هناك بعض الكلمات تسقط على رؤوسنا كضربة فأس قاسية، وأنت بارع في قولها على ما يبدو. بالطبع، أنت ذكي جدا ولا شيء مما تفعله يحدث مصادفة، وإن حدث مصادفة فلا أحد سيعلم وسوف نضيف على كل حال نقطة أخرى إلى رصيدك من الذكاء. أعتقد أنني أقول هذا كي أزعجك لأنني فجأة تذكرت بعض المواقف وابتسمت.
هناك فرق شاسع بين ليلة البارحة وهذا اليوم، يبدو وكأنني نزلت لأختلط بطين الحياة الطبيعية ولكي أتمرغ على الأرض ويمزق جلدي بعض الحصى وأبكي من هذا القدر المؤلم، لكنك أمسكتني من ياقتي بقوة وألقيت بي مجددا داخل برجي العاجي الشاهق، والآن أنا أحدق في كل شيء من الأعلى مجددا.
عقلي نشط جدا منذ الصباح وقلبي خامد وكسول وهذا يجعل الوقت يمضي بطيئا جدا. إن كل التفاصيل التي كانت تتآكلني قبل أيام قد خمدت الآن كأنك قد ضغطت زرا خفيا أسفل عنقي أو قطعت سلكا كهربائيا فاسدا شوش على الدارة كاملة فتوقفت الضوضاء بالكامل وأصبح كل شيء طبيعيا فجأة.
أعتقد أنك تفهم الطريقة التي تعمل بها وظائفي منذ الأزل، أعيش داخل خليط مربك جدا من الواقع السطحي جدا والوهم العميق، أم أنك لم تنتبه بعد؟
أخالك سمعت عن تجربة الطبيب بورهيف لاختبار مدى قدرة العقل الباطن حين ثبت أحد السجناء المحكوم عليهم بالإعدام على أحد الكراسي معصوب العينين وأقنعه أنه سيفرغ جسده من الدم، ثبت أنبوبا دقيقا على ذراعه وجعل الماء يمر من خلاله وجعل السجين يشعر بسيلانه على يده ويسمع صوت انهماره على الأرض ويتوهم أنه ينزف حقا وأن ذاك السائل ليس إلا دمه... وفجأة مات السجين في اللحظة التي كان يفترض به أن يموت فيها لو فرغ من الدم حقا. الوهم أكثر قوة وتأثيرا من الوقائع يا صديقي، لأنه كل ما نتفاعل معه على ما يبدو، وأقول على ما يبدو لأنني لست واثقة بعد.
كيف أصور لك حالتي إذا، التي قد تكون حالتك أيضا، وقد تكون حالة الكثيرين... كنت أخوض الحياة باندفاع قبل أن تتشابك الأمور فجأة، أو قبل أن يدرك عقلي البسيط آنذاك أنها معقدة ومتشابكة، على كل حال كنت أحتاج إلى صدمة ما وتلك الصدمة هي لحظة يتم انتزاعي أثناءها من السرب ثم تثبيتي وبعدد مرعب من السلاسل الدقيقة والخيوط الشبيهة بتلك التي يستعملها صيادو السمك في صناراتهم إلى كرسي حديدي تم إلصاقه بالأرضية باستعمال الإسمنت. يتم إغلاق النوافذ والأبواب والأضواء، المكان الذي أجلس فيه مظلم تماما ولكنني أعلم مسبقا أن الجدران ممتلئة بوجوه مختارة جيدا من حياتي وأن كل فرد منهم قد ارتكب خطأ ما في حقي وأن كل خيط أو سلسلة تقيدني هي في الواقع مربوطة أيضا بأحد تلك الوجوه، وأعلم أيضا أن قانون هذه التجربة ينص على أنني لن أستطيع إطلاقا تخليص نفسي بنفسي وأنني إن حدث وتخلصت فهناك منقذ بطل قد قام بهذا ومن هذا المنطلق فسوف أشعر نحوه بامتنان كبير وسوف أنتظره بحرقة مبالغة.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.