أغلقت الباب خلفه مستنشقة آخر نفس من عبقه. أسندت ظهرها الى الجدار مداعبة بتلات الورد الأبيض التي تلقتها منه كهدية. هي لم تكن تحب أن يهديها وردا أبيض أو أحمر, كانت تؤمن أن صناعة الموت ولو بقطف زهرة صغيرة من المستحيل أن تنم عن أية مشاعر نبيلة, بل عن وحشية مطلقة متأنقة, فالأزهار لم تخلق إلا لترقص مع النسيم و تهب شذاها بحب.
ربما لو أهداها أصيصا من الحبق, ترويه من روحها قبل أن تتأوه الشمس, مغنية كلما تكورت تفاصيله الصغيرة في حلقها كشهقة عميقة, لتنمو حبقاتها بقدر ما يمتد اسمه عابرا شريانها.
سارت نحو المزهرية فوق أحد رفوف مكتبتها, تتبع في خطوها إيقاع نبضها الراقص نشوة, لتقبر داخلها باقة الموت المستسلمة بين يديها... إذ أن جنائز الورد استثنائية جدا, تحتفل أثناءها العاشقات بسذاجة, من دون تفكير بأن الموت لا يمكن أن يهب إلا الفقدان.
جمعت خصلاتها فوق كتفها الأيمن و تحسست بيسراها آثار شفاهه على عنقها, أطبقت جفناها و أطلقت ابتسامة حارة, عضت شفتاها متبعة طرقات سلكتها أصابعه عبر جسدها. اجتاحتها اللذة و رفعتها مجددا لتلمس بأناملها سقف الأحلام, و لتراقص أمنياتها على أنغام موسيقى من الصمت الصاخب. أطلقت ذراعيها كطائر يندفع جهة السحب للمرة الأولى, تهتز أحاسيسها الرقيقة في سكينة فثورة, و دارت حول نفسها كزوبعة صحراوية.
أطفأت حلقة الشموع التي سهرا يتسامران داخلها- تشتت بردهما القبلات المسروقة بين النفس و النفس- ليلتهمها الظلام تدريجيا من دون أن يتبعثر خيط النور الدقيق المنبعث منها... استلقت على الأرض تعانق تحركاته حولها... تسابق اهتزازاته, و تمتلئ به أكثر... تنهدت بعد أن احتضنت نفسها بذراعيها و ابتسمت بانكسار...
اشتهت لو اتصفت بقدر صغير من الغباء يسمح لها بأن لا تدرك فجـأة أن القمم الشاهقة عادة ما تليها المنحدرات الزلقة. جعدت جبينها بضيق ثم قهقهت بتصنع حتى أبكمها تدفق الغصص و أطلقت صيحات هيستيرية, متأملة صباحا تشق خلاله طريقها نحو الخسارات..
تؤمن أن الرجال الذين يغتالون الورود أعجز من أن يعطوا حياة.
#بقلمي #تخربيشة
كتب في 12/03/2016.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.