فوضى الأبعاد

تناقضات (١)

أعتقد أن حالات الألم التي اعتدت أن تراودني أشد رأفة من حالات الانطفاء التي أدركتني مؤخرا. من المحزن أن أكون امرأة في بدايات العشرينات تحدق في الحياة بعيني امرأة في الستين، زاهدة في كل شيء، تمزق لحمها وتوزعه على الآخرين إيمانا منها بأنها ستندثر قريبا جدا، ما الجدوى من خوض المعارك الحامية إذا؟

اليوم، أشعر بأن جنازة صامتة تُقام داخلي، مرت ليالي طويلة تفاديتك فيها دون صوت لأني اكتشفت بأن سرطانا حسيا غريبا قد تمكن مني وراح ينهش روحي حتى أفناها، ما عدت أريد شيئا يا صديقي الجميل، لا الحياة ولا الابتسامات ولا الحب ولا الرفقة ولا حتى أنت... ما عدت أستطيع البكاء أو التوجع أو الشعور، استسلمت أخيرا وقد أيقنت أنني لا أمتلك من الدنيا حتى نفسي، لا شيء إلا الانتظار الطويل لزوال يأباني وينفر مني.

اليوم استيقظت دون صداك في دواخلي، ولأمر لا أفهمه رأيت صورتك المعلقة فسرت إليها بخطى ثقيلة ثم قلبتها وغادرت الغرفة. تناولت وجبتي الصباحية وحدي ورغما عن معدتي. جمعت رسائلي التي كتبتها لك وخبأتها في صندوق خشبي صغير دسسته تحت الخزانة ثم اتخذت قرار التوقف عن الكتابة. انطفأت يا صديقي وتعبت وأنا أطارد شرارة الشغف وأحاصرها ليشتعل في قلبي ساعة ثم تنفخ الحياة بريحها العاتية فتقتله.

أتمنى أني كنت طيفا شفافا ساكنا لم يحرك شيئا ولم يكسر شيئا ولم يملأ حضوره أي فراغ كي يخلفه بارزا بعد الرحيل، فلقد قررت الرحيل قبل أن تغدو حتى هذه الأرض حطاما وخرابا، تدفنني في صمت أثقل من الصمت.

12/04/2019