانا. يبقى السراب سرابا حتى وإن خدع، لا شيؤ غير الماء يمكن أن يحيي.
إياك أن تقلق، هنالك وجه يلغيك، وهنالك وجه يلغيني، ويوجد في ثنايا الحياة قدر كاف من الفرح لكي يرضيني ويرضيك. الدنيا عادلة جدا ولو بعد حين، تذكر هذا جيدا.
#inspired
08/05/2019
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.