النص الفائز بالجائزة الثانية بمسابقة براعم الأدب في دورتها الأولى، قليبية، توتس.تم نشره و كتابته في مارس 2012
___________________
وقفت عند زقاق ضيّق يقاطع حيا شعبيا صغيرا , ترمقه بنظرة خائفة مضطربة , تنظر إلى طريقه الطّويلة كثيرة الالتواء , إلى حاويات القمامة السّوداء المنتشرة عشوائيا قرب الأبواب السّوداء متوسّطة الأحجام للمنازل , إلى تلك البيوت العالية ذات الألوان الدّاكنة و نوافذها الزّرقاء القاتمة المحطّمةُ بعضها و المكسوّة بالغبار و شباك العناكب , و إلى الظّلام المنعكس منها جميعها و المنتشر في فضاء هذا الزّقاق الغامض , فاستوحشت المكان حتّى ارتعشت جميع أوصالها . و ركّزت السّمع فما بلغها إلاّ صمت رهيب شبيه بسكوت المقابر ,لا يقطّعه إلاّ زفير خفيف للرّياح ممزوج بخشخشة أكياس القمامة و مواء قطط الشّوارع . فما كان إلاّ أن ازدادت خشيتها و اخترق عزيمتها التّردد , فتشوّشت أفكارها و سكنتها حيرة ولّدت في نفسها صوتا هامسا يقول :
<< ماذا لو فشلت في تحقيق مبتغاك و ارتدّ عليك ؟ و ما يكون مصيرك إن ضعفت إرادتك ؟ لو غلبتك العواطف أو استيقظت فيك إنسانيتك ؟ ثمّ يا فتاة تعقّلي و تذكّري أنّ ردّ الشّرّ بمثله رذيلة أيّما رذيلة , قد كنت دوما من دعاة الفضائل , و ما كانت الفضيلة إلاّ دفعا للسّيئة بالحسنة , تراجعي مادام القرار بين يديك , تراجعي قبل أن تندمي وقت لا منفعة من ندمك . >>
تردّد صدى هذا الصّوت طويلا بين متاهات روحها , فرفعت بصرها إلى السّماء كأنّما تسألها إرشادها, فلمحت القرص الشّمسي الأصفر يخترق أديم الأرض ببطء, تفيض منه حمرة خفيفة على صفحة السماء الزّرقاء كما تفيض دماء البكّارة على الفراش الأبيض للعروس , كانت تلك دموع العذراء على عذريّتها و كان ذاك وداع الدّنيا لنهارها. جرى السّيل على مآقيها و هي تراقب جمال الغروب فلا ترى فيه سوى فضاعة المأساة التّي أصابتها و خلّدت الألم على أوراق حياتها , أحسّت أنّ السّماء تحرّضها فصرخت في أعماقها تعقّب على صوت ضميرها :
<< هل تردّدت يد الظّلم و هي تمتدّ إليّ لتسحقني ؟ هل فكّرت أن تتراجع قبل أن تلقيني أشلاءاً ممزّقة تتقاذفها الألسنة بسهامها المسمومة ؟ هل رحمتني ؟ هل أشفقت عليّ ؟ لا! بل تربّصت بي و استلذّت بصراخي و أنّاتي , طربت لذلّي و استخفّت بتوسّلاتي , لقد دمّرتني ثمّ ألقتني كما تلقى الخردة راقصة على ألحان نحيبي , كيف أتركها بعد هذا تمرّ دون عقاب ؟ كيف لا أثأر لنفسي متحجّجة بمكارم الأخلاق ؟ بل لابدّ لهذه اليد أن تبتر كي ينطفئ قهري و يَأمن من تربّصت به بعدي , لابدّ لي من الانتقام ! لا بدّ لي من الانتقام.>> .
لمعت عينيها بغضب و هي تخرج خنجرا متوسّط الحجم ذا مقبض أسود تزينه نقوش فضيّة و نصل دقيق حاد مستقيم , أمسكته بحذر و إحكام و عادت تحدّق بالزّقاق المظلم محتقنة الملامح .
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
De Todoحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.