لماذا أكتب هذا النص؟ لأنني صبيحة هذا اليوم لمحته بعد أن كدت أنسى وجوده، وأخاله ظنني سأرتبك وستسقط عيني عليه فأرتجف ثم أرتدي كبريائي ثانية وأمر، لكنني حدقت فيه بوقاحة حتى عبرته فأشحت بطرفي بعيدا، وأدرك الآن أنه سوف يقرأ هذا النص فيعلم أني أتحدث عنه وعن قميصه الأزرق المخطط ذاك، وماذا بعد؟ ما عدت تربكني وما عاد يفزعني أن تمر قربي وما عاد لقلبي صوت يناجيك به وما عادت سهامك تضرب لب الروح فتزهقها، ألا يبدو هذا غريبا؟ لم أشتهي أن تقف أمامي وتسألني عن الساعة والأحوال، ولم أر فيك شيئا من الإغراء، ألم يكن باديا على وجهي؟
أعترف لك، إن أقذر سنوات عمري هي الأربع التي مرت بدونك، وكذباتك البيضاء أزهقت روحي كالفأس القاسية، والمرات التي جئتني فيها باكيا مرتجفا أحرقتني أكثر من تلك التي هجرتني فيها، ولقد كنت أغار عليك حتى أظن الروح تفيض، وتذبحني عباراتك الباردة وتناقضاتك ومقارناتك ولعبتك القذرة كاملة، لكنني لم أصدر صوتا بسبب الكبرياء، وأوهمتك بأن حبك محض شعور طفولي انقضى مع أيام المدارس الثانوية كبرا وغرورا وقصصت عليك حكايات كاذبة عن حياتي لكي أطحن فيك نزعتك النرجسية، ولكنك أرهقتني حقا، اخترقتني حقا، نحرت في داخلي عفوية الحياة حقا، ولقد أحببتك حقا كما لم تحب امرأة يوما، بذاك القدر، بذاك القدر، بذاك القدر وأكثر!
خسرت حياتي في سبيلك، قاطعت المسرات والأفراح ودفنت نفسي في قبر قبيح حزنا عليك، وتألمت كلما رأيت الحب في ركن من الأركان يتفتح دون روحي.أعترف أنك ذات يوم كسرتني وهزمتني وبقيت واقفة فقط لكي لا ترى ذل الخسارة يسيل مع دمي. لتقل لكل العابرين أن الفتاة التي لا ترضخ قد ركعت واستسلمت بعد سنين، لتقل لهم أني خبأت لك دقاتي فسرقتها وفررت، لتقل أكرمتك كرما كبيرا وظفرت أنت بجرح غائر كلفني ما كلفني من سنين، لتقل ربحت ثم انتصرت ثم فزت علي وجلست صامتة بلا أنين. فلقد عبرتك، وازددت غرورا بعدك، وازددت فخرا بأني ارتشفت من يديك سما ولم أمت، وذقت منك ويلا ولم أسقط، وبكيت منك كل دمي ومازلت أضحك... وما كرهتك يوما ولا كرهت رجال الأرض انتقاما منك ولا كرهت الحب ولا أغلقت قلبي ولا سمحت لك بأن تكون عقبة تحول بيني وبين الغد الجميل، ما زال في قلبي أمل كبير، ومازلت أصارع ثقل الصباحات بعزيمة لا تنضب ولا أنام ليلي إلا وقد ماتت كل الآثار والحروق، ومازلت تخطر لي أحيانا قليلة حين أجلس إلى نفسي أسترجع حكاياتي فأدعو لك بالخير وأمنع ذرات الكره المقيتة عني، ولقد نسيتك حقا ولست أبالي الآن إن أخبرتك وبالساعات كيف كنت أحبك، وكيف كنت أنظر لك، وكيف كنت أحس معك، لم يعد الاعتراف يصيبني بالإحراج.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.