إلى الرجل الجبان الذي قابلته ليلة الخميس:
إن تحديقك الطويل في وجهي في اللحظات التي يبدو لك فيها أني لا أراك لا يمكن أن يصنع قصة ناجحة، القصص الناجحة تبدأ حين تحدق في عيني ما إن يقع بصري عليك، وأن تسبب لي رجفة في الأوصال حتى العظام فيتجمد الزمان وأنسى حتى اسمي وأتوه بصمت موسيقي في عسليتيك. إن ارتداءك نظارات شمسية فجأة وفي كبد الليل البارد خطة مبتذلة جدا، لأنني لن أنظر إليك أبدا هكذا، إن كنت أردتها حربا فدعني أصارحك بهذا من البداية، لن أنظر أبدا إلى رجل لا أعلم تحديدا ما تتحسسه عيناه، لكنك إن أزلت النظارات السخيفة وحدقت في وجهي بجرأة فسوف أنظر لك بلا انقطاع، فلتسساوى يا سيدي الوسيم حتى الموت هزائمنا وانتصاراتنا.
رغم هذا، فلقد أحببت كثيرا طرائفك السخيفة التي أطلقتها بصوت عال، لديك حس فكاهي جيد جدا مع أنني لم أضحك أمامك، وعفويتك وأنت لا تنتقي الكلمات حين تحدث أصدقاءك دغدغت شيئا داخلي، إنك طفل عملاق أيها الأبله الجميل، رأيت شعيرات الدم الدقيقة والرقيقة حول خديك، أنت ذاك النوع الذي يتورد سريعا ومن سوء حظك أنك فاتح البشرة، لاحظت أنك تحمل ملامح رضيع صغير، ونظرات عينيك بريئة جدا وبراقة، وأنت أيضا ذاك الصنف الذي يرتبك سريعا ويندفع سريعا ويتلعثم سريعا ولا يكبح جماح مشاعره سريعا، وحين أدعي أني لا أراك، أراك بدقة، وأغوص فيك، أقلب صفحاتك المطوية وأخترق كيانك وأعرف عنك ما لا تعرف أنت عن نفسك، فلا تخجل هكذا ولا تعتقد أن عدم مبالاتي حقيقية، وبدل التحدث بصوت عال كي أسمعك، يمكنك أن تقترب وتهمس في أذني بشيء من الخصوصية، قد أستجيب بشكل أسرع وأوضح.
حين كنت أمشي آخر الرواق، رأيت أنك قد لمحتني وانتبهت لفرق السرعة في خطواتك، إنني أطبق آلاف المعادلات المعقدة داخل رأسي، وأحلل كثيرا وأعاني مرضا مزمنا يجعلني أهتم وبإفراط بردات الفعل جميعها، تعتقد أنها حركة غير بارزة وغير ملحوظة ولكنها كل ما كنت أفكر فيه، حتى وقفتك المعوجة عند الباب الذي سأدخل منه بعد دقائق فأضطر للاعتذار وسؤالك بلطف أن تبتعد حركة غبية، لم يكن تغييري لوجهتي عفويا، وعلى ما يبدو فأنا أبرع منك في نصب الفخاخ، كنت واثقة من أنك ما إن تفتقد ظهوري ستعود أدراجك، ستراني في الحديقة أراقب السماء في هيام شديد وسوف تأتي مرغما.
رأيت حملقتك في كل الجهات متظاهرا بأنك تفعل كل شيء دون قصد، يداك اللتان اختبأتا في جيوب سروالك ومشيتك البطيئة ونظرتك الشاردة وأنت تقترب مني وتصنعك اللامبالاة، إن الأمر مضحك، لكني جلست هناك لأرى هذا المشهد تحديدا، كنت تنظر إلى الأعلى كأنك ترى شيئا ولم تنتبه لكون ما يقبع فوق رأسك سقف أبيض لا غير وما يقع أمامك باب مغلق ولا شيء يستحق التأمل بذاك الشكل المبالغ، لأن الطرف الذي يخطف الأنفاس يقع تحديدا خلفي، اختياري للمكان الذي جلست فيه لم يكن عشوائيا، فاتك أنني كاتبة، وأنني بارعة في هذه اللعبة بالتحديد؛ حياكة المشاهد.
نظرت إلى وجهك أخيرا وأنت بدأت بالتحدث، طرحت علي بسرعة كما من الأسئلة التي لا تخصك ولم تقل شيئا عن نفسك، دراستي ومدى تقدمي في العمل وأصدقائي ومكان سكني وحتى ما سأفعله بعد حين وموعد عودتي للبيت ومن سيوصلني وتفاصيل كثيرة لا تضيف لك شيئا. أخبرتك، أنت لا تنتقي الكلمات جيدا حين تتحدث، إنك مرتبك ولا تعرف كيف تصنع حوارا مثمرا وأنا أستمتع بتعقيد الأمور عليك، إعطاء إجابات لا تحتمل فتح حديث حولها، تقتل الموقف بضربة قاضية. أليس علي أن أقيس مدى رغبتك في محادثتي وقتها؟ حين تركتك واقفا ثم عدت إلى القاعة دونك، ابتسمت بعمق، طريقتك في النظر والانفعال وأنت تلتهم ملامحي لذيذة جدا وكافية.
سذاجتك تفضحك كثيرا، جديتك التي تعكس توترا وجرأة يغلفها القلق تعري نواياك بأسلوب مبالغ جدا. إيقافي في الرواق ثانية وفجأة، ثم سؤالي عن موقف قد حدث منذ أربع ساعات على الأقل أمام ناظريك، موقف لا يخصني إطلاقا ولا يخصك، أعلم أنك كنت تحاول قراءة عيني حينها، لكنك غير بارع في فك الرموز، أما أنا فقارئة مهووسة، حتى لحظات شرودك وارتجافة شفاهك الخافتة قد سجلتها في قاعدة البيانات اللطيفة التي خصصتها لك. سترتك السوداء تليق بك جدا ووجهك وسيم إلى حد لا يمكن احتماله والفرق الشاسع بين قامتينا يكفي لأغير صفتي وأكتب في ذاك المدى شعرا طويلا، لكنك أحمق جدا، تعلم فنون القتال سريعا ودعني أحتار وأحترق وأتعب كي أفهم فلسفتك. أعلم أننا سنلتقي مجددا، سنلتقي كثيرا، وستتشكل بيننا مع الأيام لغة صامتة وعميقة، فلتصر جريئا وشجاعا ومراوغا جيدا ودعني أكتب عنك نصا إضافيا.
#inspired
19/04/2019
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
De Todoحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.