اعتدت أن يمر ديسمبر حزينا هادئا كل عام، يتآكلني فيه الأرق حتى العظم وتحتد أفكاري كسهام مسمومة تمزق داخلي كل لحم، ظننت أنه الشتاء فقط، فصل الكآبة الصامتة والموت البطيء.
في هذه الليلة الهادئة جدا والممطرة، أسمح لغرفتي بأن تكون واسعة جدا لكي تتسع للأحلام الملونة، أبقي كل أثاثها قريبا من الجدران كي يبقى منتصف الغرفة فسيحا وعلى زربية تحمل بين تفاصيلها البديعة كل أنواع الزهر، أجلس. هي ذي المرة الأولى التي أشاهد فيها كل الموجودات في غرفتي وألاحظ أن كل الأغراض حولي يزينها الورد، الزربية والأريكة، الستائر المشمشية، أغطيتي الثلاث وغلاف الوسادة الخارجي، بل حتى الفراش نفسه وكل اللوحات المعلقة على الجدران وكل هذا بات يكتسب رائحة زكية.
أرخي رأسي على حافة الفراش وأغمض عيني، أتخيل بستانا واسعا جدا لا حدود له وأربط صوت المطر بصوت الجداول العذبة. تدخل أنت إلى المشهد هادئا، رائحتك الأجمل من ألف ربيع تسرق أنفاسي وتحتجزني في دنياك، لا أنسى ما تبدو عليه رائحتك ولو نسيت اسمي يوما، أنت أول جسد أعطيه هوية، وآخر جسد أسكن فيه.
تحط برأسك الثقيلة تلك على كتفي، تغمض عينيك الجميلتين وتتنفس رويدا، أعلم أنك قلق جدا ومتعب وتستنزفك التفاصيل، أعلم أنك تحتاج قليلا إلى وجه يضحك لك وصدر يلم عظامك ثم يضمك وقلب ينبض باسمك وحب ينسيك كدر الأيام وأوجاع التاريخ وتعلم أني حولك أين ذهبت، قلبي لك وروحي لك وأيامي لك وأحلامي أنت وجسدي منك ونبضي أنفاس سكنت في رئتيك، فسحقا لكل القلق والتعب والبرد والبعد والغياب إن كنا في أرض لا تستوعبها الجغرافيا ولا تعرفها المادة الثابتة نجلس في كل زمان وفي أي مكان، رأسي عندك ورأسك عندي وقلبي يدق فينصت قلبك.
أشرب معك كوبا ساخنة من الشاي، أحدثك عن قطي المشاغب، ثم عن يومياتي مع والدتي، أسمع قصصك مع الأهل ثم الأصحاب، تغني لي أغنية عابرة خطرت لك، نغني معا أغنية أحببناها كثيرا، أقبل جبينك، أقبل خديك، أقبل ثغرك ثم أتنهد، تغرق في السكينة وأحدثك بضياع عن مخططاتي الكثيرة للمشروع الثقافي الذي أديره ثم عن الرواية الجديدة التي خطرت لي ثم عن الأحلام التي مازلت أراها بعيدة، أسمع حديثك الطويل والممتع عن المشاهد التي تود الخوض فيها وعن أفكار الأغنيات التي تقلق نومك وعن الأبيات الشعرية التي تبادرت إلى ذهنك مؤخرا فدونتها على دفتر صغير. نصمت قدر ما شئنا من دون أن يبدو لنا الصمت قطيعة، ترتاح أنت على صدري من كل الهواجس المرهقة، تدندن لحنا جميلا وتتنهد براحة كل حين وأكتب أنا لك خلسة نصا سعيدا، أخبرك فيه عن التفاصيل الدقيقة التي تسعدني حين أكون معك، تلك التفاصيل التي لا تستطيع المسافة طمسها ولا تقدر الظروف مهما تطاولت على إلغاءها ولا تنتهي مهما كانت الساعة وحالة الانترنت ومهما كان ما تفعله على أرض الواقع، أنت في دنياي لي وفي أحلامي ومدني الدفينة والعميقة كدقات القلب، أحيا بك وأستمر معك ولا أنفصل عنك.
هي ذي المرة الأولى التي أعيش فيها شهر ديسمبر دون أن أدخل في سبات شتوي قاس، الجو دافئ وجميل وفوانيس الزينة تشع دواخلي وشجرة الميلاد تزداد سحرا تحت جلدي والحلوى تسبق نكهة سكرها على لساني سرعة يد الحلواني، وأما أنت فهدية الرب التي وصلتني أخيرا لكي يصبح في عيني هذا الفصل سعيدا.
#أشتاقك ❤
19/12/2019.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.