النجوم جميلة جدا الليلة، تشبه حبات من اللؤلؤ تناثرت على ثوب ملكي نادر جدا. قررت أن أكتب لك رسالة عابرة. لماذا يكتب الناس الرسائل؟ يتحدون الغياب ويتفادون اللقاءات التي قد تأكل من جسد الطرفين وتعكر شيئا من المزاج الثقيل.
إنني لا أبدأ رسالتي بعنوان ولا أضع اسمك في المقدمة، لكن كل الذين سيقرؤون سيبحثون عنك داخل التفاصيل، سيبحثون عنك بلهفة ونهم، عداك أنت، سوف تقرأ، سوف تبتسم وسوف تقول دون تحليل مفرط هذه الفتاة تخاطبني، أنا دون الجميع.
أقول هذا مع كثير من الدهشة، لا لأنك ومنذ الرسالة الأولى تقفز بعد كل نص جديد أنشره عنك إلى علبة رسائلي كطفل صغير مبتسم قد غطت الشوكولا نصف أسنانه، إنما لأنك تثق بقلبي إلى حد ما فلا تشك بأنك فرد من جماعة وبأن الرسائل متعددة الأهداف والأغراض وبأنني محتالة تلعب دورا بطوليا في كل قصة، تضع ساقا على ساق ثم تراجع وبروية واستمتاع كل الحبكات. ألا يبدو جميلا جدا أنني حقا حين أكتب هكذا لا أكتب إلا لك وأنك حين تقرأ لا تحتاج إثباتا ولا دليلا ينفي داخلك كل الشك؟
كنت أريد أن أقول كيف حالك؟ وكيف هي أيامك؟ وكيف صرت الآن؟ لكنني قررت أن أبدأ نصي بتمجيدك وباستثناءك وبتصويرك رجلا لم يتكرر رغم غزارة تاريخي ودسامة أحداثي وكثرة قرائي. حين أقول أن لا أحد يعرف أطلنتسي غيرك سوف تغدو سعيدا، ماذا أريد أكثر من أن تبدو سعيدا؟
في لحظات الصمت الطويل، تغيرت كثيرا، صار قلبي حديديا، وصرت أشبه أميرة رومانية اشتهرت بالصبر وبالقسوة، تقود حربا صليبية أخرى، وتقتل آلاف الرجال بلا رحمة، وتلقي الخطابات الثورية، وتفكر وبلا جزع في الموت فتشتعل كالمدفع وتتحداه وتتصدى له. أتحدث أحيانا عن قيادة الثورة الجديدة وأدس في رؤوس الناس أفكارا انقلابية خطرة وأصنع لنفسي مناصرين، أنسى أحيانا أنني أنثى وأنسى أن أفكر في العطر الفرنسي واللباس الملون وأزهار الأوركيد المغري، أنسى أن أسمع أغنية وأن أفكر في الحب وفي لحظات الولادة وفي أحاديث الليل الطويل. لا تعلم شيئا عما أود فعله مؤخرا ولا أتحمس للبوح ولكنني أكتب لأن شعورا دفينا بأنك ستتذكر هذه الرسالة غمرني، ربما لأنني تخيلت رأسي معلقة على سور القصر الرئاسي كنيد ستارك، ربما لأنني أدرك أن الأمر ينتهي برصاصة في منتصف الصدر وشهقة خائرة وابتسامة، أو ربما قضبان أشد صلابة من قلبي. دعني أفصح لك أنني أشعر بالنشوة، مليون خلية تهتز داخل صدري حماسا والكثير من الحلم يجري في جوفي كالنهر.
في هذه اللحظات من الليل أخلع تاجي الملكي، أزيل الدرع عن صدري وواقي الرأس، ألقي بالسيف بعيدا وأطلق شعري ثم أجلس حذوك في الخفاء، أنت الجندي الذي أمر قربه فلا أنظر في عينيه ولا ألقي سلاما ولا ترتعش أجفانه لكن آلاف الكلمات تعبرنا كرنين صامت، وحين يجن الليل تخبئنا الأرض، تعانقنا الريح، يغسلنا المطر. إنك تعلم أن شيئا منك ينتمي لي وشيء مني يشبهك حد التطابق، أنت الصديق الجميل الذي انبثق من روحي ولم أحتج أكثر من نفس عميق ونظرة واحدة كي أعرفه، أنت ذاك الذي عاهدته قبل الولادة أن لا تمر الحياة إلا وقد التقينا مرة وأن لا يتكسر في جوفه وتر إلا وقد صيّرتُ قلبي له وترا. أطلنتسي التي بحثت عنها طويلا حتى وإن كنت أمضي دونها. إنك الوجه الذي لن أنساه، وأعلم أنني وجه لا تنساه،
كنت أريد أن أقول كيف حالك؟ وكيف هي أيامك؟ وكيف صرت الآن؟ لكن النجوم الجميلة وحبات اللؤلؤ والثوب الملكي ابتلعوا نص الرسالة.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.