فوضى الأبعاد

رمضانية

هذه إحدى الرسائل الهاربة إليك، والتي قد أسمح لك بقراءتها حين نلتقي. أعلم أننا لم نمشي على الأرض نفسها حتى الآن ولهذا لا أعثر عليك في كل الأماكن ويكبر التجويف في قلبي في كل مرة. على قدر إحساسي بقربك اليوم، تبدو بعيدا جدا، ولكنني أحتاجك، أحتاج إلى التنفس على صدرك لأنني لا أجد هواء جيدا حين أجلس إلى نفسي. تبرير هذا سخيف جدا، ولكنني أحب تبرير الأشياء، هذا الفعل الساذج يجعلني أفكر في التفاصيل بعمق أكثر ويجعلها تعلق داخلي.

الحياة حولي ليست بائسة كما يبدو، إنها تبدو كالحياة فقط وأظنك تفهم معنى هذا مثلي. اليوم الأول من رمضان، لا أعلم إن كان علي أن أهنئك أم أن أسألك عن ديانتك أولا، لم أفكر في هذا التفصيل حولك من قبل أو ما يجب أن يكون عليه، كلانا نحب الله بإخلاص شديد وإلا فإننا لن نلتقي، لا يفرط الله بقلبي لرجل لا يحبه كما أفعل، ولا يملك من النقاء ما يكفي لكي يتمدد داخله. أما عن الدين، فأنا أيضا لا أعلم كيف ينظر الله إلى الأديان التي أرسلها وإلى معتنقيها، أعلم فقط أنني أصدق كل رسائله وأؤمن بما قاله، أما ما تعتقده أنت حول الموضوع فهو أمر شخصي لا شأن لي به. رمضانك مبارك على كل حال.

كما ترى أمتلك كما لابأس به من المأكولات والمكونات الغذائية وقدرة جيدة على الطبخ باحتراف، لذا فمكوثي بعيدا عن البيت خلال هذه المناسبة لا يعد مأزقا ولا يوجد ما يدعو للقلق حياله. لدي صديقات طيبات مضحكات سيجلسن حذوي إلى المائدة عند آذان المغرب، الرسائل في هاتفي لا تتوقف أساسا، كل أصدقائي مهتمون بمحاورتي وقضاء وقت سعيد حولي، وقبيل الآذان بدقائق سوف تتصل أمي بنبرتها الحارة وسوف تسمح لأبي بمحادثتي وسوف يتسلل إلي صوت أخي المضحك وسوف يتمنون لي كلهم شهية طيبة. بعد الإفطار سيكون لدي حاسوبي كي أشاهد ما شئت من البرامج الليلية، لدي لائحة من الأفلام الجيدة لو شئت وأخرى للكتب التي تنتظر أن أقرأها والكثير من الموسيقى المناسبة. سوف أتلقى عروضا للخروج ليلا وسوف يكون لدي لباس مناسب في الخزانة ومال كاف لأفعل ورفقاء ممتعون، وأينما ذهبت فإنني سأثير إعجاب أحدهم وسوف أربط علاقات صداقة جديدة وسوف أضحك كثيرا. ها إنك ترى، أنا لا أعاني من الوحدة إطلاقا بل من فرط الحب أحيانا، وحياتي التي أعيشها هادئة ومستقرة جدا، ليست بائسة حتى.. إنها كما يجب أن تكون الحياة في عمر العشرين خلال مرحلة الدراسة الجامعية.

تنقصني "صباح الخير " التي لم تأت منك بعد لا أكثر. ينقصني أن أحدثك بعمق عن تفاصيل يومي وكل الأفكار التي راودتني منذ الصباح وسؤالك عما سأطبخ لكي أقرر الأمر معك. ينقصني اتصالك الذي لن يطرق هاتفي وصوتك الناعس وضحكاتك الخافتة والدفئ الشهي في كلماتك وتمنياتك أنت تحديدا لأنها لا تشبه في وقعها على قلبي أية أمنيات. تنقصني طرقة أصابعك اللينة على بابي ورائحة الخبز الذي ستحضره أنت وإحساسي المفرط بالحماس وأنا أقطع حبات البصل وأنتقي البهارات وأسألك أن تغسل الفراولة. تنقصني نظرة عميقة إلى وجهك وضحكة عذبة تفر من شفاهك والكثير من تذمرك. تنقصني أنت على المائدة وتنقصني الشمعة التي لن أشعلها وصوت ملعقتك وكأس ماءك وحبات تمرك. ينقصني إحساسك أنت بالشبع لكي أشعر بالاكتفاء، غسل الأواني التي تحمل كثيرا من تفاصيلك، الصلاة خلفك في خشوع أمام الله الذي نحب، فإن لم تكن صلاتنا واحدة أصلي صلاتك وتصلي صلاتي ونحب كل المشاهد التي تعبر من بين الاختلافات. ينقصني جزء من فيلم ممل أشاهده معك فأنشغل بمشاهدتك وكتاب ثقيل أقرأ مطلعه عليك فتضيع في رنة صوتي وتنساه، وموسيقى تقول ما تفيض به دواخلنا دون أن نتحدث، ومشية صامتة تحت سماء سوداء تملأها النجوم ويعانقنا أثناءها نسيم بارد جدا. ينقصني أن أودعك ليلا لأشعر أن موعد نومنا قد حان...

تنقصني أنت لأصدق أن الحياة التي أعيشها تبدو كالحياة ولكي أقتنع بأنني لا أقضي عمر العشرين وحيدة حقا ولكي لا يخنق قلبي شيء من البؤس.

06/05/2019.